العيد الحقيقي
مر الشهر كالعادة بسرعة البرق ولكن بلطف النسمة. وتباين الناس في مشاعرهم فمنهم من ودعه وداع الحبيب المشتاق الذي لم يشبع من صحبة حبيبه، ومنهم من شعر أنه كان في امتحان وكان متوجسا ألا يجتازه بسلام، ومنهم من لم يشعر بفراقه لأنه يحياه طوال العام، ومنهم من عاش كل هذه المشاعر معا، والكل يرجو الله أن يكون قد قبل منهم .
مر الشهر كالعادة بسرعة البرق ولكن بلطف النسمة. وتباين الناس في مشاعرهم فمنهم من ودعه وداع الحبيب المشتاق الذي لم يشبع من صحبة حبيبه، ومنهم من شعر أنه كان في امتحان وكان متوجساً ألا يجتازه بسلام، ومنهم من لم يشعر بفراقه لأنه يحياه طوال العام، ومنهم من عاش كل هذه المشاعر معا، والكل يرجو الله أن يكون قد قبل منهم.
أما بخصوص القبول وهو همنا جميعا فله علامة الكل يعرفها وهي بالطبع ليست حدوث شىء معجز أو خارق للعادة وإنما هو مجرد مزيد من الإقبال على الطاعات وهجر المعاصي ولعل ما يؤكد هذا المعنى أن العيد الذي جعله الله جائزة على الصوم يستهل بطاعة قبل البدء بالاحتفال بأي مظهر من مظاهر الفرحة التي تكون كذلك في حدود ما أحل الله؛ فلا خمر؛ ولا إختلاط ماجن، ولا خروج للآدمى من آدميته، وإنما الاحتفاظ بكامل رقيه وإنسانيته وانضباطه وشرفه ومروءته، أما النوع الذي لم نذكره عند تصنيف المودعين لرمضان فهم الذين دخل رمضان ديارهم وخرج دون أن يشعر بهم أو يشعروا به، فهم خارج دائرة الزمن إنهم في غمرٍة ساهون، تجري الأيام من بين أيديهم تباعًا و هم غارقون في عبادة شهواتهم، و الشهوات لفظ متسع يضم كل أنواع الضعف البشري الذي لأجله أمد الله الإنسان بكل الأسلحة التي تقاومه و تتعالى عليه، فمن انتفع بها نفعه الله، أما من أعرض عنها فلن يكون له عيد حقيقي أبدًا.
فالعيد الحقيقي هو لحظة المصالحة بين الإنسان و بين الحقيقة، و الحقيقة هي أنه عبدٌ مكلف من قبل رب خالق عظيم، و أنه مجازى في الدنيا والآخرة، و جزاء الآخرة هو جنة الخلد-وما أدراك ما جنة الخلد- أما جزاء الدنيا فهو أن يعيش لحظة المصالحة التي ينعم فيها بالرضا عن ربه و الرضا عن نفسه، ولا أعلم أحدًا أولى بهذه اللحظة من إخواننا المسلمين المنكوبين الصامدين الصابرين على البلاء، الذين يرفلون في ثياب العزة و الكرامة مهما تعرت الأجساد و المستطيبين لزاد الأرواح إذا عز الزاد، فهم يعيشون بمدد من الله من أجل عبادة الله وإذا ما ماتوا ففي سبيل إعلاء كلمة الله، فهم يذكروننا بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام آية:162]، ونحن إذ نرسل لهم بتهانينا بالعيد المبارك و نذكرهم بأننا معهم بقلوبنا و دعائنا، وإن كنا نحن أكثر حاجة لدعائهم لأنهم في معية الله و يكفيهم قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [ يونس آية 62].
- التصنيف:
- المصدر: