الماء والهواء والزيت المشتعل!
قد لا نستطيع تقدير نفس من نحادثه وتقييم ما في صدره، أهو زيت يغلي أم كائن عطش يشهق بحاجة إلى الهواء كي يستنشقه، فنفس الكلمة التي تقتل هذا تحيي ذاك! فإن كنت لم تحكم ميزان كلماتك ووقعها، أو تقدير حساسية المستقبِل لكلماتك، ففي الصمت ما يغنيك، فإن قطع مادة الحياة عن الغضب أولى من كلمة قد تغذيه.
كلمات أيقظت في نفسي ذكرى لم تعد تثير في نفسي إلا الغرابة والضحك، رغم أنها تعد حادثة مفزعة!
كان ذلك حين أنهيت تعاملي مع مقلاتي الصغيرة، وأخذت الطعام اللذيذ وخرجت لآكله مع صغاري قريبًا من المطبخ! ومن رحمة الله أن حانت مني التفاتة إلى الحائط المواجه للمطبخ، فرأيت تراقص الضوء البرتقالي اللون،
لم أستوعب لوهلة كنهة فاقتربت لألقي نظرة فوجدت أن مقلاتي الصغيرة لا تزال على النار الموقدة وقد اشتعل الزيت فيها بنار حقيقية!
نار لم تهذب كتلك التي تخرج من عيون الموقد!
نار برتقالية حقيقية متراقصة في وقاحة!
نار من النوع الذي ما أن يراه الكائن الحي يتوقف عقله ويفزع ويطلق قدميه كالأرنب راكضًا!
هذا خوف الكائنات من نار الدنيا التي جُعلت تذكرة -وهي لا شيء- تذكر بنار الآخرة، لكن نار الآخرة لا تثير في القلوب جزعًا إلا قلوب المؤمنين حقًا!
وفي سرعة استجابة! وذكاء فائق! أُحسد عليهما أخذت كوبًا صغيرًا من الماء فسكبته فوق مقلاتي، وتراجعت في ذعر من الانفجار الناتج عن رش الماء على الزيت المشتعل، وازداد الاشتعال!
أرفع عيني في رعب إلى مواسير الغاز أعلى الموقد، وآنية الزهور البلاستيكية! يارب سترك، ولأن عقلي متوقف في ركن صغير من أركان التفكير، ومصر أن النار والماء لا بد ألا يجتمعان فلم أجد فكرة أكثر عبقرية سوى أن أحمل دلوًا كبيرًا كاملاً فأسكبه بالكامل على مقلاتي لتنطفئ النار أخيرًا!
وقفت أتامل فداحة فعلي، فقد صار المطبخ والموقد غارقًا في مزيج من الماء اللزج بسبب الزيت! وبدا لي أن عليّ التشمير لعمل شاق، أهم شيء أن النار انطفأت حتى لو كانت تاركة أثرًا قبيحًا أسود اللون على الحائط والسقف! وأثرًا مرعبًا في قلبي وعقلي!
وبعد المشقة حين قصصت القصص على والديّ، أخبرني أبي أن كل ما كان عليّ فعله ببساطة هو أن: "أطفئ الموقد وأغطي المقلاء بغطاء محكم"، وبهذا أمنع تغذية النار بالأكسيجين فتكف عن الاشتعال!
أتعجب أن الماء الذي منه كل شيء حي والذي لا يستطيع مخلوق أن يحيا إلا بتناوله، قد زاد الزيت اشتعالاً! والهواء الذي لا يمكن أن نعيش إلا بتنفسه يزيد النار اشتعالاً! الماء والهواء مادتا الحياة، كانا كذلك سببًا في حياة النار فتقضي على الحياة! كذا الحياة..
إن الكلمة التي قد يحيا بها إنسان قد تكون سببًا في موت آخر إذا كان ذاك كالزيت المشتعل!
قد لا نستطيع تقدير نفس من نحادثه وتقييم ما في صدره، أهو زيت يغلي أم كائن عطش يشهق بحاجة إلى الهواء كي يستنشقه، فنفس الكلمة التي تقتل هذا تحيي ذاك! فإن كنت لم تحكم ميزان كلماتك ووقعها، أو تقدير حساسية المستقبِل لكلماتك، ففي الصمت ما يغنيك، فإن قطع مادة الحياة عن الغضب أولى من كلمة قد تغذيه.
كذلك إذا رأيت تراقص اللهب واشتعال الموقف، فعندها غط الحريق وامنع عنه الهواء حتى تنطفئ النيران، يقول ابن القيم: "إذا خرجت من عدوك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها تلقحها، ونسل الخصام نسل مذموم" (الفوائد).
- التصنيف: