تدبر - [167] سورة الإسراء (2)

منذ 2014-07-14

البعض يفهم الزهد في الدنيا على أنه تكلُّف الفقر، وشظف العيش، ولزوم الخشن من الثياب، وتناول الرديء من الطعام، وترك التمتع بما أحلَّ الله من الطيبات!

والبعض يفهم الزهد في الدنيا على أنه تكلُّف الفقر، وشظف العيش، ولزوم الخشن من الثياب، وتناول الرديء من الطعام، وترك التمتع بما أحلَّ الله من الطيبات!

فتأمَّل تلك الأفعال جيدًا.. وسل نفسك أين أصلها ومحلها؟

{رَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا} [يونس من الآية:7]..

{وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا} [يونس من الآية:7]..

{يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [هود من الآية:15]..

{يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} [هود من الآية:15]..

إن تلك الأفعال خُتِمَت آياتها جميعًا بالوعيد، وببيان أن مصير مقترفيها هو العذاب وهذا هو المذموم من أمر الدنيا..

إذن.. فالمذموم من أمر الدنيا في كتاب الله هو إرادتها ورجاؤها والرضا بها وليس مُطلَق التمتع بمتاعها والمشي في مناكبها كما يظن بعض المتزهدين..

وهذا الظن يناقض حال سيد الزاهدين رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهو لم يطلب الفقر أبدًا ولم يسعَ إليه قط؛  بل الصحيح أنه كان يتعوَّذ منه مُقرِنًا ذلك بتعوذه من الكفر..

فهل يتصوَّر عاقل أن يتعوَّذ النبي صلى الله عليه وسلم من شيء يتقرَّب به إلى الله؟!

الجواب: لا.

رسول الله ما طلب الفقر ولكنه رضي وصبر حين ابتُلِيَ به..

ما سخط على نقص طعام وما ضايقته خشونة ثوب..

وحين فُتِحَت الدنيا وجاء المال؛ أنفق نفقة الزاهد الذي لم تتسرَّب الدنيا إلى قلبه لحظة حتى صاح من رأى عين الزهد في تلك النفقة: "إن محمدًا يُنفِق نفقة من لا يخشى الفقر أبدًا".

هذه هي حقيقة الزهد ومعيار التعامل الصحيح مع الدنيا..

تُقبِل أو تُدبِر..
يُعطى المرء أو يُمنع..
كل ذلك عنده سواء..

لا تتسرَّب الدنيا إلى صدره فيفرح بإقبالها، ولا تتمكن من نفسه فيحزن لإدبارها، فإرادتها لم تسكن روحه ولا لامست شغاف قلبه..

وبهذا المعيار قد تجد أكثر الناس مالًا وولدًا بينما قلبه مفعم بالزهد مستعد للبذل مائل للعطاء..

وعلى النقيض قد ترى أقل الناس مالًا وأشدهم فقرًا وأغلظهم عيشًا ومع ذلك يُمزِّق الطمع نياط قلبه، وتُمزِّق الشهوات نفسه؛ فهو على فقره وشظف عيشه أبعد ما يكون عن الزهد!

فالقضية ليست في ما معك أو ليس معك؛ القضية هاهنا بمرادك وسعيك ومبتغاك ومنتهى أملك.. فتلمَّس حال قلبك..

{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [يونس:7-8].
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 3,704
المقال السابق
[166] سورة الإسراء (1)
المقال التالي
[168] سورة الإسراء (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً