حُسْن التَبعْل

منذ 2014-11-12

تلك ثمانية أسباب، يمكن أن تتذرع بها الزوجة الموفقة، وتأسر بها قلب صاحبها، وربما لم يلتفت بعد ذلك إلى التفكير في التعدد، الذي تخشاه سائر النساء، كما أنها تُحيل الحياة الزوجية إلى جنة وارفة الظلال، في هجير الحياة اللاهب.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله، وأزواجه، وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإن (حسن التبعل) من خير صفات الزوجة الصالحة، ويعني حسن عشرتها لبعلها، وحسن تأتيها له، وتلطفها به، ومعرفتها بما يدخل عليه السرور، وسعيها في تحصيله، ومعرفة ما يجلب له الكدر، وتجنبها إياه.

و(حسن التبعل) يرجع إلى أمرين:
أحدهما: طبعي؛ يتعلق بطبيعة الزوجة، وخلقها، وسجيتها التي طُبعت عليها، فمن النساء من تكون: لطيفة، نبيهة، لماحة، ومنهن من تكون: غليظة، غافلة، بليدة، ولا صلة لذلك بأمر الصلاح والتقوى، أو ضد ذلك، وهذا معروف في جميع بني آدم.

الثاني: كَسْبِي: يُنال بالتخلق والتطبع والخلطة والتربية، وربما فاقت صاحبته صاحبة النوع الأول.

وترجع كثير من المشاكل الزوجية إلى وجود (عتب) لدى الزوج، الذي يُفترض في رفيقة عمره أن توفر له السكن، والمودة، والأنس، فيجد عندها من الدفء، والحنان، والتفقد ما يشعره بالإشباع العاطفي، الذي لا ينتظره ولا يتوقعه إلا داخل حيطان منزله، ويشعر بالصدمة حين يفقد هذا المطلب، ولا يرى فرقًا بين الجو الأسري الزوجي، وجو العمل والمجتمع الخارجي.

وحينئذ يرتد هذا الشعور السلبي نقمة، وعتبًا على الزوجة، وربما الأسرة بأكملها، حين يشعر أنه مجرد (ولي أمر)، أو (صرافة)، أو (سائق)!

وقد لا يكلف الزوجة كثيرًا أن تتنبه لبعض اللمسات، والمظاهر العامة التي تترك أثرًا عميقًا، وشعورًا بالتقدير لدى قرينها، وهنا يأتي دور النباهة والاكتساب، فَحَرِيٌ بزوجة عاشت مع زوجها عِقدًا أو عقدين أو ثلاثة من الزمان، أن تكون أحاطت بالطبيعة الشخصية لرفيقها، وباتت تعرف ما يسره، وما يزعجه من التصرفات.

ومن صور (حسن التبعل) التي تجلب مودة الزوج ورضا الرب:
١- الكلمة الطيبة، والإطراء اللطيف، ونقل الثناء الحسن الذي قد تسمعه من المحيط الاجتماعي، وقد يُخيل لبعض الزوجات لسبب أو لآخر أن ذلك قد يكون مدعاة لزهو زوجها وترفعه عنها، وهو تفكير خاطيء تمامًا! لا بد أن تُشعره أن ما يسره يسرها، والعكس، وأنها ليست ندًا له، وخصمًا، بل شريك شراكة مصيرية.

٢- التأنق في المظهر، في الملبس، والشعر، والرائحة، والحُلي، وعدم التبذل، بل تتهيأ بالشكل الجذاب، والرائحة الطيبة، وتسريح الشعر، وخلافه وتنويع اللباس. و-قطعًا- يترك ذلك أثرًا في نفس الزوج، ولو لم يبده في كل مناسبة، كما لو لم يبد امتعاضه من ضده، لكن البصمة تنطبع في النفس.

٣- الخدمة الخاصة، لا مجرد الخدمة المنزلية العامة، بمعنى: أن تباشر الزوجة رعاية زوجها في أموره الخاصة، الشخصية، ولا تدع ذلك لبناتها، وخادمتها، بل تُشعره بأنها أولى الناس به، وأنها لا ترضى أن يزاحمها أحد هذه المهمة، كم يخدش نفس الزوج: أن يجد ثيابه مختلطة بثياب أبنائه، وأن زوجته لا تحسن التمييز بينها، وكم يشعره بالتهميش، والإهمال ألا تجد زوجته حرجًا أن يكون مكتبه مُتسخًا، تتراكم عليه أطباق الغبار، أو لا يخطر ببالها أن تلمع حذاءه، أو تغير أدوات الاستحمام مدة طويلة.

٤- رعايتها لأهل زوجها، وتفقدها لهم، وإجابتها دعوتهم، واحتفاؤها بهم يشعر الزوج بالاغتباط، والامتنان، والتكريم، ويحمله على المبادلة بالمثل، وبالعكس، فإن التبرم، وإظهار الضيق، والاستثقال، يزرع في قلبه الضغينة، وربما حمله على المعاملة بالمثل، فتفاقمت المشاكل، وزادت الجفوة.

٥- حَثُ أبنائها وبناتها على بِر والدهم ورعايته، فالغالب طبعًا وشرعًا، أن ينزع الأولاد إلى والدتهم، أكثر من أبيهم، وربما جرى منهم نوع قصور أو تقصير، فالزوجة المُوفقة تُذكر أبناءها، وتلفت انتباههم إلى بعض اللطائف والدقائق، التي تغيب عن بالهم، وتصنف في دائرة الجفاء في حق والدهم، ومثل هذا التنبه يرفع قدر الزوجة في ميزان زوجها، فيحفظ لها هذا الجميل، ويقابلها بالمثل في حث أولاده على القيام بحق والدتهم.

٦- تفقدها لزوجها في حضرته، وغيبته، واستقباله، وتوديعه، ورعايته حال مرضه وتعبه، فَمِن حسن التبعل: الترحيب به عند دخوله، وتقديم شيئًا مهما قل عند جلوسه، ومشاركته طعامه، ومنامه، وتوديعه عند خروجه، والتواصل معه في سفره وتَفَقُدِ أحواله، كل ذلك يُنشيء في نفس الزوج حضورًا دائمًا لزوجته، ويُعوده عدم الاستغناء عنها، ويُشعره بأهميتها، وأثرها الإيجابي في حياته.

٧- مؤانسة الزوجة زوجها بما يعرض لها من مجريات الحياة اليومية، ومصارحته، ومكاشفته بما يعتريها من نوازل، كما تحدث أخواتها، وصاحباتها، فيقابلها حينئذ بالمثل، ويبثها، ويطلعها على خفاياه، ويستشيرها، في مهماته فتنشأ صداقة وثيقة، فوق العلاقة الزوجية الحميمة.

8- إهداؤها لزوجها الهدية بين الفينة والفينة، فالهدية تسل السخيمة، ولو قل ثمنها، وذلك يحفزه على المقابلة بالمثل، وذلك مما يُمتن العلاقة الودية بين الزوجين ويُجَذِّرها.

تلك ثمانية أسباب، يمكن أن تتذرع بها الزوجة الموفقة، وتأسر بها قلب صاحبها، وربما لم يلتفت بعد ذلك إلى التفكير في التعدد، الذي تخشاه سائر النساء، كما أنها تُحيل الحياة الزوجية إلى جنة وارفة الظلال، في هجير الحياة اللاهب.

أسدل الله على الجميع ستره، وأسبغ علينا نعمه، والحمد لله رب العالمين.
 

المصدر: مركز المشير للاستشارات التعليمية والتربوية

أحمد بن عبد الرحمن القاضي

أستاذ في قسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 67
  • 10
  • 257,548

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً