الواقفون على عرفات بين الخوف والرجاء
للصالحين من سلف الأمة الكرام الأماجد حين وقوفهم بالمشهد العظيم الجليل يوم عرفة أحوالٍ وأيُّ أحوال!
وللصالحين من سلف الأمة الكرام الأماجد حين وقوفهم بالمشهد العظيم الجليل يوم عرفة أحوالٍ وأيُّ أحوال!
- فمنهم من كان يغلِب عليه الخوف من الله، والحياء من التقصير، واستحضار عيوب النفس، والإزراء الشديد بها، واستعظام الذنوب والمخالفات في سالف الأيام.
حتى إن أحدهم ليقول: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي.
ويقول الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم.
ودعا بعض العارفين بعرفة فقال: اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني.
ووقف الفضيل بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المُحترِقة.. قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: واسوأتاه منك وإن عفوت.
وقال الفضيل أيضًا لأحد إخوانه: إن كنت تظن أنه شهِد الموقف أحد شرًا مني ومنك فبئس ما ظننت.
- ومنهم من كان يتعلَّق بأذيال الرجاء، وحسن الظن في كرم الله وواسع عطائه، والرغبة في نوال فضله وعطائه، والتعرُّض لنفحات رحمته التي تفيض على عباده في هذا اليوم.
مثلما روي عن ابن المبارك أنه قال: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالًا؟ قال: الذي يطن أن الله لا يغفر لهم.
ونظر الفضيل تسبيح الناس وبكاءهم عشية عرفة، فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء ساروا إلى رجل فسألوا دانِقًا -يعني سُدس درهم- أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: واللهِ للمغفرة عند الله أهون من إجابةِ رجلٍ لهم بدانِق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(بتصرُّف من لطائف المعارف؛ لابن رجب)