أنماط - (50) نمط العلامة المتباهي

منذ 2014-08-07

هناك نمط الأخ العلّامة المتباهي بعِلمه، المستعلي بثقافته وفكره.. ربما يكون أهل هذا النمط بالفعل على دراية بالمسائل الفقهية ويحفظون الكثير من المتون العلمية مِمَّا أدَّى إلى تسُّرب هذا الاستعلاء الشديد على الخلق والإحساس بنوعٍ من الاحتقار لمن هم دونهم..! وهذا للأسف من أكثر الأشياء التي تصد الناس عن العلم وقبول الدعوة.. استعلاء العالِم بعِلمه والداعي بدعوته..

وهناك نمط الأخ العلّامة المتباهي بعِلمه، المستعلي بثقافته وفكره..

ربما يكون أهل هذا النمط بالفعل على دراية بالمسائل الفقهية ويحفظون الكثير من المتون العلمية مِمَّا أدَّى إلى تسُّرب هذا الاستعلاء الشديد على الخلق والإحساس بنوعٍ من الاحتقار لمن هم دونهم..!

وهذا للأسف من أكثر الأشياء التي تصد الناس عن العلم وقبول الدعوة..

استعلاء العالِم بعِلمه والداعي بدعوته..

أصحاب هذا النمط حين يُعلِّمُون الناس فهم يُعلِّمُونهم باستعلاء ممتعض ويكأنهم يمنون عليهم بتعليمهم، ولا يتركون فرصة يُبرِزون من خلالها جهل الآخرين إلا انتهزوها ولا يدعون سبيلًا يسخرون به من قلة زادهم العلمي إلا سلكوه..!

وبالطبع هم لا يخالطون أمثالنا من العوام ببساطة ولا يسمحون أن يخاطبهم الخلق بشيءٍ من التبسط والانفتاح؛ بل لا بُدَّ طبعًا من أن يعرف كل مقامه والعين لا تعلوا أبدًا على الحاجب، فلا بُدَّ أن تعمل ألف حساب وتعبر البوابات والحجبة لتستطيع الوصول إلى شرف مخالطتهم والحديث معهم حيث لا ينعم بذلك إلا من اختاروهم لهذا الشرف العظيم وسمحوا لهم بهذا الفضل الجزيل...!

وحتى ولو انبهر البعض بذلك الأسلوب أو طبَّلوا لشذوذاته وغرائبه التي يحرص هؤلاء على عرضها لبيان مدى سعة اطِّلاعهم وعُمق درايتهم؛ فإن هذا المسلك سيؤدي في النهاية إلى أن يبغضهم الناس وربما يحدث الأخطر وهو أن يبغضوا بضاعتهم ويُنفرِّوا من دعوتهم ويزهدوا في عِلمهم..

إن العالِم الحق يدرك بكل حرف يتعلَّمه أنه قد انتقل من جهلٍ به إلى علم هو محض فضل من الله ويتذكَّر دومًا أن فوق كل ذي عِلم عليم فلا يزداد بعِلمه إلا تواضعًا وانكسارًا ويحب للناس ما يحبه لنفسه..

العالِمُ الحق يُخالِط الناس ولا يُخاطِبهم من فوق أبراج عاجية..

الذي يجدونه بينهم في الشدائد والأزمات..

الذي يشعرون بقربه منهم..

من مشكلاتهم..

من همومهم..

يحيا حياتهم..

ويأكل من طعامهم..

ويمشي في أسواقهم..

وذلك لا يُقلِّل من هيبته وحشمته ووقاره الذي يحفظه سمته وترسخه مروءته وليس علوه على الناس واعتزاله إيَّاهم فلا يعرفهم ولا يعرفونه..

بل هو يألف الخلق ويألفونه «ولا خير فيمن لا يألَف ولا يُؤلَف»..

وهو يُعلِّم الناس من خلال سلوكه وكلماته وحاله جنبًا إلى جنب مع مقاله..

وهو في عدم تكلفه يقتدي بمورثه صلى الله عليه وسلم الذي ما كان يومًا من المُتكلِّفين، وكان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولا يعرف مجلسه بين أصحابه رضوان الله عليهم أولئك الذين شهدوا له أنه كان أرأف مُعلمِّ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم..

كان يأكل كما يأكل العبد ويجلس كما يجلس العبد ويقول: «إنما أنا عبد»..

اختار أن يكون في بيته في مهنة أهله يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ولا يقف على بابه حارس ولا حاجب يركب بغلته ويحج على رحل رث ويفترِش حصيرًا خشنًا يؤثر في جنبه الشريف..

يأبى أن يقوم له أحد ويحرص أن يجلس حيث انتهى به المجلس حتى أن الأعرابي من هؤلاء كان يأتيه بين أصحابه لا يعرفه فيقول: أيكم محمد؟

كان دومًا مثالًا للتواضع وخفض الجناح وعدم التكلُّف..

ما يترك يد أحد سلم عليه حتى يكون هو نازعها أولًا وما نحَّى رأسه عن أحد تيمم أذنه يُحادثه في أمر أهمَّه حتى يفرغ وما صعَّر يومًا خدّه لصغيرٍ ولا كبير..

تأتيه الصغيرة لبعض شأنها فيذهب معها وإلى جواره رجل من عظماء العرب ظن للحظة أنه ملك يمشى إلى جوار ملك؛ فإذا به يقف مشدوهًا لفعله حين يتركه ويذهب مع الجارية ليشفع لها عند سيدها الذي ضربها
يمزح مع هذا ويبسط وجهه في وجه ذاك ويلين لأولئك..

وهل ننسى أبدًا حين اشتمل زاهر بن حرام مازِحًا وقائلًا من يشتري العبد فيرد زاهر بانكسار: إذا تجدني كاسدًا فيجبر خاطره ويطمئن فؤاده قائلًا: «ولكنك عند الله لست بكاسد»..

لو شاء لكان أغنى الناس وأعلاهم مُلكًا وأرفعهم مجلسًا ومع ذلك يجيب دعوة خادمه أنس ليُطعم من طعامه البسيط في بيت جدته مليكة ثم يقوم ليصلي بهم على حصير بالٍ قد اسودّ لونه من كثرة الافتراش..

لم يقبل يومًا أن يُطرى أو يغلو فيه الخلق ويرفعوه فوق منزلة المخلوق وكان تقول بأبي هو وأمي: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم عليه السلام»..

وحين جاءه الرجل يناديه: يا خير البرية ينهاه بتواضع لو وُزِّع على أهل الأرض لوسعهم قائلًا: «ذاك أبي إبراهيم عليه السلام»، وكذا ينهى الأمة أن يخرج منها من يقول يومًا "أنا خير من يونس بن متَّى".

هذا هو ما ينبغي أن يكون عليه العالِم الحق والمُعلِّم القدوة بفعله قبل قوله وببساطته وتواضعه وليس بتكلُّف واستعلاء يظن البعض أن العلم الواسع يُبرِّره وكثرة الحفظ تُسوِّغه..

إن العالِم الحق هو أحد أولئك الذين قال الله فيهم {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان:63]..

تأمَّل..

{هَوْنًا}..

و{سَلَامًا}..

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 1,687
المقال السابق
(49) نمط الممتحِن
المقال التالي
(51) نمط المُتطرِّف

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً