لا يشم منكِ إلا أطيب ريح

منذ 2014-11-07

لا نبالغ إذا قلنا إن الرائحة الجميلة الزكية مفتاح من أهم مفاتيح العلاقة الزوجية الناجحة، بل وسائر العلاقات الاجتماعية، وعلى العكس تشكو بعض النساء من هروب أزواجهن من عش الزوجية، ويعتقدن بأن سبب ذلك هو مشكلة جمالية.. غير منتبهات إلى أن الرائحة الكريهة قد تكون هي السبب الخفي وراء هذا النفور والهجر.

بسم الله الرحمن الرحيم

لا نبالغ إذا قلنا إن الرائحة الجميلة الزكية مفتاح من أهم مفاتيح العلاقة الزوجية الناجحة، بل وسائر العلاقات الاجتماعية، وعلى العكس تشكو بعض النساء من هروب أزواجهن من عش الزوجية، ويعتقدن بأن سبب ذلك هو مشكلة جمالية.. غير منتبهات إلى أن الرائحة الكريهة قد تكون هي السبب الخفي وراء هذا النفور والهجر.

بل وهناك زيجات تفشل رغم أن الزوجة تكون على قدرٍ كبيرٍ من الجمال والرشاقة، ويكون الزوج على درجةٍ عاليةٍ من النضج والفتوة. ويندهش الجميع لهذا الفشل ويحاولون دون جدوى معرفة السبب، ورغم أن الأسباب كثيرة ومتعددة ولكن من أهم هذه الأسباب التي لا يبوح به عادةً الأزواج "الروائح المنفِّرة" أي وجود رائحة عامة تشمل الجسم كله، خاصةً رائحة العَرق، أو تكون خاصةً من الفم مثلًا، أو تكون أكثر خصوصيةً من الأعضاء التناسلية.

وهناك أنواع شتى من العطور نشتريها رجالًا ونساء عند الزواج، ويُهدى إلينا أضعافها.. يوصي البعض العروس بعطر جديد "أخَّاذ" وآخر "فتّان" وثالث "مثير" ثم بعد شهور ننظر إلى زجاجات العطر ونعتبرها جزءًا من الديكور.. ففي المطبخ، ومع قدوم الطفل الأول، والانشغال بتغيير الحفاظات، وترتيب المنزل.. وغيرها من الأعباء، يبقى العطر للمناسبات العائلية فقط. لكن من قال إن الرائحة الطيبة هي قارورة عطر وحسب، بل على العموم فإن الرائحة الطيبة وغياب الروائح الكريهة هي -بدون مبالغة- أساس العلاقة الزوجية الناجحة، ومفتاح تجددها.

خير الهدي النبوي:

قال ابن القيم في زاد الميعاد: "وكان صلى الله عليه وسلم يُكثِر التطيب، ويحب الطيب، وكان لا يرد الطيب، وثبت عنه في حديث رواه مسلم أنه قال: «من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه طيب الرائحة خفيف المحمل» وبعضهم يرويه: «من عرض عليه طيب فلا يرده» وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكة [وعاء الطيب] يتطيب منها، وكان أحب الطيب إليه المسك".

وأورد مسلم في كتاب الفضائل باب بعنوان: (طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم، ولين مسّه، والتبرُّك بمسحه)؛ وذكر حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا، قال: وأما أنا فمسح خدي، قال: فوجدت ليده بردًا أو ريحًا كأنما أخرجها من جؤنة عطار [أي السفط الذي فيه متاع العطار]".

وأورد أيضًا حديث أنس رضي الله عنه قال: "ما شممت عنبرًا قط، ولا مِسكًا، ولا شيئًا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئًا قط ديباجًا ولا حريرًا ألين مسًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وفي باب: (طيب عَرق النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به)؛ أورد الإمام مسلم حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عندنا فعَرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العَرق فيها -أي تمسحه- فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أم سليم! ما هذا الذي تصنعين؟» قالت: هذا عَرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب".

قال النووي في شرح مسلم: "وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه وسلم وهو مما أكرمه الله تعالى، قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبًا، ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين".

وكان صلى الله عليه وسلم أشد ما عليه أن تُشم منه ريح كريهة، فروى البخاري عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عندَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشربُ عِنْدها عَسلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أيَّتَنا دَخَلَ عَلَيْهَا النبي صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ إني أَجِدُ مِنكَ رِيحَ مَغَافِيرَ -صمغ حلو له رائحة كريهة- أكَلْتَ مَغَافِير؟ فَدَخَلَ على إِحْدَاهُمَا فَقالت لَهُ ذَلِكَ، فَقال: «لا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلا عِندَ زَيْنَبَ بِنتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِي لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التحريم:1].

احتفظ بأنفاسك زكية:

قبل أن تفتح فمك بتحيةٍ أو بكلامٍ تأكد أن رائحته طيبة، فكثير من الأزواج يشكون من أن رائحة فم شريك الحياة مزعجة، ولذلك ينفرون من الاقتراب من أنفاسه ما استطاعوا لذلك سبيلًا. ولا شك أن موالاة تنظيف الأسنان بعد الوجبات وقبل الصلوات وعند الاستيقاظ وقبل النوم - وفقًا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم- كفيلة بحل هذه المشكلة أثناء النهار، أيضًا يمكن لقرص من النعناع أو العلكة أن يجدد رائحة الفم.

وهناك الآن في الصيدليات الكثير من المنتجات التي تحفظ رائحة الفم طيبة، يشتريها الناس لأسبابٍ اجتماعية، فلماذا لا نُقدِّم الزوج أو الزوجة في هذا المجال؟! والأقربون أولى بالمعروف.

رائحة الجسد:

هناك أماكن في الجسم لها صفات خاصة من حيث إفراز مواد دهنية وشمعية من غددٍ دهنية متخصصة، وأهم هذه الأماكن: الإبطان والفخذان والرقبة.. تتركز فيها الغدد العرقية بدرجة أكبر، وتتصف أيضًا بوجود غدد دهنية تُفرِز مادة دهنية شمعية تساعد على ليونة الجلد وتمنع الاحتكاك بين الأجزاء المحيطة بالمكان.

ومع زيادة إفراز العَرق والمواد الدهنية في هذه الأماكن، إضافةً إلى أنها أماكن ليست مُعرَّضة للتهوية، يعطي وسطًا مُناسبًا لنمو بعض أنواع من البكتريا والفطريات لا تعتمد على الأكسجين في نموها، محدثة التهابات جلدية فطرية متصاعدة تختلط بها خلايا الجلد المصاب فتحدث الرائحة المنفرة المصحوبة بتغيير لون الجلد المعروف للسيدات البدينات بصفةٍ خاصة.

ومما يساعد على تفاقم الحالة وجود أمراض مثل "السكري"، ووجود التهابات جلدية وعَرق غزير يعطي رائحة منفِّرة لتلك الأماكن المصابة غالبًا مما يجعل الطرف الآخر غير راغب في التجاور والمخالطة.

ويمكن التغلب على مشكلات رائحة العَرق الكريهة بعيدًا عن الحقن والأودية والعقاقير من خلال ما يلي:

-  الاستحمام يوميًا بالماء الدافئ والصابون.

- إزالة الشعر من تحت الإبطين والعانة فهي من سنن الفطرة، وقد وقّتت الشريعة الإسلامية مدة أربعين يومًا كحدٍ أقصى لإزالة هذا الشعر.

- إذا كنتِ ممن يُفضلن البخور على العطور فضعي قطرة من دهن العود تحت كل إبط تكفيكِ لمدة يومين.

- استعملي البخور بعد كل استحمام وجسدكِ ما زال نديًا وشعركِ ما زال مُبللًا؛ لكي تعلق بكِ رائحة العود، وعندما تطلقين البخور في غرفة النوم افتحي الدواليب وأغلقي باب الغرفة، حتى تعلق الرائحة الذكية بالملابس.

- اعلمي أن البشرة الجافة تمتص الزيوت الموجودة بالعطور؛ لذلك تذهب رائحة العطر بسرعة. أما البشرة الدهنية فهي أكثر احتفاظًا برائحة العطر.

- الفتيات صغيرات السن يناسبهن العطر المصنوع من الزهور، أما النساء الأكبر سنًا فيناسبهن العطر الأثقل والأقوى.

- تجنبي وضع العطور بعد تناول الأطعمة الحريفة، مثل: (البصل والثوم والسمك والكاري) وغيرها؛ فمِثل هذه الأطعمة تصل إلى البشرة وتؤثر على رائحة العطر.

- لا تضعي العطور وأنتِ متوترة أو في حالةٍ نفسيةٍ سيئة؛ ففي هذه الحالة تؤثر العطور بشكلٍ مباشر على الأعصاب ذات الصِلة بحاسة الشم.

- تجنبي وضع المساحيق والكريمات بكثرةٍ حتى لا تنغلِق مسام البشرة، وهو ما يمنع خروج العَرق فتتكون البثور والحبيبات.

- تجنبي تناول الأطعمة الدسمة فهي تزيد من شعوركِ بحرارة الجو فضلًا عن تأثيرها الضار على الجلد، لا سيما بشرة الوجه.

- إذا كان شعركِ طويلًا فارفعيه لأعلى حتى لا تشعري بالحَر، ومن ثم تقل نسبة العرق.

- في حالة غزارة العَرق المصحوب برائحةٍ كريهة تستعمل الأعشاب التالية كغسول استحمام: (زهور الكاموميل، وأوراق الحناء، والجوز، والبلوط، والكاد الهندى، ومسحوق الريحان).

- علاج الأسباب المرضية مثل السمنة والسكر مهمٌ جدًا ولا يجب إغفاله.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 1
  • 0
  • 28,084

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً