تدبر - [272] سورة الشعراء (8)
وإن المحب إذا سُئل عن حبيبه فإنه يُبدِع في الكلام عنه حتى وإن كان اللسان معقودًا والبيان كليلًا؛ فإن محبته تظهر وصِدقه يصل ورسالته تجد طريقها إلى القلوب، وما كان من القلب وصل إلى القلب وليست النائحة الثكلى أبدًا كتِلك المستأجرة..!
فمن عرف الله حق المعرفة وأحصى أسماءه وصفاته ومِننه وآلاءه وأحبه وامتلأت نفسه بتعظيمه وإجلاله؛ فإن قلبه يفيض بتلك المعرفة والمحبة والتعظيم وسائر تلك المقامات التي أدركها من خلال المعاملة و المعايشة..
تأمَّل قول إبراهيم عليه السلام لقومه: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ . وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ . وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ . وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ . وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:78-82]..
إنه كلام المُحب..
إحساسٌ يفيض على كل حرف نطق به الخليل عليه السلام..
وكذلك معرفة الله إذا خالطت بشاشتها القوب وعاينت بهجتها النفوس ولاطفت نسماتها الأرواح؛ فإن ذلك يظهر لا محالة على الجوارح واللسان..
وإن أقوامًا عرفوا أعراضًا من الدنيا وزينتها وأحبوها فأجادوا الكلام عنها وبرعوا في تعريف الخلائق بها وعظَّموا شأنها رغم هوان قدرها..!
فما بالك بمن عرف الله وأحبه كيف يكون شأنه وكيف يكتم خبره ولا يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟!
المحزن أنك تجد كثيرًا من الناس يعرفون عن كل شيء شيئًا لكن إذا جاء الأمر لذلك النوع من المعرفة تجد المأساة..!
لو فتح موضوع عن الأحداث تجده ينطلِق..!
ينقلِب الكلام عن كرة القدم تجده وكأنه المدرِّب العالمي والحكم الدولي والخبير الرياضي..!
فتنتقل به إلى السيارات وموديلاتها فلا يمانع..!
في الفن فهامة..!
وفي الطب علامة..!
وفي الموضة أستاذ وأستاذة..!
لكن لواحتاج لأن يتكلَّم عن ربه ولو لدقائق أو طُلِب منه أن يُعرِّف أحدًا على مولاه فلربما لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة..
لماذا؟!
الجواب ببساطة - لأنه عايش كل ما سبق..
فعرفه..
وفهم عنه..
والمعايشة أساس الفهم..
والمعاملة أصل المعرفة..
فهل عرفنا الله حقًا؟!
- التصنيف: