المقطع الذي غير حياة الملايين

منذ 2014-10-10

نحتاج إلى إعادة نظر في طريقتنا ومقارنتها بطريقة نبينا صلى الله عليه وسلم، إن كنا فعلاً نريد أن نغير للأفضل، وليس كل هدفنا فقط ألا تتوقف الرسالة عندنا، نحتاج أن نفكر ونبذل ثم مرة أخرى ندع المتلقي ‫‏يقرر ويختار.

"المقطع الذي غير حياة الملايين"، "هذا الفيديو سيقلب حياتك رأسًا على عقب"، "كلمات رائعة أتحداك إن لم تبك بعد قراءتها"، "أرجوك لا تدعها تقف عندك"، "بالله عليك أكمل قراءتها للنهاية"، "إن لم تنشرها فاعلم أن الشيطان قد منعك"، هذه الجمل وغيرها يعرفها جيدًا أصحاب الهواتف الذكية ممن لديهم تطبيق (الواتس آب).

إنها جمل يصدر بها كثير من الفضلاء، تلك الرسائل الوعظية التي يرسلونها طوال اليوم لجميع من لديهم على قائمة الهاتف، يبتغون بذلك نيل الثواب وتحصيل أجر نشر الخير، والدال على الخير كفاعله، بعضهم يرسلها بنية صادقة ورغبة مخلصة في الدعوة إلى الله وهداية الخلق إلى طريقه، وبعضهم يمررها بشكل تلقائي روتيني، أو خوفًا من التحذيرات المرفقة التي ترهبك أن تكون أنت من أوقف انتشار الخير، لأنك تركت الرسالة تقف عندك ولم تستمع لتلك التحذيرات.

وبعضهم تشعر من كثافة ما يرسله أنه يتسلى أو أنه يعاني من وقت الفراغ، لدرجة تجعل أصابعه لا تفارق جهازه الذكي مرسلة تلك الرسائل على مدار اليوم، حتى يخيل إليك أحيانًا أنه لا ينام!

المهم.. أيًا كانت النية -ولست من محبي التشكيك في النوايا- فإن هناك استماتة واضحة لدى من يرسلون ويعدون تلك الرسائل لإقناعك بالمشاهدة والقراءة، لكن هل يقرأ الناس ويستجيبون؟!

الحقيقة لقد شغلتني إجابة هذا السؤال لفترة بعد أن لاحظت هذه الظاهرة، التي ترتبط بنفس الموضوع الذي يشغلني منذ فترة وكتبت عنه الجزء الأول من هذه السلسلة من المقالات، وهو موضوع نمطية الخطاب الإصلاحي المعاصر والأبوية المسيطرة عليه على هذا الرابط: (https://www.prod.fac...746069245430008).

شغلني ذلك النمط من الرسائل الوعظية، وبدأت أسأل كل من أعرف ممن لديهم هذه الهواتف: هل تقرأون وتشاهدون؟ وما نسبة ما تشاهدون وتقرأون وما طبيعته؟ ولماذا؟ ولقد كانت الإجابة في الغالب لا نقرأ ولا نشاهد.

وأحيانًا كانت الإجابة تخص بـالرفض تلك المقاطع التي قرر أصحابها أنها لا شك ستغير حياتك، وستبكيك وستجعلك إنسانًا آخر، المقطع من الممكن فعلاً أن يكون قد غير حياة إنسان، وربما تكون كلمات المقالات بالفعل رائعة وتمتلىء بالحكم والفوائد، لكن المشكلة كالعادة إنك قد قررت عني، أنك قد قطعت وجزمت بشيء لا يحتمل الجزم، واستثرت طبيعة بشرية كامنة في نفوس كثير من الخلق، طبيعة العناد والتحدي، خصوصًا مع جيل أشرت في المقال السابق إلى أنه لم يعد من السهل إبهاره، وأنه لا يقبل المعاملة الفوقية والخطاب الأبوي الاستعلائي، الذي يقرر نيابة عنه..

أضف إلى ذلك كارثة الملل وإلف العادة، وما كان هذا هدي نبينا الذي وصف أصحابه طريقة وعظه فقالوا: "كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يتخوَّلنا بالموعظة مخافةَ السَّآمةِ علَينا" (صحيح البخاري)، لقد كان حريصًا ألا يمل الناس خطابه ونصحه ووعظه، ولا التسلط على رؤوسهم على مدار اليوم وهو المنزل عليه قول ربه: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [البقرة من الآية:272]، وقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]، وقوله: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:21-22]

من هذا المنطلق كان يتخولهم بالنصيحة، وينوع أساليبها ويفاجئهم بالعبرة دون مقدمات متكلفة تفرض عليهم مسبقًا الانبهار بها، كان أحيانًا يعلمهم برسم خط على الأرض يمثل به طريق الله والطرق التي تقطعه، وأحيانًا من خلال نموذج مادي ماثل أمامهم كما فعل حين مر بجثة الجدي، فشبه زهدهم فيه بقيمة الدنيا عند الله، موقف عملي لا ينسى وموعظة مبتكرة.

أحيانًا يلفت انتباههم بسؤال، وأحيانًا أخرى بقصة مشوقة، وهكذا يطرق أبواب القلوب بتنوع ويسر، ودون تكلف أو مقدمات مفتعلة تفرض نفسها على المتلقي، وتقرر عنه وتختار رد فعله، بل وتفرضه عليه كما يحدث..

نحتاج إلى إعادة نظر في طريقتنا ومقارنتها بطريقة نبينا صلى الله عليه وسلم، إن كنا فعلاً نريد أن نغير للأفضل، وليس كل هدفنا فقط ألا تتوقف الرسالة عندنا، نحتاج أن نفكر ونبذل ثم مرة أخرى ندع المتلقي ‫‏يقرر ويختار.
وللحديث بقية إن شاء الله العزيز الجبار.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 18
  • 0
  • 10,580

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً