عبر ودروس من زيارة بلاد الروس - (2- 6) وقفة مع انهيار الاتحاد السوفيتي

منذ 2014-08-25

نظراً للحكم الشيوعي، فقد تصدعت وضعفت الصناعات والتكنولوجيا الروسية، وتفوق الغرب عليها في هذا المجال، ومن أبرز أمثلة ذلك التسرب النووي من مفاعل تشرنوبل الذي سمعنا به منذ سنوات، حيث تسرب من هذا المفاعل النووي الإشعاعات النووية، ولم يستطع الاتحاد السوفيتي أن يتحكم فيها إلا بعد زمن، ولقد انتقلت آثار ذلك إلى بلاد أوروبا، والقصة مشهورة..

لقد كان الاتحاد السوفيتي يرعب الغرب رعباً شديداً، حتى أن المخططين العسكريين وغيرهم في أمريكا مثلاً، لم يكونوا يأبهوا بقوة فرنسا، ولا بقوة بريطانيا، ولا بقوة الصين، وإنما كانوا يحسبون حسابات كثيرة لقوى الاتحاد السوفيتي، لكن هذا الكيان المرعب الكبير ما كان ليدوم وهو على هذا الوضع الفكري العلمي، إذ بدأت تظهر أمارات التصدع الشديد على ذلك الكيان المبهرج الضخم، وذلك من خلال ما يلي:

أولاً: تصدع الكيان من الداخل، وكان هذا التصدع من داخل أفرد ومن داخل مؤسسات الدولة، فإنها أخذت في السنوات الأخيرة يعتريها كثيراً من الضعف والتصدع.

ثانياً: نظراً للحكم الشيوعي، فقد تصدعت وضعفت الصناعات والتكنولوجيا الروسية، وتفوق الغرب عليها في هذا المجال، ومن أبرز أمثلة ذلك التسرب النووي من مفاعل تشرنوبل الذي سمعنا به منذ سنوات، حيث تسرب من هذا المفاعل النووي الإشعاعات النووية، ولم يستطع الاتحاد السوفيتي أن يتحكم فيها إلا بعد زمن، ولقد انتقلت آثار ذلك إلى بلاد أوروبا، والقصة مشهورة.


ثالثاً: فشل الأجهزة الدقيقة عند الاتحاد السوفيتي، مما أثر على قدرتها العسكرية والاستخبارية أمام الغرب.
رابعاً: حادث الزلزال الذي وقع في روسيا منذ سنوات وفشلت معدات الإنقاذ الروسية في معالجة آثاره، حتى أنها اضطرت إلى الاستعانة بالغرب في هذا المجال، ثم بعد ذلك الفشل الذريع الذي منيت به روسيا، حينما تدخلت في أفغانستان لكي تناصر الحكم الشيوعي الذي قام آنذاك، وكان فشل روسيا في أفغانستان سياسياً واقتصادياً وعسكريًا، ولقد عجبت ونحن هناك عندما سمعت أنه تفشى بين الجنود والضباط مرض خاص -يسمونه مرض تلك الحرب الأفغانية- يعاني منه الجنود الذين شاركوا في تلك الحرب، وقلت: سبحان الله! غزوا بلاد المسلمين وحاربوا المسلمين تلك الحرب الشعواء، ولكن سبحانه وتعالى قصمهم وفرقهم بالرغم من أنها كانت دولة كبيرة مهيبة الجانب.

خامساً: انهيار الاتحاد السوفيتي اقتصادياً، فأصبح وضعه بالنسبة للغرب شبيهًا بوضع دول العالم الثالث.
سادساً: ومن عوامل انهيار الاتحاد السوفيتي، بروز الصحوة الإسلامية، بل بروز الصحوة الدينية حتى بالنسبة للنصارى، فهذه الصحوة الدينية جعلت الحكم الشيوعي والفكر الشيوعي فكرًا غير مقبول!

سابعاً: إن إرادة الله سبحانه وتعالى غالبة، والله تعالى يقول: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]، فإرادة الله سبحانه وتعالى غالبة، والله سبحانه وتعالى أراد وقدر أن تكون هذه الدولة الكيان الكبير تتحول إلى ما نشاهده الآن ونسمع به.

ومع انهيار هذا الكيان الكبير وتفككه واستقلال كثير من جمهورياته، وكونه يعيش الآن معيشة التخبط في جميع أموره وشؤونه، ومع أنه يعيش عالة على الغرب في كثير من أموره الاقتصادية وغيرها، إلا أن الشيوعية هناك لا تزال باقية، والشيوعيون لا يزالون موجودين بقوة ولديهم حزب كبير، ومن أبرز أمثلة ذلك: أن الشيوعيون لا يزالون يساعدون الحكومات الشيوعية التي قامت في البلاد الإسلامية المستقلة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك: ما يجري عند الطاجيك في طاجيكستان حيث أن الحكم الشيوعي قام هناك وصار الشيوعيون يحاربون المسلمين، فقامت القوات الروسية الشيوعية بمساعدة أولئك ومطاردة المسلمين، وقد قابلنا في جمهورية تتارستان طلاباً فروا من جحيم الحكم الشيوعي هناك ومن جحيم نار الروس، وقابلنا أناساً منهم فروا بدينهم، وكان أهلهم لا يعلمون عنهم شيئاً..

وقابلنا شاعراً مشهوراً معروفاً في بلاد الطاجيك ليس معه من أهله إلا ولده، قال: "إنني فررت من هناك؛ وهم يبحثون عن أهلي وبناتي وهم لا يدرون عني شيئاً، وقد أذيع في الإذاعة الرسمية هناك أنني قتلت"، ومع ذلك كان معنا يشارك في هذه الدورة، أسأل الله جعل وعلا أن ينصره وأن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يعيده إلى بلده، وقد عادت إلى الإسلام.

ثامناً: مساعدة الشيوعية للأرمن النصارى ضد المسلمين في أذربيجان وغيرها.
تاسعاً: رفضهم رفضاً قاطعاً لاستقلال جمهورية تتارستان الإسلامية، فإن الجمهورية متاخمة لروسيا، وأرادت أن تستقل فرفض الشيوعيون ذلك رفضاً كاملاً، ولا تزال هذه الجمهورية الإسلامية داخلة تحت حكم الشيوعية وتحت حكم روسيا، وإن كان لها نوع من الاستقلال البسيط، وإنما رفضوا استقلال هذه الجمهورية لأن مناطقها متاخمة لروسيا تماماً، وتكاد تكون أراضيها متداخلة مع روسيا التي تقع فيها العاصمة موسكو.

* ولهذه الشواهد وغيرها نقول: إن الشيوعية والشيوعيون لا يزالون باقين، ولا يزالون حرباً على الإسلام والمسلمين.

 

الرابط الصوتي: العبر والدروس من زيارة بلاد الروس

عبد الرحمن بن صالح المحمود

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا.

  • 1
  • 5
  • 2,351
المقال السابق
(1- 6) ملامح سريعة عن تاريخ روسيا
المقال التالي
(3- 6) ملاحظات وشواهد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً