إحسان الظن بالله - (2) كيف تتخلص من الخوف من المجهول؟

منذ 2014-09-06

لخلاصة: اتخذ قرار بالرضا عن الأقدار الحالية والمستقبلية لتتخلص من الخوف إلى الأبد.

(2) كيف تتخلص من الخوف من المجهول؟

الفائدة الأولى من فوائد التجربة التي مررت بها:

تعلمت كيف أتخلص من الخوف من مجهول المستقبل.. لماذا يخاف الناس عادة ويقلقون؟ لأن المستقبل مجهول بالنسبة لهم. 

هذا الخوف ينغص على أهل الدنيا سعادتهم مهما كان عندهم من نعيم الدنيا؛ لأنهم يخشون أن يزول هذا النعيم وتتبدل الأحوال. صاحب المال قد يفتقر، صاحب الصحة قد يمرض مرضا مزمنا، الآمن قد يُروَّع، المحب لإنسان حبًا شديدًا قد يموت حبيبه. 

إذًا؛ أتريد أن تعرف كيف تتخلص من الخوف من مجهول المستقبل؟

ببساطة: اتخذ قرارا بالرضا عن القدر مهما كان.

الآن! اتخذ هذا القرار، وقل: "اللهم أسلمت نفسي إليك فالطف بي وأعني على النوائب ورضني بقضائك".

كلما جاءك هاجس الخوف من المجهول جدد العهد والوعد بأن ترضى وثق في معونة الله لك.

إذا فعلت ذلك فلن تخاف من المستقبل؛ لأنه ما عاد مجهولا، بل أصبح صفحة مكشوفة لك! كيف؟

 

ببساطة: أنت الآن بعد اتخاذ هذا القرار على يقين بأن كل ما يحصل هو لخيرك.ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ. إن أمرَه كلَّه خيرٌ. وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ. إن أصابته سراءُ شكرَ. فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراءُ صبر. فكان خيرًا له» (صحيح مسلم: [2999]).

 

إذًا فبعد أن تتخذ قرارا بالشكر في السراء والصبر في الضراء لا تقل: "لا أدري إن كان المستقبل يحمل لي خيرًا أم شرًا". فبنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن المستقبل لا يحمل لك في هذه الحالة إلا خيرًا. 

 

الجميل في الأمر هنا أنك أنت الذي ترسم مستقبلك بإذن الله، ليست المسألة أقدارًا مجهولة تتقاذفك في وديان الضياع، بل أنت الذي تحدد مآلات ونتائج الأحداث المستقبلية، لم يعد مهما ظواهر الأمور: فقر أم غنى، صحة أم مرض، بقاء الأحباب أم وفاتهم، أنت! أنت من سيجعل هذا كله يؤول إلى مصلحتك وخيرك بإذن الله. ما عليك إلا اتخاذ قرار الرضا


أظنني أعلم ما تقوله في نفسك الآن! ستقول: "حتى لو اتخذت قرارًا بالرضا والصبر، قد يقدر الله عليَّ ألا أصبر". لن أعالج أنا لك الخوف من هذه النقطة، بل سيعالجها الله سبحانه وتعالى:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء من الأية:122]. 

 

قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن:11]. هذه الآية تحمل معاني عظيمة، منها أن الذي يستسلم لقضاء الله في المصائب -يعني يتخذ قرار بالرضا- فإن الله تعالى سيهدي قلبه ويثبته ويعينه.

أيضا يعالج لك هذا الخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الذي رواه مسلم: «ومن يتصبر يصبره الله».

إذًا بادر أنت واتخذ القرار ولا تقل قد يُقدر الله علي بعد ذلك ألا أصبر. فالله أحلم من ذلك وأرحم. 

 

قد تقول: "أحاول أن أتخذ القرار بالرضا، لكني أحس بعدم الصدق في ذلك لأني أخاف أن يكون البلاء شديدًا لا يمكنني تحمله". سنتعاون على التخلص من هذا الخوف أيضا عندما نتأمل اسم الله الحكيم واسمه المعين في الحلقات القادمة بإذن الله.

 

قد تقول: "أنا الآن أستطيع اتخاذ القرار لأني أحب الله تعالى. لكن إذا ابتلاني ابتلاء عظيما فأخشى أن تتأثر هذه المحبة"، سنتعاون أيضا إن شاء الله على إعادة بناء محبتنا لله تعالى على أسس سليمة كي نطمئن إلى معيته ومعونته مهما كانت الظروف. 

 

المطلوب منك الآن فقط أن تثق وتؤمن وتوقن بحكمة الله ورحمته، فتتخذ القرار بالرضا. الرضا الكامل التام الذي لا تشوبه شائبة.المطلوب منك عندما تضع رأسك لتنام وتقول الدعاء النبوي: «اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك» (صحيح البخاري: [6313]). أن تقولها بيقين مطلق وتسليم تام، لتكون مشمولا بالخطاب الذي وجهه الرحمن الرحيم إلى نبيه حيث قال: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا» [الطور:48]. أي لا تخف، أنت في حفظنا ورعايتنا يكتنفك حلمنا ولطفنا.

 

اتخذ القرار بالرضا، وحينئذ ستلمس أن الله تعالى يحبك. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «وإنَّ اللهَ يُعطي الدنيا من يُحبُّ ومن لا يُحبُّ، ولا يُعطي الإيمانَ إلا مَن أحبَّ» (السلسلة الصحيحة للألباني: [6/482]). فالرضا إيمان، إن حزته فاعلم أن الله يحبك.وحينئذ ستطمئن إلى أن الله تعالى يريد بك خيرا، مهما حصل معك في المستقبل. فهل من المعقول أنه يبتليك ويرضيك لأنه يريد بك شرا؟! لا والله! بل ما صبرك ورضاك بالقدر إلا لأنه يريد بك خيرًا... ويحبك. 

 

انظر حينئذ كيف ستنظر بإيجابية إلى أقدار الله تعالى، فالذي يقدر عليك هذه الأمور هو حبيبك الذي يحبك: الله سبحانه وتعالى. يقدر عليك الأقدار بمحبة، إن قدر عليك المرض فبمحبة، وإن قدر عليك الفقر فبمحبة. انظر إلى الطمأنينة والسعادة التي ستغمرك حينئذ، وأنت صاحب القرار بإذن الله.

 

خلاصة الحلقة: اتخذ قرار بالرضا عن الأقدار الحالية والمستقبلية لتتخلص من الخوف إلى الأبد.

المصدر: موقع الشيخ إياد قنيبي
  • 206
  • 11
  • 388,574
المقال السابق
(1) مقدمة
المقال التالي
(3) من المسجون؟

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً