قضايا الحاكمية تأصيل وتوثيق - (23) وجوب دفع الجائر حتى يرتدع

منذ 2014-10-16

يجب دفع الجائر حتى يرتدع، أو يهلِك ويُزال بكل سبيل، فإن لم يكن للمسلمين طاقةٌ بدفعه عن ظُلمه إلَّا بالقتال فيتعيَّن، غير أن ذلك مرهونٌ بقوتهم وعُدَّتهم ليتمكنوا منه ويكون الدين لله، فإن عجزوا عن مقاتلته وقتئذٍ؛ فيلزمهم الصبرُ حتى حين، ويلزمهم فرضًا الإعداد لذلك والتجهيز، والسَّعي الدَّؤب، والاستعداد التام! أمَّا مجرد القعود والرضا والتسليم حتى يستقرَّ مُلكُ الظالم الغاشم؛ فليس من دين المسلمين، بل هو خيانةٌ للأمَّة، وتضييعٌ للهُويَّة.

أقوال العلماء في مسألة: وجوب مقاومة الحاكم الجائر بكل سبيلٍ، حتى يَرتدع أو يُزال ويُخلع، ولو أدَّى ذلك إلى مُقاتلته ومُحاربته، متى كانت المصلحةُ راجحةً..

قد تقدَّم التحقيقُ في المسألة، ونصوص المحققين فيها، ومُلخَّصه:
"أن أهل الحَلِّ والعَقْد يجب عليهم مقاومة الظلم والجور، والإنكار على أهله بالفعل، وإزالة سلطانهم الجائر ولو بالقتال، إذا ثبت عندهم أن المصلحة في ذلك هي الراجحة، والمفسدة هي المرجوحة" (محمد رشيد رضا رحمه الله، في كتابه الخلافة) .

"إذا جارَ الوالي، وظهر ظلمُه وغَشمُه، ولم يرعو عمَّا زُجر عن سوء صنيعه؛ فلأهل الحلِّ والعقد، التواطؤ على درئِه، ولو بشَهر الأسلحة، ونصب الحروب" (الإمام الجويني رحمه الله، في أصول الاعتقاد).

عن موسى بن عقبة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لن يعجز الناسُ أن يُولوا رجلًا منهم، فإن استقام اتبعُوه، وإن جنَف قتلوه، فقال طلحة: وما عليك لو قلتَ: إن تعوَّج عزلُوه؟ فقال: لا، القتلُ أنكل لمن بعده" (ذكره الطبري رحمه الله، بإسناده في تاريخه).

وذهبَت طوائفُ من أهل السُّنة إلى أن سَلَّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ واجبٌ إذا لم يُمكن دفعُ المنكر إلا بذلك..!

قالوا: "فإذا كان أهلُ الحق في عصابة يمكنهم الدفع، ولا ييئسون من الظفر ففرض عليهم ذلك، وإن كانوا في عددٍ لا يُرجون لقلَّتهم، وضعفهم بظفر؛ كانوا في سَعةٍ من ترك التغيير باليد -ثم ذكر عددًا من الصحابة والتابعين والفقهاء-، ثم قال :فإن كلَّ مَن ذكرنا مِن قديمٍ وحديث؛ إما ناطقٌ بذلك في فتواه، وإما فاعلٌ لذلك؛ بسلِّ سيفه في إنكار ما رآه منكرًا" (ابن حزم رحمه الله في الفِصَل) .

"وكلُّ طائفةٍ خرجَت عن شريعةٍ من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة؛ فإنه يجب قتالُها باتفاق أئمة المسلمين، وإن تكلمَت بالشهادتين، فإذا أقرُّوا بالشهادتين، وامتنعوا عن الصلوات الخمس؛ وجب قتالهم حتى يُصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة؛ وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا أو المَيسر أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة، وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع، ونحوه؛ بحكم الكتاب والسنة..

وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار إلى أن يُسلموا، ويُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال من الآية:39]، فـإذا كـان بعضُ الدين لله وبعضُه لغير الله؛ وجب القتالُ حتى يكون كلُّه لله" (ابن تيمية رحمه الله، في الفتاوى المصرية، ومجموع الفتاوى).

قلت: وهكذا فإنه يجب دفع الجائر حتى يرتدع، أو يهلِك ويُزال بكل سبيل، فإن لم يكن للمسلمين طاقةٌ بدفعه عن ظُلمه إلَّا بالقتال فيتعيَّن، غير أن ذلك مرهونٌ بقوتهم وعُدَّتهم ليتمكنوا منه ويكون الدين لله، فإن عجزوا عن مقاتلته وقتئذٍ؛ فيلزمهم الصبرُ حتى حين، ويلزمهم فرضًا الإعداد لذلك والتجهيز، والسَّعي الدَّؤب، والاستعداد التام! أمَّا مجرد القعود والرضا والتسليم حتى يستقرَّ مُلكُ الظالم الغاشم؛ فليس من دين المسلمين، بل هو خيانةٌ للأمَّة، وتضييعٌ للهُويَّة. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو فهر المسلم

باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله

  • 7
  • 1
  • 6,946
المقال السابق
(22) من خرج على الحاكم الجائر المُضيِّع للحدود والحقوق
المقال التالي
(24) هل هناك إجماع على حرمة الخروج على الحاكم الجائر؟!

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً