الحقيقة والحقيقة الافتراضية

منذ 2014-12-10

هذا المصطلح مرتبط بمحاكاة الواقع عن طريق استخدام أجهزة ترتبط ببرامج على الحاسب الآلي لتسمح بإشرك حواس الإنسان فيما تعرضه على عين هذا الإنسان.

الحقيقة الافتراضية أو Virtual Reality

هذا المصطلح مرتبط بمحاكاة الواقع عن طريق استخدام أجهزة ترتبط ببرامج على الحاسب الآلي لتسمح بإشرك حواس الإنسان فيما تعرضه على عين هذا الإنسان. ومن هذه الأجهزة خوذة الرأس أو غطاء الرأس بحيث يرتديها المستخدم ويستمع للأصوات التي تصدر من العالم الافتراضي ويكون مع الخوذة نظارات تغطي العينين بشكل كامل وتعرض الصور بشكل ثلاثي الأبعاد يجعل المستخدم يراها وكأنها واقع أمامه. وهناك أيضًا قفازات لليدين وحذاء خاص يرتديه المستخدم حتى يتم تحديد موقع اليدين في الفضاء الافتراضي ومكان الشخص من المحيط وكذلك عصا التحكم وغيرها من الأدوات.

وللحقيقة الافتراضية تطبيقات مفيدة جدًا في مجالات الهندسة والطيران والعمليات الجراحية...

الحقيقة هل هي حقيقة أم افتراضية؟

تخيل أن هناك جهاز متقدم جدًا للحقيقة الافتراضية وأنه عندما يقوم الشخص باستخدام هذا الجهاز يعيش في الحياة الافتراضية وكأنه الواقع تمامًا. في الحقيقة لا يمكن التفرقة بين حياتنا وبين استخدام هذا الجهاز المتفوق، وإن أحدًا لا يمكنه الجزم بأن حياتنا افتراضية أم لا.

وهنا يظهر سؤال مهم:

إذا كنا لا نستطيع معرفة هل ما نحن فيه حقيقة أم حقيقة افتراضية فما هو تعريف الحقيقة وما هو ما يفرقها عن الحقيقة الافتراضية؟ وسوف أتكلم عن هذا لاحقًا.

لنفترض أننا داخل حقيقة افتراضية:

لنقوم بافتراض أننا داخل جهاز متقدم جدًا للحقيقة الافتراضية وأن كل ما نبصره يكون عن طريق ما يعرضه لنا هذا الجهاز. والجهاز متقدم بالقدر الذي يغطي جميع أحاسيسنا من سمع وبصر وشم ولمس.. حتى أجسادنا التي نراها إنما هي صورة يبثها لنا الجهاز ليظهر لنا أيدينا وأرجلنا وجميع أجزاء جسدنا كما نراه ولكن هذا ليس جسدنا الحقيقي (بافتراض أن هناك معنى لجملة الجسد الحقيقي!).

ما المعلومات التي يمكن أن ندركها في هذه الحالة:

1- لا بد من وجود مبرمج ومصمم لهذا الجهاز الذي نرى من خلاله كل شيء.

2- لا بد من وجود جهاز يقوم باستمرار بعرض ما نراه لا يكل ولا يتوقف ما دمنا نرى أو نشعر بأي شيء وهو يقوم ببث مستمر لكل ما نراه ونسمعه.

3- كل ما نراه داخل هذا العالم الافتراضي ليس موجودًا بأصله وإنما وجوده معتمد على بثه كمعلومة نشعر بها من الجهاز. فمثلا لا يمكن لشخص أن يرى داخل هذا العالم الافتراضي صورة شجرة فيقول أن الشجرة موجودة بنفسها ولا تعتمد على الجهاز. وإنما الشجرة ما هي إلا معلومة أرسلها الجهاز لنا ولا وجود لها إلا وجود كمعلومة تم بثها من الجهاز.

4- الشيء الوحيد الذي لا بد من وجوده هو الجهاز الذي يبث هذه الصور ومصمم هذا الجهاز (وسنطلق على ذلك الوجود وجود أصلي) أما كل ما نراه داخل الجهاز فله طبيعة وجود مختلفة (أقل درجة) يمكن أن نطلق عليها (وجود مكتسب) وهو الوجود المعتمد على بث الجهاز لمعلومة ليظهر لنا كأنه موجود. وهذا النوع من الوجود معتمد اعتمادًا كليًا على ما يبثه الجهاز.

5- روعة وجمال العالم الافتراضي تعكس عظمة وقوة المصمم لهذا الجهاز. ولكن طبيعة هذا المصمم تختلف عن طبيعة كل ما يتم بثه من معلومات داخل الجهاز فهو مبدع كل هذا. وكل مبدع يختلف في طبيعته عن ما أبدعه. فالشاعر طبيعته تختلف عن الشعر والرسام له طبيعة مختلفة عن لوحاته.

أخطاء منطقية في حالة الحقيقة الافتراضية:

لو افترضنا أننا نستخدم هذا الجهاز المتقدم جدًا للحقيقة الافتراضية فإنه يمكن أن نخطئ أخطاء منطقية عديدة:

1- إنكار وجود جهاز أو مصمم للجهاز!!

نتيجة أن الجهاز متقدم جدًا لا يشعر الإنسان أن ما يبثه الجهاز هو صور أو معلومات وإنما يشعر أنها أشياء حقيقية يتفاعل معها. كل ذلك نتيجة التطور الشديد للجهاز وقوته. ولكن نتيجة شعور الإنسان أن الأشياء الافتراضية حقيقية وأن العالم الذي نراه حقيقي يصل البعض إلى نتيجة غريبة وهي أنه لا يوجد جهاز أو مبرمج. ويقول أن الحقيقة هي فقط ما يراه أو يشعر به داخل هذا العالم الافتراضي. وهو بذلك أنكر الوجود الأصلي وتشبث فقط بالوجود المكتسب وهذا خطأ فادح.

2- البحث عن الجهاز أو المصمم داخل العالم الافتراضي نفسه!!

من الأخطاء الواردة أيضا هو البحث عن مكان الجهاز الذي يبث هذا العالم الافتراضي أو مصمم هذا الجهاز داخل العالم الافتراضي نفسه. وهذا مستحيل منطقيًا أن يكون الجهاز الذي يبث الصور هو نفسه جزءًا من البث!! وإذا وقع البعض في هذا الخطأ فإنه قد يؤدي إلى الخطأ الأول لأنه لن يمكنه أبدًا إيجاد مكان مصمم الجهاز أو الجهاز داخل هذ العالم الافتراضي.

3- محاولة تطبيق قوانين وقواعد العالم الافتراضي على مصمم هذا العالم!!

إن ما نراه داخل هذا العالم الافتراضي ليس إلا مجموعة من المعلومات التي يبثها الجهاز بناءا على ما تم برمجته به عن طريق مصممه. وإن حركة الأجسام داخل هذا العالم الافتراضي تتم بناءً على ما صممه المبرمج. ومن الخطأ الفادح محاولة تطبيق هذه القوانين على المبرمج نفسه أو صانع هذه القوانين. إن وجود هذه القوانين أيضًا وجود مكتسب معتمد على بثه في صورة معلومات مرئية أو مسموعة أو محسوسة بأي حاسة. ولذلك فهي لا تجري على الجهاز الذي يبث أو مصمم هذا الجهاز الذي هو نفسه مصمم هذه القوانين.

ما هي الحقيقة؟

لنناقش السؤال الذي طرحناه من قبل: ما هو تعريف الحقيقة وما هو ما يفرقها عن الحقيقة الافتراضية؟

إن الإنسان لا يمكنه أن يميز بين الواقع والواقع الافتراضي إذا تخيلنا وجود جهاز متقدم جدًا لعرض هذا الواقع الافتراضي.

إن كلمة افتراضي تفقد معناها في هذا الموقف.

إن الحقيقة الوحيدة المؤكدة في كل الأحوال أن هناك صانع لما نراه وقيوميته تعمل على البث الدائم والمستمر لكل ما نشعر به في كل الأحوال. وأن وجوده (الوجود الأصلي) هو أمر واجب ومسلم به. بل إن كل ما دونه يستمد وجوده من الوجود الأصلي.

والله تعالى هو المصمم الذي صمم كل ما نرى وإنه بقدرته يبث (يخلق) لنا كل ما نشعر به ونراه في هذا العالم.

وجميع المعلومات التي استنتجناها في المثال السابق صحيحة أيضًا في عالمنا:

1- لا بد من وجود مبرمج ومصمم لهذا العالم وهو الله تعالى.

2- لا بد من أن الله قيوم لنرى كل ما نراه في كل لحظة.

3- كل ما نراه داخل هذا العالم ليس موجودًا بأصله وإنما وجوده معتمد على بثه كمعلومة نشعر بها.

4- الله الصمد هو الوحيد الواجب الوجود ولا يعتمد وجوده على أي شيء وكل ما دونه يستمد وجوده من الله.

5- روعة وجمال العالم تعكس عظمة الله تعالى. ولكن طبيعة الله تختلف عن طبيعة كل ما خلق الله سبحانه وتعالى.

ويقع بعض البشر في عالمنا في نفس الأخطاء المنطقية السابقة:

1- إنكار وجود الله!!

وقول أن الحقيقة هي فقط ما يراه أو يشعر به داخل هذا العالم. وهو بذلك أنكر الوجود الأصلي وتشبث فقط بالوجود المكتسب وهذا خطأ فادح.

2- البحث عن الله داخل هذا العالم!!

لا يمكن أن نرى الله في عالمنا هذا فسبحانه وتعالى خالق هذا العالم ولا يمكن أن يكون جزءًا منه.

3- محاولة تطبيق قوانين وقواعد العالم على الله تعالى:

إن الله الذي صمم القوانين التي تحكم كل شيء لا يمكن أن تنطبق عليه هذه القوانين. وإن هذا الخطأ من أكثر الأخطاء شيوعًا ذلك أن الإنسان حين يعتاد الشيء مرات ومرات يظن أنه حقيقة ولا يمكن عدم وجود هذا الشيء. فمثلا الإنسان في هذا العالم يرى أن كل شيء يجب أن يحويه زمان ومكان. فيظن البعض أن هذا بنطبق على الله خالق الزمان والمكان. ولكن هذا خطأ واضح وهو تعميم في غير محله.

وهنا تظهر الكثير من الأسئلة غير المنطقية مثل:

أين الله؟

ماذا كان قبل الله؟

وما شابهها من أسئلة تحاول تطبيق الزمان والمكان على الله سبحانه وتعالى عما يصفون.

والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 3
  • 0
  • 4,325

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً