تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية (فئة المراهقين أنموذجًا) - (3)
تعرَّفنا في الجزء الأوَّل من الدِّراسة على مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة، ثم توقَّفنا في الجزء الثاني عند الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلات بما في ذلك فئة المراهقين. ونتحدَّث في هذه الأسطر عن عناوين المسلسلات وما تخلِّفه من آثارٍ اجتماعية ونفسية.
تعرَّفنا في الجزء الأوَّل من الدِّراسة على مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة، ثم توقَّفنا في الجزء الثاني عند الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلات بما في ذلك فئة المراهقين.
ونتحدَّث في هذه الأسطر عن عناوين المسلسلات وما تخلِّفه من آثارٍ اجتماعية ونفسية.
ثالثًا: قراءة في عناوين المسلسلات المدبلجة:
يعتبر بوَّابة المسلسل، والعتبة التي يلج منها المشاهد لأحداثه... إنَّه العنوان، تلك الكلمات التي تُطوِّق المسلسل، وتُتيح لنا فهما مُسبقا لحبكة أحداثه ومآلها، وتعطينا تصوُّرًا عن شخصياته، لذلك لنا وقفة مع عناوين المسلسلات، لما لهذا العنصر من أثر في استيفاء عناصر الصُّورة التي رسمناها لموضوعنا.
ومن ملاحظاتنا المختلفة وتتبُّعنا لعناوين المسلسلات التي عُرِضت وتُعرض على مختلف القنوات، فإنَّنا نلفي عناوين متنوِّعة تطبع المشهد الدرامي، ولكن رغم اختلافها فإنها لا تخرج عن أربعة أُطر:
• عناوين بمسمَّيات أبطال المسلسلات.
• عناوين تدلُّ على الضَّياع والأحاسيس السِّلبية.
• عناوين توحي بجمال الحياة والأحاسيس الايجابية.
• عناوين تجمع بين نقيضين.
أ- عناوين بمسمَّيات أبطال المسلسلات:
إنَّ هذا النوع من العناوين يعمل على ترسيخ صفات معيَّنة تحت مُسمَّى البطل أو البطلة، ولعلَّ هذا الأمر كان من الأسباب المباشرة التي أدَّت إلى انتشار أسماء بعينها بين المواليد الجُدد خلال فترات عرض بعض المسلسلات المدبلحة، كردِّ فعلٍ للإعجاب بهذه الشخصيات.
وكثيرًا ما تختار الأسماء أثناء دبلجة المسلسل بعنايةٍ فائقة ويُبدَّل الاسم الحقيقي إلى اسم آخر مناسب للبيئة العربية، مما يسهِّل رواجها بين المشاهدين، وكعيِّنة على ذلك نجد بين مسمَّيات المسلسلات التركية: نور، ميرنا وخليل، فاطمة، عاصي، جواهر، وغيرها كثير.
أما المسلسلات القادمة من أمريكا الشَّمالية فكثيرًا ما يُحتفظ بأسمائها اللاَّتينية على شاكلة: روبي وتريزا وماريا إيلينا وماريانا وماري تشوي، ومن الهند نسمع بـ: سلمى ولالي، وطلَّ علينا الجنس الأصفر بدوره بعناوين ذات أسماء غريبة عنَّا بكل المقاييس، ورغم ذلك لاقت رواجًا وتتبُّعًا ملحوظًا مثل السَّاحرة يوهي وهانا كيمي!
من غير أن نتناسى الدراما الإيرانية التي تبثُّ مسلسلاتها تحت شعار الدِّين، وتحت مسمَّيات لا يجهلها أقل مطَّلع مِنَّا على قصص القرآن الكريم وسير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعَرض حياة بعض الأنبياء والصَّحابة، فنجد: يوسف وأيُّوب عليهما السَّلام ومريم بنت عمران والإمام علي وابنه الحسن رضي الله عنهم وتبقى أعمالًا تبشيريّة للمذهب الشِّيعي الاثني عشري، تحاول من خلالها السياسة الإيرانية استقطاب أبناء المسلمين من السُنَّة عبر عناوين المسلسلات التي تُعبِّر عن مضامين تاريخية مُحرَّفة تخدم مذهبهم.
فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل المشاهد -ولا سيما المراهق- مشدودًا لشخصٍ مُعيَّن، بكل ما يحمله من صفاتٍ من خلال أداء دوره في المسلسل، أو يجعل المشاهد يتطلَّع لمشاهدة المسلسل إذا ما رُبِط بسيرة أحد الأعلام.
ب- عناوين تدلُّ على الضَّياع والأحاسيس السلبية:
إنَّ هذا الصِّنف من العناوين له دلالات مباشرة عن حالات الضَّياع النَّفسي للفرد، مثل: العمر الضَّائع، سنوات الضَّياع، غربة امرأة، صرخة حجر، اللَّحن الحزين، لحظة وداع، رماد الحب، قلوب منسية، الغريب، رجلٌ بلا قلب، المرأة الجافَّة، حدُّ السكِّين.
ولعلَّها هي الأخرى تُعدُّ منفذًا لكل من يعاني من مشكلة مشابهة، بحيث يُسقط معاني أحداث المسلسل المختزلة في ذلك العنوان على حياته، فيتعلَّق بالمسلسل وأبطاله، ويحس أنَّ الشخصية تمثِّله وتُعبِّر عن أحواله، فينفصل جزئيًا عن المجتمع ليُلقي بأحلامه وآماله على ما سيشاهده من تطوُّر في أحداث المسلسل.
لكن هناك ما هو أخطر من هذا، حين نتساءل: أيُّ ضياعٍ وأيُّ ألمٍ وأيُّ حُزنٍ يقصِدون؟
إنَّ المتتبع للمنحى الدرامي لمثل هذه المسلسلات يجد أن الحزن ينبع من خيانة صديق لصديقته، والضَّياع يتولَّد من عدم نجاح علاقة محرَّمة، والألم ينبعث من قلب شاب أخفق في امتلاك فتاةٍ فاتنة!
فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل المشاهد -ولا سيما المراهق- مربوطا بالحالة الاجتماعية أو العاطفية لأبطال المسلسل بكل ما تحمله من معاناة وآلام ومتاعب، والتي تسير في غير منحاها الصَّحيح.
ج- عناوين توحي بجمال الحياة والأحاسيس الايجابية:
تعبِّر هذه العناوين عن كل ما هو جميل من الأحاسيس الإنسانية السَّامية التي يحتاجها كل واحد منَّا، لكن هذه المشاعر الطيِّبة غالبًا ما تأتي من العلاقات المحرَّمة، فيُزيَّن الشُّعور الفطري الجميل في إطارٍ من الخبث والمكر، مثل: ويبقى الحب، رباط الحب، زهرة الحب، قَصر الحب، طريق الصَّداقة، حُلم الشَّباب، الرَّجل اللَّطيف، شريك عمري.
فيرسخ اعتقاد لدى المشاهد المراهق -الذي لم تصقله تجارب الحياة بعد- أنَّ الحب لا يأتي إلا عند لقاء حبيب بحبيبته بعد أن حُرم منها، ولا يُستلذُّ طعم الهناء إلا إذا تمرَّدت الفتاة على قِيَم مجتمعها وقرَّرت أن تربط مصيرها بمن أحبَّته رغم كل الصِّعاب، ولا يكون الاستقرار النَّفسي إلا إذا تصادقت المرأة مع رجلٍ يعرف معنى الصَّداقة الحقيقية، ولا يعرف الرجل معنى الرومنسية إلا إذا أحاط بها صديقته قبل الزواج!
فالعنوان في هذه الحالة إذن، يقلِب المعاني الحقيقية للقِيَم النَّبيلة ويحصرها في مواقف بعيدة عن ديننا وعن مجتمعنا كل البُعد، فترتسِم الدنيا أمام المشاهد بطريقة الآخر.
د- عناوين تجمع بين نقيضين:
ونأتي للفئة الرابعة، والتي يجمع فيها العنوان بين متناقضين، وليس التَّناقض هنا تناقض ضدٍّ معنوي خالص، وإنما هو نقضٌ للقيمة الإنسانية الأولى، فبعد أن يُدغدغَ الشُّعور بمعنى جميل من أوَّل كلمة في العنوان، تنهار القيمة مباشرة بعده، مما يدلُّ على تيه المتلقي بين جمال القيمة الشُّعورية واستحالة تحقُّقها في الواقع، وبهذا يختلُّ المؤشِّر العاطفي، خصوصًا إنْ كان المتلقي من صنف المراهقين يُعايش شعورًا شبيهًا، مثل ذلك: الحب... المستحيل، الحب... المحرَّم، الحب... والحرب، الحب... والعقاب، الحب... الأسير، الحب... السيء، حب... وندم، العشق... الممنوع، الحلم... الممنوع، الحلم... الضَّائع.
فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل من الحياة مقبرة للأحاسيس الجميلة، ويعمد إلى ترسيخ فكرة انعدام الحب بين الأفراد، واستحالة تحقيق الأحلام والآمال، وحين يصبح الفرد مؤمنًا بهذه الفكرة فإنَّ نبع الأحاسيس الجميلة عنده ينضب، لعدم وجود من يبادله نفس الشعور، أو لنقل: لاعتقاده أن كل شيء جميل في الحياة لا بد أن يصطدم بالمستحيل وما يدور في فلكه.
وبنظرة عامَّة عن تلك العناوين -وبغض النَّظر عن تصنيفها- نجد أن كلمة (الحب) قد شغلت الحيِّز الأكبر منها، وتكرَّرت وبصيغ مشابهة، مثل العشق والهوى، مما يثبت ما ذهبنا إليه سابقًا من كوْن العلاقات العاطفية هي أبرز الموضوعات التي تُعالجها الدراما المدبلجة الآتية من وراء البحار.
أما المسلسلات الأمريكية فيُحتفظ بأسمائها وبلغتها الإنجليزية غالبًا، حتى لو كان المسلسل مدبلجًا صوتيًا، خِلافًا للمسلسلات سابقة الذكر، والأمر لا يختلف كثيرًا مع بقية أنواع الدراما الأخرى.
ونشير -ونحن نتحدَّث عن عناوين المسلسلات- إلى ظهور مصطلح جديد أصبح ينتشر بين فئات المراهقين والمراهقات كعنوان جامع، ويُدعى بالدراما المدرسية، وخُصَّت به المسلسلات الكورية واليابانية، بحيث يحاول أبطال هذه المسلسلات تصوير المحيط المدرسي، وكل ما يمكن أن يحدث لمراهقين ومراهقات جمعتهم أسوار الثَّانويات، من مشاكل وصِعاب وحب وغيرة، في جو من الاختلاط المباح والصَّداقة "البريئة"!
يتبع...