أنماط - (10) نمط المغبون
من الأنماط المؤسفة للغاية! ذلك بأن ذلك النمط يُضيِّع عمره ويُنفِق لحظات حياته الغالية فيما لا ينفع أو على أحسن تقدير فيما هو مفضول وذلك على حساب الفاضل أو الأفضل..
والمغبون من الأنماط المؤسفة للغاية!
ذلك بأن ذلك النمط يُضيِّع عمره ويُنفِق لحظات حياته الغالية فيما لا ينفع أو على أحسن تقدير فيما هو مفضول وذلك على حساب الفاضل أو الأفضل..
أحيانًا يفعل ذلك بسبب الجهل وقلة الفقه؛ فليس الفقيه فقط من علم الخير والشر، ولكنه من علم خير الخيرين وشر الشرين..
أما صاحبنا المغبون فهو لا يهتم بذلك ولا يعني به.. لذلك وعلى الرغم من صدق رغبة بعض المغبونين في عمل الخير إلا أنه كم من مريد للخير لا يصيبه وهؤلاء لم يؤتوا من قبل صدق نيتهم؛ ولكن أوتوا من قبل جهلهم وقلة حرصهم وتكاسلهم عن السؤال وتلمس سُبل الخيرات..
بينما كان الرعيل الأول من الصحب الكرام نموذجًا في الحرص على معرفة الأفضل والأحب إلى الله.. وكم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وتعدَّدت استفساراتهم عمَّا جزل عطاؤه وعلت مثوبته..
فتارة يسألون عن أفضل الصلاة وتارةً أخرى يسألون عن أفضل الجهاد ثم يسألون عن أفضل الصدقات وأفضل الرقاب التي يعتقونها لله..
العامل المشترك دائمًا هو السؤال عن الأفضل..
عن أحب الأعمال لله وأعلاها قدرًا وأرفعها مثوبة..
لقد اختاروا سلعة غالية وتجارة لن تبور..
اختاروا التجارة مع الله..
تلك التجارة التي هي دومًا رابحة الصفقات جزيلة العطايا والمثوبات..
ولقد ظهر أثر ذلك الفكر التنافسي الحريص على الأربح في حياتهم فتجد صديقهم أبا بكر رضي الله عنه في مطلع يومه الذي استهله صائمًا.. قد عاد مريضًا، وأطعم مسكينًا، واتبع جنازة وكل ذلك في بداية اليوم لم تمرّ منه ساعات فما بالك بباقي يومه..
إنه نموذج لرجل الأعمال الأخروية الذي لا يدع صفقة رابحة إلا وضرب فيها بسهمٍ ولم يقبل إلا الأفضل والأعلى؛ لذلك لمَّا سمع عن أبواب الجنة المتعدِّدة ونداء كل أهل عمل من بابهم كان سؤاله البديع: هل مِنَّا من ينادي منها جميعًا يا رسول الله؟!
هكذا كانت هِمَّته وهكذا كان حرصه.
وليس وحده في ذلك بل كان هذا هدي رفاق دربه وعلى رأسهم عمر الذي حين تصدق بنصف ماله كان شعاره التنافس مع الأفضل فقال: اليوم أسبق أبا بكر!
تفكير عملي تنافسي والله يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين من الآية:26].
أما المغبونون فهم في تكاسلهم يتقلَّبون، وعن تلك الهِمَم السامقة هم معزولون، وعن معالي الأمور لا يسألون، وعلى معرفتها لا يحرِصون..
لذلك تجدهم يُضيعون أعمارهم في أشياء ربما تبدو من سُبل الخير وأبوابه، لكنها لا تحتاج منهم كل هذه الأوقات المهدورة ولا تستحق هذا الجهد الضائع..
بل أحيانًا تكون أمورًا غير مشروعة وربما محدثات غير مطلوبة يحرصون عليها بدافع التعوُّد! ويُصِرُّون على طَرق أبوابها بمطارق الجهل والتكاسل عن التعلُّم.. فتكون المحصلة النهائية قليلة أو منعدمة، ويكونوا بذلك كالمغبون الذي باع بضاعته النفيسة الغالية بزهيد الأثمان وما من شيء في حياة المرء أثمن من لحظات عمره وسويعات أيامه..
والحل ببساطة.. أن يقترن صدق النِيِّة بالحرص على صواب العمل وأفضليته، ولا يكون هذا إلا من خلال التعلُّم أو على الأقل أن يسألوا إن لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال لعلهم بذلك يوقفون، غبنهم ويُعوِّضون خسارتهم ويربحون صفقاتهم، وتزدهر مع ربهم تجارتهم.. ويصح وصفها حينئذ بأنها تجارةً لن تبور..
- التصنيف: