النقد البناء لعمرو، وغيره
ما لا أتفهمه هو حملة السخرية الشعواء من روايته الجديدة (رافي بركات)، والتي ووجهت بعاصفة من الاستهجان الكثيف، والرفض القاسي، قبل حتى أن تُقرأ، لدرجة دفعتني إلى محاولة تحليل تلك الحالة العجيبة.
من حقك أن تختلف مع الدكتور عمرو خالد كما تشاء، ومن حقك أن تنتقد كثيرًا من مواقفه، وخياراته، خصوصًا الأخيرة منها، ومن حقك أيضًا ألا تستسيغ أسلوبه، أو لا تهضم طريقته، كل ذلك من حقك، وقد أوافقك في بعضه، وأتفهم البعض الآخر.
ما لا أتفهمه هو حملة السخرية الشعواء من روايته الجديدة (رافي بركات)، والتي ووجهت بعاصفة من الاستهجان الكثيف، والرفض القاسي، قبل حتى أن تُقرأ، لدرجة دفعتني إلى محاولة تحليل تلك الحالة العجيبة.
ثلة من الساخرين جعلوا رفضهم للشخص ومواقفه سببًا مبدئيًا لرفض كل ما يصدر منه، نظرًا لكونه سقط تمامًا من نظرهم، فاختاروا التعامل معه باستهزاء مطلق، دون نقاش للتجربة نفسها، أو تقييم لجوانبها.
وهذا رغم اختلافي معه أتفهم جزء من دوافعه، وإن كنت بينت مرارًا أن طبيعة ذلك التقييم الاختزالي ذي البعد الواحد؛ يحرم صاحبه من فوائد كثيرة، ويقطع عليه كثيرًا من طرق الإنصاف والخير.
ثلة أخرى صَبَّت جام غضبها على الدكتور عمرو، بسبب تلك الحملة الدعائية الغامضة، التي سبقت ظهور الرواية، والتي اعتمدت على فكرة التسويق من خلال التشويق والغموض، وهي طريقة تسويقية تجارية بعض الشيء، الأمر الذي اعتبره البعض غير مناسب للطبيعة الدينية المفترضة بشخصية دعوية كعمرو خالد.
وربما يكون لذلك الاعتراض وجه؛ إذا تغاضى أصحابه عن حقيقة واضحة كالشمس منذ سنوات وتتلخص في اتجاه عمرو خالد لمسار مختلف عن الدعوة التقليدية، ويقترب أكثر لمدارس التنمية البشرية، والإصلاح المجتمعي، وهو ما يخضع لمعايير مختلفة بلا شك.
آخرون اعتبروا أن مجرد كتابته للرواية محض إفلاس، ومحاولة لجذب الأضواء، أو الرضوخ لشروط السوق، وإخضاع الدعوة معه لتلك الشروط؛ من خلال عرض الأفكار بطريقة يرونها ما دامت روائية فهي بالضرورة ركيكة مبتذلة.
والحقيقة أني أختلف بشدة مع هذا الطرح، وأراه طرحًا نمطيًا، يدس رأسه في الرمال، متجاهلًا ضرورة السعي لطرق أبواب جديدة، وسلوك طرائق مختلفة ومبتكرة؛ لتبليغ الدعوة، وتوصيل القيم، والأخلاق الإسلامية، لمجتمع صار جزء كبير منه يرفض الاستماع إليك، ولديه أطنان من الشبهات ضدك، وهو مع كل هذا لم يزل محلًا للدعوة، مُخاطبا بالبلاغ.
والعمل الروائي في تقديري -وبغض النظر عن الرواية محل النقاش- أحد هذه الأبواب المهمة؛ والتي طرقها عبر العقود السابقة أصحاب الأفكار المختلفة، وبثوا أفكارهم وقيمهم وعقائدهم من خلالها، ومن خلال ما يتبعها من أعمال فنية مرئية ومسموعة.
ولقد نجحوا إلى حد كبير في ترسيخ تلك الأفكار والعقائد، ومن ينكر هذا التأثير فهو -للأسف- يصر على خداع نفسه.
لذا فأنا أرى حتمية خوض تلك التجربة، أو على الأقل النقاش حولها بشكل أكثر جدية؛ لمحاولة الوصول لنموذج منضبط بالشرع، وفي الوقت نفسه مبتكر وفريد، تبث من خلاله قيمنا وأفكارنا، بطريقة أسهل وصولًا، وأكثر تأثيرًا، ومسًّا للقلوب والعقول.
عمرو خالد خاض هذه التجربة!
حسنًا؛ فلنقيمها بتجرد وبدون أحكام مسبقة.
فلننظر إلى طبيعة الأفكار التي يبثها في طيات سطور الرواية، ولننقدها بشكل موضوعي.
فليقرأها الناقد القادر على النقد قراءة متجردة، وَلْيَر إن كان د/ عمرو ممتلكًا لأدواتها، وممسكًا بناصية لغتها، ومتمكنًا من حبكتها، ومنضبطًا في أفكارها، أم لا.
بالمناسبة من خلال قراءتي لجزء من الرواية لم أجد الأمر مبشرًا من حيث الأدوات والعمق؛ وأرى مبدئيًا أنها فقيرة لغويًا وفكريًا ودراميًا، لكن سأرجئ تقييمي النهائي لحين قراءتها كاملة -إن شاء الله-، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.
الأهم في تقديري -وبغض النظر عن الرأي في الرواية-؛ هو التعامل مع التجربة نفسها، وإدراك كونها ستؤثر بشكل أو بآخر في قطاع من الشباب، ومن ثم يحتاج الأمر إلى بعض الجدية في الطرح، وعدم التسرع في التقييم وفق الأحكام المسبقة والمطلقة.
من أراد أن يقيم العمل، ولديه القدرة والأدوات اللازمة للنقد، فليتمهل حتى يقرأ ما سينقده ابتداءً، ثم ليفعل إن شاء.
ومن أراد أن ينتقد الشخص نفسه، أو مواقفه وأفكاره ودعوته؛ فليفعل! لكن من خلال ما يعلمه عنه بيقين، مفرقًا بين الشخص وعمله.
- التصنيف: