التغيير اللطيف
إن تغيير الله لواقع البشر ونصرته للمظلوم لا تحدث -في العادة- فجأة! بل هو "التغيير اللطيف"، تغيير مثل دخول النهار في الليل ودخول الليل في النهار، لا يتم في لحظة بل يمتد عبر ساعات، وعبر تطور رقيق غير محسوس!، وهو مثل تغير الأرض من الجدب إلى الخضرة، لا يحدث في لحظة، بل يتسرب الماء إلى الأرض ثم يتسرب النبات من باطن الأرض إلى ظاهرها!، هكذا يحدث تغيير الله في العالم، وهكذا ينصر الله المظلوم.
اقرأ هذه الآيات بقلبك أولاً: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج: 60-64].
إن الله تعالى يَعِد المظلوم بأنه سينصره، ويؤكد هذا الوعد بعبارات قاطعة تطرق القلب كزلزال حقيقي:
1. فهو وحده الذي يستطيع أن يغير الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، وهي القدرة القاهرة الباهرة على التحكم في الكون وتغيير ما لا يستطيع البشر تغييره بل ولا يجرؤون على التفكير في تغييره!
وهو السميع البصير، فلا يخفى عليه الحق ولا يخفى عليه الظلم ولا يهرب منه مجرم، بل هو يسمع همسات نفسه في نفسه وسره كعلنه، ويبصر مكانه وأرضه وحاله وجميع دقائقه وخفاياه.
2. وهو الحق الذي لا يرضى بالظلم، وما سوى الله باطل، وهو العليّ الكبير.
3. وهو وحده القادر على تغيير أحوال الأرض، ينزل الماء من السماء فيتحول أمرها من الجدب إلى الخضرة، ومن الموت إلى الحياة.. وليست تلك القدرة إلا لله.
4. إنه جل وعلا صاحب هذا الكون كله، له ما في السموات وما في الأرض، وهو الغني عن كل خلقه، المحمود في أرضه وسمائه.
وهذه الآيات فضلا عن لهجتها القوية تمتلئ بأساليب التأكيد (أَنّ، إنّ، لام التأكيد) بما يزيد القلب رهبة ورجفة وخشية!
لكن في الآيات لمحة لطيفة سارية فيها وسط هذا الموج القوي الهادر!
إن تغيير الله لواقع البشر ونصرته للمظلوم لا تحدث -في العادة- فجأة! بل هو "التغيير اللطيف".
تغيير مثل دخول النهار في الليل ودخول الليل في النهار، لا يتم في لحظة بل يمتد عبر ساعات، وعبر تطور رقيق غير محسوس!
وهو مثل تغير الأرض من الجدب إلى الخضرة، لا يحدث في لحظة، بل يتسرب الماء إلى الأرض ثم يتسرب النبات من باطن الأرض إلى ظاهرها!
هكذا يحدث تغيير الله في العالم، وهكذا ينصر الله المظلوم.
هي دعوة للثقة والأمل في الله، كما هي دعوة للتبصر وإدراك الدقائق والخفايا ورصد المتغيرات مهما كانت خافية.
سبحان الله..
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
- التصنيف:
- المصدر: