رمضانيات : أم هانيء - (6) {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
من أعظم أجرًا: الرجال أم النساء؟
{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم من الآية:32].
- قد تبدو الترجمة غريبة بعض الشيء، ولكن مهلًا: هذا السؤال يفرض نفسه في كل موسم للطاعة، ورمضان من أهم مواسم الطاعات، والتي يتسابق فيها المسلمون في الطاعات، ويتنافسون على الإكثار منها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا؛ ابتغاء الأجر والمثوبة من جوادٍ شكور كريم.
فالزوجة غالبًا ما تشتكي إلى الناس -بعد رفع شكواها إلى الله- إن حقها مغبون؛ فهي لا تتمكن من دخول السباق بل المنافسة فيه، والسؤال: لِمَ هذا التَّشَكِّي؟
وهل لها حق فيه أم إنه محض افتراء؟
تقول الزوجة -المسكينة بزعمها-: هو يصلي ليلًا طويلًا وراء إمام عذب الصوت خاشعه، أما نهارًا فيرتل القرآن ترتيلًا، لا يكاد يختم القرآن إلا ويسرع بالبداءة، وغالبًا ما يعتكف العشر الأواخر من الشهر الفضيل، ولا أنسى أنه يذهب إلى الدوام خمسة أيام في الأسبوع -أذكر ذلك لأني منصفة كما تعلمون-: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [المائدة من الآية:8]..
وتسوق كلماتها الأخيرة بعبراتٍ، وزفراتٍ حارةٍ كأنما تخرج من جوف يلتهب نارًا. وتُكمِل:
- بينما: أنا -الزوجة المسكينة بزعمها- أقوم على رعاية الأولاد، ومراقبتهم وجبر تقصيرهم: فآمر من لم يصلِ بالصلاة، ومن لم يحفظ ورده بالحفظ، ومن أخطأت بإصلاح الخطأ، فأصوّب لهذا، وأعاقب هذا، وآمر تلك، وأطعم الجميع، وأقوم بالأعمال المنزلية، محرومة من أن أهنأ بالتَفَكُّر بالجنان بل بذكر اللسان؛ فمِن طالب لشيء، ومِن سائل عن شيء، ومِن مجادل في شيء، ومِن... ومِن..
وإذا بالنهار طار، وأوشك على الانهيار عند الإفطار، وعندما يحين وقت القيام لا أستطيعه إلا بشق الأنفس، وأعدم القدرة على القيام؛ لنفاذ قوتي، وقلة حيلتي، وأذهب أتعارك مع النوم أدافعه ويدافعني، ونادرًا ما أستطيع -بحول من الله وقوة- من دفعه مذمومًا مدحورًا، إلا إنه -إحقاقًا للحق والحق أقول- غالبًا ما يقهرني، فأستسلم له طائعة، هذا إذا لم يمرض أحد الصغار فأواصل -مرغمة- الليل بالنهار، وأفاجأ بأن الشهر الفضيل آذن بالرحيل، ولمّا أتمكن من إتمام ولو عمل واحد جميل أُقرِّبه لله في شهره الفضيل، فيزيد وجدي عليه كلما وجدته سبّاقًا بالقربات من جُمَع بل الجماعات، مكثرًا من الخَتمات، معتكفًا ساهرًا ذاكرًا لربه ساعات..!
فهل نستوي؟! هيهات!
حتى هنا ما عدنا نتبين ما تقول من كثرة العبرات، واختلاط العبارات بالأهات: وصدق الله في قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18].
نقول لها يا أُخيَّة: الله أعلم بمن اتقى؟ فكلٌ ميسَّر لما خلق له!
لِمَ نتطلع -دائمًا- لما فضّل الله به بعضنا على بعض؟
من أدراكِ -أخيتي-: إنه أعظم أجرًا؟
فجلَّ ما ذكرتِه من القربات بعد الفرائض القليلة نوافل كثيرة، بينما جلَّ ما تقومين به فرائض وقد قال تعالى: «ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه...» (رواه البخاري)..
فقيامكِ على الرعية قربة بالفريضة، قومي على الرعية راضية النفس محتسبة الأجر، استعيني بالله ولا تعجزي؛ فذلك أعظم أجرًا من القيام ليلًا طويلًا، وترتيل القرآن ترتيلًا؛ لأنه مهما كثر وطال نافلة والفريضة لا تعدلها نافلة، فقَرِّي عينا بما تتقرَّبين؛ فلعلكِ وأنتِ تقومين بتلقين صغاركِ الآيات تلو الآيات، يفتح الله عليكِ من المعاني، ويرزقكِ بها من التقوى والخشوع ما لا يحظى به من تورَّمت قدماه من القيام، فعلام نشْنأ الناس على القربات؟
فرَّبَ ركعتين يشُقَّان على عبدٍ -في الميزان- خير من ألف ركعة هينة على آخر؛ كما جاء في الأثر: "سبق درهم ألف درهم" فلِمَ التسخط؟
أتدرين لِمَ؟
لأننا نريد أن نتقرب لله بما نهوى لا بما يحب هو يرضى.
اللهم جنِّبنا الجهل والهوى.. آمين.
2014-06-30 00:00
- التصنيف:
- المصدر: