الجفاء.. مشكلة الأزواج
الشعور بالجفوة بين الزوجين سبب كل أزمة منزلية، ومبدأ كل خلاف، فقد تتصاعد المشاكل بين الأزواج وتظهر علامات العبوس في الوجوه، ويشعر كل من الزوجين بمحنته وعدم راحة باله بمجرد التعرض لمشكلة ما..
الشعور بالجفوة بين الزوجين سبب كل أزمة منزلية، ومبدأ كل خلاف، فقد تتصاعد المشاكل بين الأزواج، وتظهر علامات العبوس في الوجوه، ويشعر كل من الزوجين بمحنته وعدم راحة باله بمجرد التعرض لمشكلة ما -المشاكل العارضة قد تحدث يوميًا-.
يتعنت كل برأية ويرفض رأي الطرف الآخر، ويترك للشياطين فرصتها التي تسعى إليها بكل ما أوتيت من حيل للإفساد والتفريق، فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين، وسعيها الأول هو أن تفرق بين الزوجين، وتعظم قدر المشكلة في عيونهم، يقول الله تعالى في سورة البقرة: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة من الآية:102].
فتظل الزوجة أو الزوج يذكر كل منهما المشاكل السابقة لدى الآخر بمجرد التعرض لمشكلة ولو صغيرة، ويبدأ كل منهما بتذكر سيئات الآخر وسقطاته، ناسيًا كل حسنة أو خير أو جميل قد قام به من قبل تجاهه، ويشعر كل منهما أثناء المشاكل أنه يعاني من الجفاء لدى الطرف الآخر، ويصعد هذا الشعور لديه وينميه عنده بعدة وسائل منها: أن يعيش في قوقعته داخل البيت تاركًا الحوار مع الطرف الآخر، أو يكبر عنده الجفاء عند ما ينظر لغيره من الأسر وكأنها الأسرة السعيدة الناجحة، متصورًا الفشل في أسرته وعدم متانة بنيانه..، لكنه لو دقق وعمق تفكيره ولو قليلاً لعرف وظهرت له الحقيقة التي قد تغيب عليه.
أن متانة وقوة الأسرة ونجاحها ليست قاصرة على المظاهر، ولكن تظهر في جواهر أفرادها: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].
فالتعلق بالله تعالى يكسر كل الحواجز ويقرب القلوب لبعضها مجددًا فيها الحياة، فإذا اهتم كل من الآخر بصلاح قلوب أسرته، وبتقوى الله تعالى والقرب منه سبحانه لعرف أن في ذلك طريقًا للسعادة والوصال المتبادل، ولخرج من دائرة السراب التي يضع نفسه فيها كفريسة لفكرة الجفاء!
ربما تكون فعلاً نظرة كل من الزوجين إلى الآخر نظرة جافة، وقد يصح هذا الإحساس في بعض المواقف وبعض الأساليب، لكنه عارض ليس مستمرًا، وقد يواكب الخلافات، وقد لا ينتهي بمجرد انتهاء المشكلة، لكنه يتغير، فلا داع للاستمرار نفسيًا والتمادي في هذا الإحساس.
إن أسباب مشكلات الأزواج التي تفتح الأبواب للجفاء كثيرة، وقد يأتي كل ذلك نتيجة غياب المنهج الإسلامي في العلاقة التي بين الزوجين، والتي تنظم أحوال الأسرة بأكملها، فالمرأة الواعية هي التي تستفيد من كل خلاف، فتحاول قدر استطاعتها ألا تعود إليه أبدا، فالمؤمنة كيسة فطنة، ولا بد أن تتخذ من المصالحة وسيلة جديد للترابط والتوافق، فتعض عليها بالنواجز لتتحدى من خلال ذلك الجفاء، بل تبادله بوصال.
أيضًا شيء هام وهو ترك الأزواج للمشكلات التي تواجههما دون الجلوس ووضع منهج محدد للتغلب عليها مما يضخم ويعصف أمواج هذه المشكلات طوال حياتهما، وذلك سبيل لموجة جفاء قد تكون طويلة بينهما، فإن وضع المنهج المحدد والجلوس سويًا قد يغلق طريق الإحساس بالجفاء لدى الطرفين.
ولا بد أن يلجأ كل منهما فيما يتعلق بتلك المشاكل بالتمسك بالجوهر الإسلامي، والأخذ بما جاء في القرآن والسنة، ثم عرض المشكلة على هذا المنهج والخضوع والاحترام لرأي الدين فيها، وقد علمنا ديننا العظيم بعض الطرق ربما تكون من مفاتيح الخير بين الزوجين، أو تكون من سبل التواصل منها وطرد الجفاء..
1- البشاشة من الطرفين لدى الآخر، فالوجه البشوش قادر على تغيير الأمر من حال إلى حال، يقول صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة» (صحيح الترمذي:1956)، فكيف لو كانت هذه الابتسامة من أحد الزوجين تجاه الآخر؟
2- محاولة الحوار والمشورة في أحوال البيت والأولاد أو في أي شيء آخر، ورجاء -أثناء المشورة- أن يتسع الصدر في السمع، ويبدي الاهتمام لرأي من أمامه دون الرد بالكلمة الحادة، أو الهزلية التي قد تفسد جوهر الحوار.
3- الهدية المتبادلة بين الزوجين ولو قليلة، والمتبادلة بينهم وبين الأبناء، فالهدية كما نصح رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رسول للمحبة وقال فيها: «تهادوا تحابوا» (حسنه السيوطي في الجامع الصغير:3374).
4- اهتمام كل من الزوجين بالآخر، فلا تهتم الزوجة بالأبناء على حساب الزوج، ولا يفرط الزوج في بعض مسؤولياته الأسرية تجاه زوجته أو أبنائه أو ضيوفه أو أهل زوجته، أو أقاربها أو غير ذلك.
5- عدم الإهمال من قبل أحد الزوجين في أداء حقوق الطرف الآخر حتى لا يتصاعد الشعور بالجفاء.
6- تغيير الزوجة نفسها فالتربية الخاطئة للزوجة قد تكون مشكلة كل ذلك، فقد تكون نشأت في بيت أبيها متخذة والدتها قدوة لها، فرأت أمها في صورة الرقيب أو الشرطي لزوجها مستحوذة على كل شيء، فتقوم هي الأخرى بدور أمها مع زوجها مما يضخم ويسبب انهيار العلاقة بينهما.
إن البعد وتطويل فترة الخلاف بين الزوجين يزرع فجوة بينهما، فخير الزوجين من يبدأ بالوصل ويقبل على الطرف الآخر ويصالحه ويصفح عنه، وخيرهم عند الله تعالى من يبدأ بالسلام.
أميمة الجابر
- التصنيف:
- المصدر: