عيد الشباب وشباب العيد

منذ 2014-07-23

لا عذر لنا بعد إن لم ندرك بأننا بالعيد وفي كل عيد نجدد عهدًا على مواصلة طريق العمل، وبكل جد وإخلاص ونكران ذات نجدد إحياء شعلة الشباب المتوقدة، ونضمن عزتها الأثيلة ونرعى حماها، نطبع فرحة العيد على رسم وجوهها وحروف محياها، ونهديها هدية العيد ما أغلاها تظل خالدة ذكراها، منقوشة بماء الذهب، قلادة على صدرها، هدية تؤهلها لإسعاد أوطانها ومواطنيها فهم صفوة المجتمع، وصفوة من اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعز رسالته، ورفع رايته.


ما أعظم الفرحة بعيد شعلته الطموح، وما أبهى زينة نبراسها ُيهتدي بأنجُمه المتلألئات الشارد الجموح، ما أجمل أطباقا تزين الموائد بأصناف السجايا، وتحلي الألسُن بالذكر، لا تفتر تلهج به وتصدح، هي البلابل على الأغصان به تشدو بعذب أصواتها..

هي الشمس تشرق في صبحه تملأ الكون نورًا وضياءً، فتهب الأجساد نشطة من مراقدها، خطواتها إلى المصلى تسابقها المشاعر، فتقبل على الناس فرحى من طريق وتدبر من أخرى، تستعجل اغتنام أجور صلاتها، هي النسمات تزفها لعرس موكبه جموع المسلمين.

هي الأصوات ترفع تكبيرًا وتهليلاً يجلجل في سمائها، وكلمة التوحيد تؤلف بين صفوفها، وخطبة تعظ النفوس وتذكرها بحفظ عهد ود شهر عند الله عظيم.

تحثها على مواصلة تربية النفس ومجاهدتها، وتخليها عن كل رذيلة مشينة وتحليها بكل شيمة فضيلة، هي التوبة النصوح إذا ما عزمت عليها القلوب زكتها، فكان حينها الوفا من الجوارح كلها، ظمأٌ يُروَى من معين صلاحها، هي الفرحة تطبع على الثغر رسمها فتزين الوجه بدرا، تمامه من حسن بهاء نور إيمانها.

فكأنما اجتمع كل الحسن وحده في أيامها، وتوزع قسمًا عادلا على أبنائها فنامت العيون بعدها قريرة، وباتت النفوس هادئة مطمئنة.. ولكن قد تخمد الفرحة إذا ما انقضت أيامها، وتفرقت جموع الناس وعادت لأوطانها. 
وقد تخور القوى تارة ساعات ضعف، حين تخبو الشعلة الموقدة لشموعها، وتحن النفس لراحة الأبدان بعد طول جهادها.

وقد تقوى تارة أخرى، إذا ما أضحى الضمير لديها منصتا واعيا، وتفتحت عيونها فصارت تبصر بنور إيمانها ويقينها، هنا نكون بحاجة لتغيير وإصلاح ما بداخلنا، لأن الضعف والقوة إنما كان نتاج صنع أيدينا.
هنا نكون بحاجة إلى أن ندرك مدى شمولية العيد في معانيه ومقاصده، وفي احتضانه لكل الفئات تحت ظله،
إنه عيد الأمة، كبارها وصغارها، شبابها وشيوخها، رجالها ونساءها.

إنه عيد تخليد معان هي من تمام معاني ومقاصد الصيام، لا عيد تخليد عادات وأعراف، أو ترك سنن شامخات
إنه عيد الأفراح والمسرات يزفها الآباء للأبناء، إنه عيد الصلاح، صلاح أبناء الأمة كلهم، لتسعد بصلاحهم أوطانهم، وتقر بهم أعين مجتمعاتهم، هم عمدة البلاد وعدتها، ودعائم الأوطان وركائزها، علماء ومرشدين وموجهين وعاملين جادين متقنين، فهل تنهض أمة بغير أبنائها؟! وهل يتقدم جحافل صفوفها إلا أشبالها؟

هم الشعلة والطاقة التي يتفجر إبداعها، والسواعد البناءة، فكيف إذا ما انهارت دعائمها؟ وضعُف شبابها؟
من لها إذا ما انكسرت على حافة المجد آمالها؟ وتبخرت على سفوح جبال الفشل شعلة همتها فخارت قواها، وضاعت طموحاتها؟ ومن لها إذا ما سقطت في قليب الرذيلة فضائلها وسجاياها، فلم يتبق لها بعد إلا إراقة أدمع تشييعا لجنائزها؟

من للتنمية إذا لم يكن شبابها هم أربابها، وهم الأحق بإنجازها، وأهلها في حفظ أموالها، وتنشيط وإثراء مردودية الأعمال في أوراشها؟ من يخلُف رجال المجد فيرفعوا رايات النصر في كل محفل من محافلها؟
ومن يعتلي كراسي العلم في كل فن بعد شيوخها؟

من يحفظ الدرس حفظ صدر من أفواه علمائها، حديثا مرفوعا وسنة، وكتابا محفوظا، وتفسيرا ميسرا، وفقها مصنفا على الأبواب مرتبا، وسيرة ومغازيا وأصولا وقواعدا تؤصل للفروع وسائلا، ومعارف شتى في فنونها تنوعت..؟ ومن يبلغ عنها بسند عال رسالة التعليم لأبنائها؟

من يحل محل صناع الحضارة في كل أمة إن لم يكن فتيانها محلها؟ ومن يصون صرح الفضائل جيلا بعد جيل لو فنيت أعمارها؟ من يستحق المراتب العلا في الحياة إذا ما وهن طلابها؟ ونأت عن طرق أبوابها ولم تتخذ من أسباب بلوغها سواعد رجالها؟

هي المساجد والمعاهد والمدارس في الدولة تقوم إلا بكفاح شبابها، هي الزراعة والتجارة والصناعة، وحماية الأوطان.. تزدهر وترتقي بهمة سواعد شبابها، إنها لمناسبة تستحق أن يغتنمها الآباء، يجددوا فيها الوصل بأبنائهم وفلذات أكبادهم، يذكرونهم بأنهم بدينهم أقوياء، بأنهم بأعيادهم يتواصل جهاد العطاء يذكرونهم بأن الحق سبحانه قد رفع من شأنهم، وأعلى من قدرهم في مناسبات شتى في كتابه العزيز، وأنزل سبحانه سورة سماها سورة الكهف تحكي قصة ومعجزة أمثالهم من الشباب الفتية الذي بهم يُحتذى الإقتداء.

* فهم كما ذكرهم الحق سبحانه فقال: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا . إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا . فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا . ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 9 -14].

إنها لسورة تخلد بحق في الذاكرة جلالة قدر هذه الفئة من الشباب المؤمن بربه، السالك طريق الهدى والرشاد، الممسك بجمر الفتن، وهو ثابت على الحق، وثابت على الإيمان الراسخ، إنها عظات جليلة ووقفات مديدة، تحتاج لبصيرة واعية ترصد جواهر المعاني وغايات الخطاب، وتدرُج مدارج السالكين في الاعتبار، وترتقي سلم المجتهدين في الاستنباط.

إنه الاختيار الرباني لطبقة فريدة من المجتمع، ولفئة تصدرت قائمة كل الفئات، ولمجموعة تقدمت على كل المجموعات، إنها همم الرجال تحمل على عواتقها مسؤولية الهداية، وتحقق المعجزات، وتحول المستحيلات إلى ممكنات فتأبى إلا أن تصونها وتحفظها حتى ولو اضطرت إلى الفرار مهابة ضياعها أو انهزامها، فاستحقت تشريفا لها وعزة، أن تخلد وجودها على صفحة التاريخ جيلاً بعد جيل 

فلا عذر لنا بعد إن لم ندرك بأننا بالعيد وفي كل عيد نجدد عهدًا على مواصلة طريق العمل، وبكل جد وإخلاص ونكران ذات نجدد إحياء شعلة الشباب المتوقدة، ونضمن عزتها الأثيلة ونرعى حماها، نطبع فرحة العيد على رسم وجوهها وحروف محياها، ونهديها هدية العيد ما أغلاها تظل خالدة ذكراها، منقوشة بماء الذهب، قلادة على صدرها، هدية تؤهلها لإسعاد أوطانها ومواطنيها فهم صفوة المجتمع، وصفوة من اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعز رسالته، ورفع رايته.

فهذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وحمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومصعب ابن عمير، وأسامة بن زيد، وابن عفراء قاتل أبي جهل، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، وخالد ابن الوليد، وعبد الله بن عمر، والزبير ابن العوام، وجعفر، وغيرهم كثير كثير ممن لا يحصيهم هذا العد، ولا يحيط بأرقامهم مقال رضي الله عنهم أجمعين.

حتى التوجيهات النبوية كان كثيرًا ما يوليها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الشباب، وفي مواقف كثيرة ُيحتذي بها في مناهجنا التربوية والتعليمية:

* فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجت?عت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف» (رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح).

*وفي رواية غير الترمذي: «احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا».

* ويقول عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم» (صحيح البخاري 7373).

* ويقول صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة: -ربيبه- وهو طفل صغير لما أراد أن يأكل معه: "«يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد" (صحيح البخاري 5376).

فلنستنهض الهمم لرعاية الشباب، ومراقبة أعمالهم وتصرفاتهم، لنشجعهم على المضي بمواهبهم والمضي بعزائمهم، نحو غايات الرقي والازدهار، فهم رجال المستقبل، وهم خلف آبائهم، وعليهم يجري نفعهم في حياتهم، وبعد مماتهم وفي ختام كرامتهم

* مصداقا لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [الطور:21].
*ولقوله سبحانه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد:23].

إنهم مسؤوليتنا، ومسؤولية الكبار، الآباء منهم والأمهات، والأولياء والمربين، إنهم مسؤولية المجتمع كله بكل أقطابه وفئاته، وواجب علينا رعايتهم ليستحقوا بذلك شرف هذا الوصف الإلهي الرائع: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]. وليستحقوا بذلك شرف أن يكونوا خير قدوة للشباب المسلم الصالح المتدين، الذين قال الحق سبحانه في وصف مثلهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].

هل الأغصان في نضارتها تستقيم وتشتد ويزداد رونقها، بدون تعاهد الزارع بسقيها وريها؟ وهل عند أوان العطاء يعظم خيرها؟ كذلك شأن الشباب في عنفوانه، ونضارة أيامه، استقامته بالرعاية والتأديب، وجني ثماره الطيب بالعناية والتهذيب.

إننا إذا رجعنا إلى ماضينا المجيد، سنجد أن الشباب هم الذين صنعوا تاريخنا الحافل بالمفاخر وأنواع البطولات، بمواقفهم المشرفة الرائعة، وهذا التاريخ يستحق منا أن نقف عند كل محطة من محطاته، وفي كل مناسبة من مناسباته لنعيش عظمة هذا الدين في قيمه ورسالته..

علينا أن نفكر كيف نهيئ لشبابنا من الوسائل الناجعة والنافعة لهم، والتي تعدهم إعدادا صحيحا، وإعدادا علميا يوافق ويساير مواكب الاختراع والتجديد في مختلف الميادين الحيوية.
مع الحرص على المثل العليا، والأخلاق الفاضلة، وعدم مخالفة الأصول الشرعية أو القيم والتقاليد الاجتماعية المتعارف والمتفق عليها، والتي هي من صميم مجد حضارتنا ومن إرث مجد تاريخنا..

إننا بهذا نعدهم لامتلاك مصادر القوة، وهي في عصرنا تكمن في العلم الصحيح، والتفوق في الصناعة المهنية، والاختراعات العلمية، والتكنولوجيا الحديثة..

إننا بهذا نصنع أمة في كل عيد، ونقدم جيلا بعد جيل، يعرف أن للتاريخ قيمة، وللتاريخ عطاء، ولا يمكن أن نعيش فرحة العيد ونحن بداخلنا ضعف أو انهزام أو تراجع وتقهقر مع الخوالف إلى الوراء، إننا بهذا نقدم لنا ولشبابنا معاني أخرى جديدة، نجتهد في إضفائها في كل عيد حتى يكون دائما عيد عزة ومجد، وحتى يشعرنا بأننا بعزائمنا تتحقق الآمال وعلى كواهلنا المتينة تحمل الأثقال، وبمجهوداتنا تتقدم البلاد وتزدهر الأوطان

فلنكن أسس مجد، وركائز شرف، ولنكن خير خلف لخير سلف، لنستحق أن نعلم الأجيال: كيف يكون العيد فرحة؟ وكيف يكون العيد عزة ومجدًا؟

 

صفية الودغيري 

  • 1
  • 0
  • 6,729

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً