غريب فى دياره

في ليلة  بهيمية حالكة سوادها مكتملة بنورها قمرها ونجوم تتلألأ في سمائها ومصابيح تنير دروبها فترشد الخلق إلى مرادها وتبعث الأمل لعودة نهارها.

ينزل على غير عصره يبحث عن مراده وأمله وحلم لا يزال يراود فكره بالوصول إلى منبعه وأصله، وجه منير وسمته أمين وملحمه عربي أصيل إلا أن فخره الدائم أنه من المسلمين.

يأتي باحثا عنهم يقتفي أثرهم ويتلمس دربهم لعله يهدى إليهم فيسعد بهم ويكون جنبهم يحلم بالأيام الخوالي وإن اختلفت المعالم أمام ناظريه ويمني نفسه بلقياهم وإن حاك في صدره شئ.

مجد الأجداد بقلبه ودرب الأولين يعرف رسمه والصراط المستقيم رآه بعينه في مقربين يسطرون ويرسمون شكله.
يحلم بهؤلاء ويحن إلى أولائك وعلى أحر من الجمر ينتظر جمع هؤلاء وأولئك على نفس الأثر والدرب والخطى، يحمل خوفاً بداخله لا يعلم سببه وأملاً بنفسه يتعلق به هدفه وثقة بقلبه أن الله سيهديه لحلمه ويجمع بينه وبين من يسعى إليهم.

يعزم على طي الأرض سعي باحث ينزل بالحجاز وينعم بمجاورة النبي "صلى الله عليه وسلم" ويطوف بالبيت ويسر برفقائه ومريديه، يخرج إلى بغداد ليزداد بالقلب خوفه ويكاد ينقطع أمله ويفقد هدفه، يبحث عن الأندلس ولا يرى لها معلم غير أطلال على سالف العصر تنعى وراية يوم العقاب تعصر بالحزن قلبه على ما ضاع فى يوم هزيمة غادر بها من أرضها أمله وبين ذويها مات هدفه، يأمل ببلاد الشام فإذا بالأقصى تحت الأسر يقبع وفتح الفاروق وعمل صلاح الدين يهوى ويصدع، ينشد مصر فيرى مآذنها تبكي وأهلها فى اللهو ترتع وديارها لم تعد لحلمه تعرف وتبدلت أحوالهم لخضوع وسكون مؤسف. يطوف ببلاد الضاد فلا يرى إلا الظلم ينطق ويسرى وحزن يخيم فوق الصدور وران بالقلب صدأه يرى وصوته يسمع  يسمع بإسلام آسيا فيتذكر ما إليه  ينشد إلا أن الجمع يغيب عنه المقصد. ويرى الأمر قاصراً على منهج فرد وليست أمة متماسكة كجسد واحد قلبه ينبض وبنيان مرصوص متانته لرآيه تظهر، وفى القلب حلم صوته عال وغيابه يعصر وفى عين رؤيا بها الجميع يحلم وفى الخاطر دعاء لعل الله يقبل.

فلا مكان لمن عنه يبحث ولا وجود لشخصه وموطن مكثه فيحار من إلى الحق ينشد ولدولة الإسلام ينشد ولجماعة المسلمين يقصد.. والأمل أن يعود الأمر ويتحقق المقصد والله غالب على أمره ولعباده يذلل الصعب فيسهل.