زاد المعاد - هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبه (4)
قال صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى المسجدَ، فصلَّى ما قُدِّرَ له، ثم أنصتَ حتى يَفرُغَ الإمامُ من خُطبته، ثم يُصلي معه، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيَّامٍ".
وفي (السنن) عن ابن عمر، أنه إذا كان بمكة، فصلى الجمعة، تقدم، فصلّى ركعتين، ثم تقدم فصلَّى أربعًا، وإذا كان بالمدينة، صلى الجمعة، ثم رجع إلى بيته، فصلَّى ركعتين، ولم يُصل بالمسجد، فقيل له، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك. وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة، فإنه تطوعٌ مطلق، وهذا هو الأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغِل بالصلاة حتى يخرج الإِمام، كما تقدم من حديث أبي هريرة، ونُبيشة الهذلي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصحابة رضي الله عنهم.
». وفي حديث نُبيشة الهذلي: "إن المسلمَ إذا اغتسل يومَ الجمعة، ثم أقبلَ إلى المسجد لا يُؤذي أحدًا، فإن لم يجد الإِمام خَرج، صلَّى ما بدا له، وإن وجد الإمامَ خرج، جلس، فاستمع وأنصت حتى يقضيَ الإمامُ جمعته وكلامَه، إن لمَ يُغفر له في جُمعته تلك ذنوبه كلُّها أَنْ تكون كَفَّارَةً للجمعة التي تليها" هكذا كان هديُقال ابن المنذر: روينا عن ابن عمر: أنه كان يُصلي قبل الجمعة ثِنتي عشرة ركعة.
وعن ابن عباس، أنه كان يصلي ثمان ركعات. وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع المطلق، ولذلك اختلف في العدد المرويَ عنهم في ذلك، وقال الترمذي في (الجامع): ورُوي عن ابن مسعود، أنه كان يُصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا. وإليه ذهب ابنُ المبارك والثوريُّ.
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء النيسابوري: رأيتُ أبا عبد الله، إذا كان يوم الجمعة يُصلي إلى أن يعلمَ أن الشمس قد قاربت أن تزول، فإذا قاربت، أمسك عن الصلاة حتى يُؤذِّنَ المؤذِّن، فإذا أخذ في الأذان، قام فصلى ركعتين أو أربعًا، يَفصِل بينهما بالسلام، فإذا صلى الفريضة، انتظر في المسجد، ثم يخرج منه، فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع، فيُصلي فيه ركعتين، ثم يجلس، وربما صلَّى أربعاً، ثم يجلس، ثم يقوم، فيصلي ركعتين أخريين، فتلك ست ركعات على حديث علي، وربما صلى بعد الست ستًا أخر، أو أقل، أو أكثر. وقد أخذ من هذا بعضُ أصحابه رواية: أن للجمعة قبلها سنة ركعتين أو أربعًا، وليس هذا بصريح، بل ولا ظاهر، فإن أحمد كان يُمسك عن الصلاة في وقت النهي، فإذا زال وقت النهي، قام فأتم تطوعه إلى خروج الإِمام، فربما أدرك أربعًا، وربما لم يُدرك إلا ركعتين.
ومنهم من احتج على ثبوت السنة قبلها، بما رواه ابن ماجه في (سننه) حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا يزيد بن عبد ربِّه، حدثنا بقية، عن مبشر بن عبيد، عن حجاج بن أرطاة، عن عطية العَوْفي، عن ابن عباس، قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يركع قبل الجُمعة أربعًا، لا يفصِل بينها في شيء منها. قال ابن ماجه: باب الصلاة قبل الجمعة، فذكره.
وهذا الحديث فيه عدة بلايا:
إحداها: بقية بن الوليد: إمام المدلسين وقد عنعنه، ولم يصرح بالسماع.
الثانية: مبشر بن عُبيد، المنكر الحديث. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: شيخ كان يقال له: مبشر بن عبيد كان بحمص، أظنه كوفيًا، روى عنه بقية، وأبو المغيرة، أحاديثُه أحاديث موضوعة كذب. وقال الدارقطني: مبشر بن عبيد متروك الحديث، أحاديثه لا يتابع عليها.
الثالثة: الحجاج بن أرطاة الضعيف المدلس.
الرابعة: عطية العوفي، قال البخاري: كان هشيم يتكلم فيه، وضعفه أحمد وغيره.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: