الوقت وأهميته في حياة المسلم

منذ 2014-12-30

السَّاعات أغْلَى من أن تُنفَق في أحاديثَ فارغة، أو مجالس غيبة لا يتحرى فيها المسلمُ الصِّدق، ولا يأمر فيها بالمعروف، وكما قيل الأيَّامُ ثلاثةٌ: "الأمسُ قد مضى بما فيه، وغدًا لَعَلكَ تُدركه، وإنَّما هو يومكَ هذا، فاجتهد فيه"، قال يحيى بن معاذ: "إضاعةُ الوقت أشدُّ منَ الموت؛ لأنَّ إضاعةَ الوقت انقطاعٌ عن الحقّ، والموتُ انقطاعٌ عن الخلق".

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:

فإنَّ الوقت هو عُمر الإنسان، ورأس مالِه في هذه الحياة؛ ذلك أنَّ كلَّ يوم يمضي على الإنسان يأخذ من عُمره ويُقَرِّبه إلى أَجَلِه، فكان حري بالعاقل أن يستغلَّ ويمضي هذا الوقت الذي مَنَحَهُ الله إياه فيما يرضي ربه، وأن يحقِّق لنفسِه السعادة في الدُّنيا والآخرة.

يقول الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنَّما أنت أيَّام، كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك".
والناظر في حال كثير منَّا اليوم، وكيف يقضون أوقاتهم -من تضييع وإهدار للوقت- يعلم أنهم محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت؛ ولذا نراهم ينفقون أوقاتهم، ويهدرون أعمارهم فيما لا يعود عليهم بالنفع، والعجيب في ذلك فَرَحُ الكثير منهم بمرور هذه الأيام والسنين، وقد علموا أنها تقربهم إلى آجالهم، وتبعدهم عن دنياهم!
 

إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالأَيَّامِ نَقْطَعُهَا *** وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى جُزْءٌ مِنَ العُمُرِ

   
أخي المسلم: إنَّ للوقت أهمية عظيمة، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصًا على حفظه واغتنامه فيما يُقَرِّبه مِن ربِّه سبحانه وتعالى والاستفادة من وقته استفادة تعودُ عليه بالنفع، فيُسَارِع إلى استغلال الفراغ قبلَ الشغل، والصحَّة قبل السقم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: «نِعْمَتانِ مغبونٌ فيهمَا كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفَراغُ» (أخرجه البخاري برقم:5933).

ثم إنَّ المسلم سوف يُسأل عن الوقت أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره: فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن مالِه من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وعَنْ عِلْمِه ماذا عمل فيه؟» (أخرجه التِّرمذي برقم:2340).

فالسَّاعات أغْلَى من أن تُنفَق في أحاديثَ فارغة، أو مجالس غيبة لا يتحرى فيها المسلمُ الصِّدق، ولا يأمر فيها بالمعروف، وكما قيل الأيَّامُ ثلاثةٌ: "الأمسُ قد مضى بما فيه، وغدًا لَعَلكَ تُدركه، وإنَّما هو يومكَ هذا، فاجتهد فيه".
قال يحيى بن معاذ: "إضاعةُ الوقت أشدُّ منَ الموت؛ لأنَّ إضاعةَ الوقت انقطاعٌ عن الحقّ، والموتُ انقطاعٌ عن الخلق".

وانظر معي أخي المسلم إلى هذه النَّصيحة الغالية من رجل عرف قيمة الوقت، وأدرك أهميته؛ فقد سَأل الفُضيل بن عِياض رحمه الله رجلاً، فقال له: "كم عمرك؟ فقال الرجل: ستُّون سنة"، فقال الفضيل: "فأنت منذُ ستين سنة تسير إلى ربكَ، تُوشك أن تصل"، فقال الرجل: "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"، فقال الفضيل: "مَن عرف أنَّهُ عبد لله، وأنَّه راجعٌ إليه، فليعلم أنهُ موقوفٌ ومسؤولٌ، فليعدَّ للسؤالِ جوابًا"، فقال الرجلُ: "ما الحيلةُ؟"، فقال الفضيل: "يسيرة، تُحسنُ في ما بقيَ يُغفر لك ما مضى، فإنَّكَ إن أسأتَ فيما بقيَ أُخذتَ بما مضى وما بقي".

يقول ابن الجوزي رحمه الله: "رأيتُ عموم الخلائق يدفعونَ الزمانَ دفعًا عجيبًا إن طالَ الليلُ، فبحديثٍ لا ينفع، أو بقراءةِ كتابٍ فيهِ غزاة وسمر، وإن طالَ النَّهارُ فبالنوم، وهم أطرافُ النَّهارِ على دجلة أو في الأسواق.. -إلى أن قال- فاللهَ الله في مواسمِ العمر، والبدارَ البدار قبلَ الفوات، واستشهدوا العلم، واستدلوا الحكمة، ونافسُوا الزمان، وناقِشُوا النفوس، فكأن قد حَدَا الحادي فلم يُفهم صوتهُ من وقع الندم"، (اه)ـ، فهذا ابن الجوزي يَتَكَلَّم عن زمانه، فماذا نقول عن هذا الزمان؟!

وانظر إلى هذه المواقف التي تبين لنا مدى حرص سلفنا الصالح عن الوقت، فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم أكبر عون للمسلم على حُسن استغلال وقته، فهم خير مَن أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وهم أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر، واستغلال أنفاسه في طاعة الله.

- قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غرَبَت فيه شمسُهُ، نقص فيه أجلي، ولم يزدَدْ فيه عملي".

- وقال حمَّادُ بن سلمة: "ما جِئنا إلى سليمان التَّيْمِي في ساعةٍ يُطاعُ اللهُ فيها إلاَّ وجدناهُ مُطيعًا، إنْ كان في ساعةِ صلاةٍ وجدناهُ مُصلّيًا، وإن لم تكنْ ساعة صلاةٍ وجدناهُ إمَّا متوضِّأً أو عائدًا مريضًا، أو مشيِّعًا لجنازة، أو قاعدًا في المسجد، -قال-: فكُنَّا نرى أنَّهُ لا يُحسنُ أن يعصي الله عزَّ وجل".

- يقول الوزير الصالح يحيى بن زهير:

وَالوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ *** وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ    

فالحرصَ الحرصَ على الوقت، والبدارَ البدارَ كما جاء في الأخبار، واستغلَّ وقت الشباب في الأعمال النافعة قبل المشيب، فتقول ليت الشباب يعود، فيكون حالك كحال القائل:

بَكَيْتُ عَلَى الشَّبَابِ بِدَمْعِ عَيْنِي *** فَلَمْ يُفِدِ البُكَاءُ وَلاَ النَّحِيبُ
أَلا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا *** فَأُخْبِرَهُ بِمَا فَعَلَ المَشِيبُ


واللهُ أعلم بالصّواب، وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. 

 

طارق محمد أمعيتيق

  • 17
  • 5
  • 20,539

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً