العلم المؤمن: نورٌ في ظلمة المجهول

منذ 2014-06-28

قصور علمنا البشري:

يظن كثير من الناس المتابعين للتطور التكنولوجي في عالم اليوم أن البشرية وصلت لنضجها العلمي وأصبحت مشارفةً لحدود المعرفة.

هذا الظن هو ظن من يرى نورًا تحت قدميه فيظن أن الدنيا قد امتلأت نورًا لا لِعلةٍ إلا لأن أفق إدراكه ينتهي عند أسفل قدميه!

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85].

فمن يستطيع أن ينظر مترًا واحدً للأمام يجد الظلام منتشرًا ولا يكون نور المعرفة الإنسانية في هذا الخضم من الظلام إلا بصيصًا يكاد لا يُرى من العتمة..

الكون المظلم:

يدرك من يطلع على ما وصل إليه علم اليوم أننا في هذا الزمان لا نستطيع الاطلاع إلا على النذر اليسير من تكوين الكون الذي نأهله، فإن العلم الحديث قد اكتشف أن مقدار ما نستطيع رؤيته أو قياسه من تكوين الكون لا يتعدى 4% فقط! كم هذا عجيب؟ فأين ما تبقى من 96% من الكون إذن؟ إن ما تبقى هو الغموض بعينه! وقد قسمه العلماء لقسمين: المادة المظلمة* والطاقة المظلمة**! كلاهما مظلمان!

وقد أطلقوا عليهما هذا النعت من الإظلام لا لأنهما لا يشعان إشعاعًا محسوسًا وحسب! ***ولكن هذا الظلام هو ظلام المعرفة بحقيقتيهما، فهو في الحقيقة ظلام دامس في العلم البشري نسعى الآن نحن البشر على قدر إمكاننا أن نزيله بزيادة بصيص نور علمنا المُتاح.

إن هذا العلم المادي قد يكون كافيًا لإدراك ما قدر لنا الله أن ندركه من الكون المادي، أما إدراك الوجود بأكمله فإنه يحتاج لنوع آخر من العلم!

العلم المؤمن:

إن علمنا عن الكون وعظمته وعلمنا بضعفنا وقصورنا في سبر أغواره يقودنا إلى تعظيم الله عز وجل وتوقيره وإجلاله والشعور بالحاجة إليه، وبالتالي الاسترشاد برسالته إلينا -الإسلام- كي نفعل ما يرضاه الله لنا في هذه الدنيا. والعلم الذي نريده نحن معشر المؤمنين بالله (العلم المؤمن)، يكون مدفوعًا بالإيمان ويكون في الآن ذاته دافعًا له ومعضدًا لرسوخه في قلوبنا..

وهذا العلم المؤمن هو النور الحقيقي الذي نستطيع به تبديد الظلام الكامن في معرفتنا بالوجود بشكلٍ أعم؛ وذلك بشقيه -عالم الشهادة (الكون) وعالم الغيب (ما وراء الكون)- وذلك يكون على قدر الحدود التي وضعها الله تعالى على العلم البشري..

قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور:40].

الخلاصة:

اللهم وفقنا إلى اتخاذ طاعتنا لك نورًا لنرى به في حالك ظلمات هذا الوجود الحقيقة الكبرى بشقيها المشهود والغيبي.

والله تعالى أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* (المادة المظلمة: هو فرض علمي اضطر علماء الطبيعة افتراضه حتى يفهموا تماسك المجرات واستقرارها بالرغم من قصور مادتها الذاتية عن المحافظة عليها متماسكةً مستقرة).

** (الطاقة المظلمة: هو فرض علمي اضطر علماء الطبيعة افتراضه حتى يفهموا توسع الكون الحالي - الذي لا يقتصر على كونه توسعًا عاديًا يمكن أن يقف في يوم ما ولكنه تضخمًا متسارعًا ليس له حدود في مستقبل اتساعه).

***  (يوجد ما هو مظلم تمامًا في عالمنا المحسوس -من الــ 4% التي نستطيع قياسها- وهي الثقوب السوداء ولكن بالرغم من إظلامها هذا فمعروف لماذا هي مظلمة، ومعروف أنها تتكون من ذرات كالذرات العادية. وجدير بالذكر أنه توجد أبحاث جديدة تدل على أن الثقوب السوداء ليست سوداء تمامًا فهي تشع ما يُسمى "إشعاعات هاوكنج" إلا أنها لم تُقس معمليًا بعد).

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 3,348

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً