أنماط - (22) نمط الشخص المترخص
صاحب شعار "علِّقها في رقبة عالِم واخرج منها سالِم"!
ومن الأنماط المنتشرة نمط الشخص المترخِّص صاحب شعار "علِّقها في رقبة عالِم واخرج منها سالِم"!
ولستُ أعني بالترخص إتيان الرُّخص الشرعية التي وردت بالدليل الصحيح فتلك رُخص ربانية يحب الله أن يأخذ بها عبده وتعمل بها أمته.. كالجمع في السفر والفطر للمريض والمسافر وما إلى ذلك، من تخفيف على الخلق يريده المولى جل وعلا وهو القائل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28].
وهو يحب أن تؤتى رُخصه كما يكره أن تُؤتى معاصيه وفي الحديث عند الإمام مسلم رحمه الله: «
لكن ما أعنيه بالمترخِّص المذموم هو ذلك الملفق الباحث عن رخص العلماء في كل مسألة والآخذ بشذوذاتهم وغرائبهم والمتتبع لزلاتهم.. ومن بحث عن ذلك فلا بُدَّ سيجده.
ذلك لأنه ما من عالِم إلا وله زلة أو رأي شاذ يخالف الدليل الصحيح وليس من بين العلماء معصوم لا يُخطىء أو لا يغيب عنه الدليل أحيانًا، فيُفتي باجتهاده وربما يؤجر على ذلك الاجتهاد الذي اضطر إليه في زمانه.. لكن هل يؤجر من اتبعه لمجرد أنه علَّقها في رقبة عالِم بعد أن أعجبه القول وجاء على هواه فأخذ به ورفض ما دلَّت عليه الأدلة الصحيحة؟!
الجواب: لا.
لا يقبل منه ذلك إلا إن كان جاهلًا لا يستطيع البحث والسؤال ولم يبلغه الدليل الصحيح، أو أنه لا يستطيع التمييز ولا يملك إلا التقليد الذي لم يفعله بهواه واتباعًا لميله ورغبات نفسه..
أما ذلك النمط الباحث عن الزلة المفتش عن الرٌّخصة ليتبعها أينما كانت في كل شأنه فهذا نمط في النهاية سيجتمع فيه الشر كله كما ورد عن سليمان التيمي قال: "لو أخذتَ برخصة كل عالِم اجتمع فيك الشرّ كله".
وعن إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي قال: "دخلتُ على المعتضد فدفع إليَّ كتابًا نظرت فيه وكان قد جمع له الرُّخص من زلل العلماء وما احتجّ به كلٌ منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنين مُصنِّف هذا الكتاب زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رُويت، ولكن من أباح المُسكِر لم يُبِح المتعة، ومن أباح المتعة لم يُبِح الغناء والمُسكِر، وما من عالِمٍ إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه".
ولقد نصّ الإمام أحمد وغيره أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبًا أو حراماً ثم يعتقده غير واجب أو غير حرام بمجرّد هواه، مثل أن يكون طالبًا لشفعة الجوار فيعتقدها أنها حق له، ثم إذا طُلب منه بعد حين شفعة الجوار اعتقد أنها ليست ثابتة اتباعًا لقول عالم آخر، فهذا ممنوع من غير خلاف..
ولهذا النمط الملفِّق أقول:
يا عزيزي! إن السماح واليسر في الشريعة مُقيّد بما هو جارٍ على أصولها الثابت بالدليل الشرعي الصحيح وهي شريعة يُسر في ذاتها لا تحتاج منك إلى مزيد تلفيق لتيسرها، فيُسرها قائم فيها. وليس في تتبع الزلات ولا اختيار الأقوال على أساس الهوى بل هذا مما نُهي عنه في الشريعة؛ لأنه ميلٌ مع أهواء النفوس، والشرع قد نهى عن اتباع الهوى وفي الأثر الصحيح: "ما خُيِّر النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا".
تأمَّل...
"ما لم يكن فيه إثم".
فهل زال كل إثم بمجرد أن عالِمًا من أقصى المشرِق أو المغرب لم يبلغه دليل التأثيم؟!
إن مآل ما تفعل يا عزيزي هو دين ممسوخ لا يملك منع النفوس من اتباع أهوائها، وشهواتها وتحول المعيار الوحيد للحكم على الأشياء إلى موافقتها لهوى النفس مما سيؤدي في النهاية إلى الانسلاخ الكامل من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الشذوذات والزلات ثم الوقوع في المحرَّمات، فلا يوجد محرّم تقريبًا إلا وهناك من قال بإباحته إلا ما ندر من المسائل المجمع عليها، وهي نادرة جدًا.
فهل هذا هو الدين الذي تريده أن يتبقى لك؟
دين لا يملك أن يمنعك من محرَّم أو يحكم شهوة في حياتك!
سلْ نفسك وتبيَّن أمرك واتبع الدليل لا الهوى تزول عنك خصلة التلفيق، ولا تكونن دومًا من المتبعين لرخص العلماء وزلاتهم واعلم أن تعليقها في رقبة عالِم لن يخرجك دومًا سالِمًا..
- التصنيف: