لا يكذبونك
إياك أن تتنازل عن الحق لمجرد تكذيب عدوك له، فإنما هو اختبار، فهو مصدق وموقن في قرارة نفسه، مكذب جاحد مكابر في ظاهر فعله، والحق ثابت واحد لا يتجزأ.
الصادق وسط الناس كالشمس وسط النهار لا تخطئه عين..
ومهما بلغت مكابرة الأعداء وعنادهم، فهم يقرون في داخلهم ويوقنون بصدق الصادق، وإن عاندوه وإن قاتلوه وإن خاصموه..
روى الحاكم بإسناد صححه، أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئتَ به، فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33]".
وفي رواية لابن أبي حاتم، قال أبو جهل: "والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعًا؟!" وتلا أبو زيد -الراوي- الآية السابقة.
وخرج أبو جهل ليلة مستخفيًا من قريش ليستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في داره وهو يقرأ القرآن، فجلس يستمع من الليل حتى أدركه الصبح، وتسلل عائدًا إلى داره، فجمعته الطريق برجلين من قريش -أبو سفيان، والأخنس بن شريق- فعلا مثلما فعل من الاستماع للقرآن سرًا، فتعاهد الثلاثة على ألا يعودوا إلى الاستماع إلى القرآن، لكنهم رجعوا في الليلة الثانية، وجمعتهم الطريق، فتعاهدوا ثانية، وفعلوا مثل ذلك في الثالثة، وتلاوموا من جديد، وعزموا على عدم العودة..!
وراح الأخنس يسأل أبا جهل عن رأيه فيما سمع، فقال أبو جهل: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه"!
نصيحة:
إياك أن تتنازل عن الحق لمجرد تكذيب عدوك له، فإنما هو اختبار، فهو مصدق وموقن في قرارة نفسه، مكذب جاحد مكابر في ظاهر فعله، والحق ثابت واحد لا يتجزأ.
قال الأحنف لابنه: "يا بني، يكفيك من شرف الصدق، أنَّ الصادق يُقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب أن الكاذب لا يُقبل قوله في صديقه ولا عدوه، لكلِّ شيء حِليةٌ، وحليةٌ المنطق الصدق؛ يدلُّ على اعتدال وزن العقل" (نهاية الأرب للنويري).
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: