لماذا الهجوم على الحجاب

منذ 2015-01-20

ونجد اليوم حملة شعواء على هذه الفريضة الإسلامية، وهذا الحكم الإلهي، فلماذا توجهت المطاعن، وأسنة الأعداء، ورماح المنافقين نحو هذه الفضيلة العظيمة، ولماذا صار الهجوم واضحاً، ومُركّزاً، وكان الحجاب مستهدفاً؟

عناصر الخطبة :

المجتمع الذي يريده الله.
الحرب على الحجاب ولماذا؟
فضائل الحجاب.
شبهات الذين يريدون نزع الحجاب.
حال الغرب وما هم فيه من الفساد.
شروط الحجاب الشرعي.
حرمة الأشهر الحرم.
بعض الأحكام المتعلقة بفصل الشتاء.
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

المجتمع الذي يريده الله

فإن الله سبحانه وتعالى حيي ستّير، وهو عز وجل يحب الفضائل، ويكره الرذائل، وقد حذرنا خطوات المنافقين لإشاعة الفاحشة، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النور:19)، ومعنى تشيع: أي تنتشر، وتشتهر بالقول والفعل.

فالله يريده مجتمعاً إسلامياً، طاهراً، نقياً، فيه الفضائل، وتحارب فيه الرذائل، فليس لها مكان في ظل مجتمع يؤمن بالله ورسوله، ويسعى لتنفيذ حكم الله ورسوله، والله عز وجل خلق العباد وهو أبصر بهم، ويعلم ما في نفوسهم، وما يصلح لهم، ولذلك حرم الزنا، وحرم الخلوة بين الذكر والأنثى الأجنبيين، وأوجب الحجاب، وفرض حد القذف، وحد الزنا، وشرع الزواج وأكّد عليه، ففتحت الشريعة طرق العفاف، وسدت طرق الشر والرذيلة.

الحرب على الحجاب ولماذا؟

ولما أوجب الشرع الحكيم الحجاب على النساء، فإن ذلك من أسباب الفضيلة، فالحجاب عفة، وطهارة، ونقاء.

ونجد اليوم حملة شعواء على هذه الفريضة الإسلامية، وهذا الحكم الإلهي، فلماذا توجهت المطاعن، وأسنة الأعداء، ورماح المنافقين نحو هذه الفضيلة العظيمة، ولماذا صار الهجوم واضحاً، ومُركّزاً، وكان الحجاب مستهدفاً؟

أولاً: إن الكفرة لا يريدون أن تكون لنا فضيلة إطلاقاً، ولا يريدون بنا خيراً أبداً، ولا يريدوننا أن نتميز عنهم بطهر، ولا فضل، وكذلك المنافقون يتبعونهم، ويريدون إشاعة الشهوات المحرمة، كما قال سبحانه: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)(النساء:27)، قال مجاهد: الزناة يريدون أن يزني أهل الإسلام كما يزنون، وهذا كقوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)(النساء:89)؛ لأن أهل الشر والفساد يريدون جميع الناس مثلهم، ولا يريدون أن يكون أحد أفضل من أحد، ولا خيرا ًمن أحد، وليس بغريب على المنافقين أن يسخّروا أقلامهم، ومقالاتهم؛ لأجل الطعن في الحجاب، فالله تعالى أخبرنا عنهم ذكوراً وإناثاً فقال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(التوبة:67)، فليس بغريب أن تؤيد أقلام المنافقين، وألسنتهم، دعاة الكفر الذين يتهجمون على الحجاب فما قاله أولئك هناك، يتردد صداه عند المنافقين بين المسلمين، ولذلك وعد الله الفريقين وعداً عظيماً فقال:(وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ)(التوبة:68)، فالمصير واحد، بعضهم من بعض، فهؤلاء صدى لأولئك، (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)(التوبة:68)، هؤلاء المفسدون الذين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(البقرة:11)، أي: نحن دعاة إصلاح، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)(البقرة:12)، يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأما بالنسبة لأهل الكفر فإنهم يريدون من وراء معركة الحجاب عزل المسلمين، ومحاصرة أهل الإسلام، وعدم انتشار الإسلام؛ لأن الحجاب دعوة صامتة على الإسلام، وهم يسعون للقضاء على الدين بكل طريقة، كما قال تعالى:(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(التوبة:32)، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)(التوبة:52)، فهؤلاء الكفرة عندما يهاجمون الحجاب حسداً وبغياً لنا على ما آتانا الله من الأحكام، حسدونا على الجمعة، وعلى التأمين، كما فعلت اليهود في المدينة، وهؤلاء حسدونا على الطهر والفضيلة، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا)(البقرة:109)، لماذا؟ (حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)(البقرة:109)، وقال عز وجل: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(البقرة:105)، أي: لا يريدون، ولا يودون، ولا يتمنون، ولا يحبون أي خير ينزل علينا من ربنا، (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(البقرة:105)، وبما أن أهل النفاق أعداء الشريعة، فهم يكرهون ما جاءت به الشريعة، فلذلك يحاربونه، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)(محمد:9)، فالمؤمن يطيع الله ورسوله، والمؤمنة تطيع ربها، ونبيها محمداً صلى الله عليه وسلم، ويتضافر الأزواج والزوجات، والآباء، والبنات، والإخوة والأخوات، والذكور والإناث عموماً في المجتمع المسلم على تطبيق هذه الشريعة، ويتعاونون على هذه الأحكام؛ لأجل تنفيذ ما أمر الله به، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأحزاب:36)، فجاء الخطاب واضحاً للجميع، ابتداء من النبي صلى الله عليه وسلم فهو رجل، والحجاب للمرأة، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ)(الأحزاب:59)، تبتدئ القضية من الرجل الذي يقوم على أهله، فالخطاب بالحجاب موجه إليه، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ)(الأحزاب:59)، والإدناء في اللغة: هو إرخاء الحجاب من أعلى شيء إلى أسفل شيء، فلا يبقى شيء إلا ويغطيه.

وقال سبحانه (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)(النور:31)، وقال سبحانه (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب:33)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان))[1]، فأخبر أنها عورة، فيجب تغطية العورة؛ لأن ستر العورة واجب، وليس المقصود بالعورة الشيء القبيح، وأن المرأة مستقبحة، كلا والله، لكنها زينة يجب تغطيتها، وهذا هو المعنى، فبالنسبة للتغطية هي عورة، ولكنها بالنسبة للمكنون والحقيقة فهي زينة أيضاً، ولذلك قال: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)(النور:31)، وهناك زينة أصلية مثل: معالم الوجه، وهنالك زينة إضافية مثل: الحُلي.

فضائل الحجاب

- الحجاب عفة، حتى ذكر الله ذلك عن نساء الجنة فقال:(حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)(الرحمن:72)، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((ولنصيفها على رأسها))[2]، وخمار الحور العين الواحد خير من الدنيا وما فيها.

- الحجاب حماية للمرأة المسلمة، حتى أن واحدة من بنات الكفر كانت إذا خرجت من الجامعة فمرت على هؤلاء الشباب آذوها فخطر ببالها أن تلبس حجاباً كبعض المسلمات في الجامعة، فلبسته فمرت فلم يؤذوها بشيء.

- الحجاب ستر، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)(الأعراف:26).

- الحجاب هو الحارس للجوهر الذي يصبح مكنوناً به، قال تعالى: ((إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء))[3]، قال تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)(القصص:25)، أي: جاءت مستترة قد وضعت كُم درعها على وجهها استحياء، ليست بسلفع، خرّاجة ولاّجة.

- الحجاب يطابق غيرة الرجل؛ لأن الرجل الغيور لا يريد أحداً يستمتع بزوجته، أو جمالها غيره، ولذلك يأنف أن ينالها أحد ولو بنظرة، قال علي رضي الله عنه: "بلغني أن نسائكم يزاحمن العلوج، -أي: كفار العجم- في الأسواق، ألا تغارون، إنه لا خير فيمن لا يغار".

الطعن في الحجاب، ومعركة الحجاب التي قام سوقها اليوم كبيرة، وضخمة، فلماذا؟

لأن الحجاب هوية إسلامية، والعدو يريد محاربة أي هوية إسلامية، وأي شيء يدل على الشخصية الإسلامية، وأي عنوان تحته ووراءه إسلام، وهذا الحجاب وراءه إسلام، وهذا الحجاب عنوان إسلام، ولذلك يغيظهم، فثارت ثائرتهم اليوم.

يريدون محاصرة أهل الإسلام بشن الحرب على الحجاب، وعندما أزعجهم وجود هذه الجاليات الإسلامية، وما تتكاثر به نسلاً بينهم، ورأوا مستقبلاً مخيفاً فلابد من الإزعاج، والمضايقة، والمحاصرة، هذا هو من خطوات المعالجة لديهم، فكيف يؤذون المسلمين؟ وكيف يحاصرون المسلمين؟ يقولون: لا حجاب، تارة بدعوى محاربة الجريمة، وتارة بدعوى التمييز العنصري، والطائفي، والعلمانية، وأنهم لا يريدون طوائف، ماذا يريدون؟ باطل بباطل، وأموراً مخلوطة، قال قائلهم يوماً وهو ينظر إلى هذا الحجاب عند المسلمات في بلادهن: لن يستقيم حالنا في الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويغطى به القرآن، فهذه خلاصة الأمر.

- الحجاب دليل إيمان؛ لأن الله قال: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ)(النور:31)، وقال: (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ)(الأحزاب:59)، ولما دخل نسوة على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، يرتدين ثياباً رقاقاً قالت: "إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعن به"، أي: هذا متاع قليل، ثم الآخرة فيها عذاب شديد، والتبرج من صفات أهل النار، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات))[4]، بالضيق، بالشفاف، بالقصير، بالذي يحسر عن شيء من جسدها، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)(الأعراف:27)، وبين الله تعالى أن التبرج جاهلية، فقال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب:33)، والله العظيم إنَّ بعض ما هو موجود من مظاهر التبرج اليوم هو أسوء من مظاهر التبرج في الجاهلية الأولى.

شبهات الذين يريدون نزع الحجاب

عباد الله:

بعضهم يظن أن ترك الحجاب تقدم وحضارة، ولكن هذه هزيمة نفسية للحاق، والتقليد الأعمى للذين غلبوا بقوة المادة، وهذا من أسباب ترك بعضهن للحجاب، ثم بعد ذلك منع المسلمات من ارتداء الحجاب هكذا تجد في بعض مجتمعات المسلمين مع الأسف، ويسمونه زياً طائفياً، ويحضر ارتداؤه في الجامعات، ومعاهد التعليم، والثانويات، ومجالس تأديبية لمن تلبس الحجاب، وفرض نزعه عند باب الجامعة ومدخلها، ومحاصرة المحجبات، وأنها لن تتعلم، ولن تنال شهادة إلا إذا تركت الحجاب، وإذا لم يفد الترغيب، فالترهيب، وبالقوة، وعندما قال تبع السخافة: نحن عاصرنا أمهاتنا، وتربينا، وتعلمنا على أيديهن عندما كن يذهبن إلى الجامعة والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلى الوراء؟! فهذه هي السخافة، تسمية العودة إلى الحجاب عودة إلى الوراء، وربط الحجاب بالتخلف، ثم يقول النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس، وهكذا يريدون لكل ساقط ولاقط، وبعضهم يصرّح ويقول: نحن مجتمع لا ديني علماني، والحجاب لا يتماشى مع ذلك، فالمرأة سياحة، ورقص، وتبرج، وزينة، والحجاب لا يتماشى مع ذلك، بل إن بعضهم في أسباب المنع قال: حتى لا تشعر السائحات الأجنبيات بالغربة إذا جئن إلينا، فسبب المنع مراعاة لمشاعر السائحات الأجنبيات.

الحجاب صار مخيفاً للأعداء، حتى أطلقوا حملات لمحاربة الدمية فلة التي تشجع الصغيرات على ارتداء الحجاب، ولما انتشرت الدمية فلة للبنات ولها حجاب صاروا يبحثون عنها أين هي؟

عباد الله:

إذا كانوا يقولون ديمقراطية، وحرية، فلماذا لا يتركون المؤمنات في حالهن، يرتدين الحجاب، والحرية تقتضي أن الواحد يلبس كما يشاء، لكن الحرية عندهم في اتجاه واحد إلى إبليس، وإلى الكفر، وإلى جهنم، أما حرية إلى الإسلام فلا، ولذلك شنت الحملة حرمان من الدراسة، وحرمان من الوظائف، وخطر المحجبات، والإهانة للمحجبة والمخالفة المالية، ونزع الحجاب بالقوة، والضغوط النفسية، والجسدية، والمالية، وتشجيع على هدم الأخلاق، وتحطيم القيود بزعمهم، وتطوير العلاقة بين الشاب والفتاة؛ لأن الحجاب يمنع من تطوير العلاقة، وهكذا تقوم كثير من المعروضات الفضائية على هذا، ثم شن الحملة على الفنانات التائبات، والمحجبات، والطعن في أعراضهن، واتهام نياتهن، وأن المسألة ليست لوجه الله، وأن وراءها مالاً، وأغراضاً، ونحو ذلك، ثم الربط بين الحجاب والتطرف، أي وسيلة لإشاعة الفاحشة بين المسلمين، وأي وسيلة لكشف العورات، وأي وسيلة لإثارة الشهوات، بل وصل الأمر إلى تدبيج بعض الفتاوى والمقالات الضالة المنحرفة لتشجيع ذلك، حتى يقول القائل: المحجبة تظهر في سمت عفريت، وبعض الضالات تقول: إنني ضد الحجاب؛ لأن المحجبات يخفن الأطفال.

يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ولكن: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(التوبة:32)، وأحسنهم في اللفظ من قال: الحجاب ليس دليلاً على العفة، فهناك محجبات يفعلن أفعالاً مشينة، وسافرات لا يزنين، وهذا صحيح، فربما تزني محجبة، وتستعف عن الزنا سافرة، وهذا مثل ما يقال أن طالباً لم  يدرس ونجح، لكن كم النسبة، القضية تلاعب بالألفاظ، فكم نسبة وقوع الفاحشة من المحجبات، ووقوع الفاحشة من السافرات؟! كم النسبة؟! يأتون إلى الشيء العرضي، والاستثنائي، والشاذ، والذي ليس هو الأصل، فيجعلونه هو الأصل، ويُبنى عليه، وبناء عليه فلا فرق أن تظهر محجبة، أو غير محجبة، هذه سياسية الخداع بالشواذ، وكقولهم: مسلم يشرب الخمر، وكافر لا يشرب الخمر، إذن الدين ليس بمانع، هكذا يقولون، كم نسبة الكفار الذين يشربون الخمر، ونسبة المسلمين الذين يشربونه؟! تباً لعقول أولئك المنافقين.

ثم هل النظر باتجاه واحد، أي: للمرأة فقط، أم للرجل الذي يرى المرأة المتبرجة، ماذا يحصل له، وكل الشواهد تثبت أن المحجبة في الغالب محترمة، ولا تنال بسوء، وأن السافرة المتبرجة المتهتكة هي التي يمشي وراءها الشبان كالذباب الذي يقع على اللحم المكشوف، فهذه يطمع بها ما دامت تركت الحجاب، فيمكن أن ترضى بما بعده، ولذلك فالفتاة السافرة المتهتكة هي المطمع، وليست المتحجبة التي لا يرى منها شيء، وهذا واضح، لكن هؤلاء يغالطون.

عباد الله:

إن الحجاب ليس لحماية المرأة فقط، ولكن لحماية الرجل أيضاً؛ لأنه إذا صار السفور، صار هناك مجال لإطلاق أبصار الرجال، وهكذا  تثار الشهوات، وهكذا يجذب من يجذب للوقوع في الفواحش، ولما قال الله عز وجل في فرض الحجاب: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)(الأحزاب:59)، أي: أن يعرف هؤلاء بأنهن حرائر مسلمات فلا يؤذين؛ لأن حجابهن الكامل دليل على أنهنَّ حرائر مسلمات فلا يتعرضن للأذى، فهذا من الحكمة، فهو حماية المرأة، وكذلك في المقابل حماية الرجل، ألا ترى أن النهي عن إبداء الزينة ورد في مقام غض البصر، (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)(النور:30)، ثم قال: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)(النور:31)، فهنالك ارتباط واضح بين الحجاب، (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)(النور:31)، وبين غض البصر، وهذا يعين على هذا، والشريعة يكمل بعضها بعضاً، فالشريعة لا تفتح باب الشر من جهة، وتغلق باباً آخر، بل تغلق كل أبواب الشر، لا تأمر بالخير، ثم تفتح باباً للشر بضده.

حال الغرب وما هم فيه من الفساد

وإذا نظرنا إلى الغرب الذي يريدنا أن نمشي وراءه، وننزع الحجاب عن نسائنا، فما هي النتيجة؟ وهل زال الكبت الذي هو السبب في الوقوع في الفواحش، وصار هناك احترام من الذكور للإناث، ورعاية، وصيانة، وحرمات، وليس هناك حالات اغتصاب أبداً؛ لأن المرأة صارت مكشوفة، وزال حب الفضول، والاستطلاع من الرجال كما يقول المنافقون، فهذه حجتهم، فهل زالت هذه القضية، أم أن المسألة سعار جنسي، واعتداءات مستمرة، وزيادة في حالات الاغتصاب، وانتشار للحرام، وأولاد الحرام، فهناك خمسة وثلاثون مليوناً في أمريكا من الخيانات زوجية.

عباد الله:

شروط الحجاب الشرعي

المسألة واضحة جداً، لكن المنافقين لا يفقهون، هكذا قال الله عنهم، جهلة لا يعلمون، وسطحيون لا يفقهون، ولذلك ما يخرج منهم متوقع، والواجب علينا أن نتواصى بالحق، وإشاعة الحجاب الشرعي بشروطه: أن يكون واسعاً غير ضيق، وسابغاً ساتراً غير قصير، ولا يحسر عن شيء من الجسد، وأن لا يكون زينة في نفسه، وأن يكون سميكاً غير شفاف، وغير مطيب، ولا مبخر، ولا يشبه لباس الرجال، ولا الكافرات.

عباد الله:

حجابنا دين، وأوامر إلهية، ونبوية، وقضية سامية وعليا، وليست قضية هامشية شكلية كما يهون البعض من شأنه، إنها قضية كبيرة، وضخمة، وإلا ما اشتدت رماح الأعداء وسواعدهم في قذف نسائنا بذلك، ولابد من الصبر، والنصر مع الصبر، والتواصي بالحق والصبر، وأن نرغب بناتنا في الحجاب، وأن نحافظ عليه لديهن، ولابد لولي المرأة من دور، وأن يقوم بما أمر الله به، إنها أمانتك، إنها عرضك، إنها مسئوليتك، ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))[5].

عباد الله:

إن انتشار العباءات المطرزة، المزركشة، المزخرفة التي لا تصلح أن تسمى عباءة أصلاً، فهي فستان أسود، عليه أنواع من الزينات؛ هذا ليس بحجاب شرعي أبداً، ولو صار هو العام في السوق، والشائع في المحلات، والمتداول، والمستورد، والذي تصنعه مصانع غربية وشرقية، أين الحجاب الإسلامي الذي يريده الله حتى لا تعرف، ولا يلفت الأنظار؟

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العفة والعفاف، والطهر، والفضيلة، والنقاء، اللهم اجعلنا من المؤمنين، واجعلنا بدينك مستمسكين، وعلى شرعك صابرين، اللهم إن نسألك العفة، والعفاف، والخوف منك يا رب العالمين، نسألك رحمتك، وأن تقينا عذابك.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، وله الحمد سبحانه وتعالى بكرة وأصيلا، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وعلى خلفائه، وأزواجه، وذريته الطيبين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أشهد أنه رسول الله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه.

عباد الله:

حرمة الأشهر الحرم

شهركم هذا شهر عظيم، هو من أشهر الحج من جهة أنه يجوز أن يعقد فيها بنية الحج، وهو شهر حرام من جهة أخرى، قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(التوبة:36)، فهي أشهر محرمة، المعصية فيها مغلظة، والإثم آكد وأبلغ، وذلك لتربية النفس على الامتناع عن الحرام حتى في غيرها، هذه الأشهر الأربعة كما قال قتادة رحمه الله: "الظلم فيها أعظم خطيئة، ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء"، ثلاث متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب الفرد.

وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، والأشهر الحُرم سميت بذلك لتحريم ابتداء القتال فيها، ولحرمة انتهاكها؛ لأن الحرام فيها أشد من غيره، قال الله تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(التوبة:36)، وجعلها الله مواقيت للعبادة، فإذا لم تكن يا عبد الله متلبساً فيها بالعبادة، فلا تكن متلبساً بالمعصية، وكان السلف يكثرون الصوم فيها.

والله تعالى رب المشرقين ورب المغربين، وهو خالق الزمان، يفضل بعضه على بعض كما يشاء، والمشرقان: مشرق الشمس في الشتاء ومشرقها في الصيف.

بعض الأحكام المتعلقة بفصل الشتاء

وهذا الشتاء قد أقبل، وهو ربيع المؤمن، ((الصوم في الشتاء الغنيمة البادرة))[6]، والشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقام، وقصر نهاره فصام.

وإسباغ الوضوء على المكاره، في وقت البرد عبادة عظيمة، قال بعض السلف: "لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله، ما باليت أن أكون يعسوباً".

وإذا نزل المطر قال: ((اللهم صيباً هنيئاً))[7] ((اللهم صيباً نافعاً))[8]، ((مطرنا بفضل الله ورحمته))[9]، ((ثنتان لا تردان الدعاء عند النداء ووقت المطر))[10]، وكان عليه الصلاة والسلام يتبرك به فيحسر عن ثوبه، ويصيب المطر من جسده ورأسه؛ ((لأنه حديث عهد بربه))[11]، ولأنه ماء مبارك، أنزله الله من السماء، وإذا خشي الضرر بكثرة النزول قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا))[12]، الحديث.

وكذلك فإن التيمم عند عدم القدرة على استعمال الماء، من تسخين ونحوه، خشية الضرر الحقيقي؛ يبيح للإنسان التيمم، والمسح على الخفين، والجوربين وهي التساخين؛ لأن كل ما سخنت به القدم فهو منها سواء كان خفاً، أو جورباً، من جلد، أو قطن، أو كتان، أو صوف، أو غير ذلك من الأنواع، بشرط: أن يلبسهما على طهارة مائية كاملة فيها غسل القدمين، وأن يكون الجوربين ساترين لمحل الفرض، ولا يضر أن يوجد فيهما ثقوب صغيرة، وأن يمسح في المدة المحددة، وهي أربع وعشرين ساعة، من أول مسح بعد الحدث، فإذا لبس الجورب بعد صلاة الظهر على طهارة كاملة، ثم أحدث في العصر فتوضأ ومسح على الجورب، فمن هنا تبدأ الأربع والعشرين ساعة، وإذا أصابته جنابة فلابد أن ينزع، وأن يغتسل، وإذا نزع الخف أو الجورب فلا ينتقض وضوؤه بمجرد خلع الممسوح عليه، ولكن لا يستطيع أن يلبسه مرة أخرى ليمسح ما دام قد نزعه أو أكثره.

هناك مطر جاءت الشريعة بإباحة الجمع فيه، وهو المطر الذي يبل الأرض والثياب، وهناك أذية في الذهاب إلى المسجد فيه، ولذلك يجوز الجمع بين الصلاتين بلا قصر، ما دام المطر مستمراً في النزول.

عباد الله:

إن الله أمرنا بتعلم ما أنزل، والفقه في دينه، وأخبر أنه أراد خيراً بمن تفقه في الدين.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا مما فقه أمره ونهيه، وأن يجعلنا من الوقّافين عند حدوده، وأن يجعلنا من المستمسكين بشرعه، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم اجعل هذا البلد آمناً، وارزقنا من الثمرات، اللهم اجعلنا من الشاكرين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء فامكر به، واجعل كيده في نحره، اللهم من أراد أن يخل بأمننا وبأمن المسلمين فرد كيده في نحره، واجعله عبرة للمعتبرين، اللهم إنا نسألك أن تطهر قلوبنا، وتحصن فروجنا، اللهم إنا نسألك حب الخيرات، وترك المنكرات، اللهم نسألك الأمن في الأوطان والدور، والتوفيق لولاة الأمور، وأن تغفر لنا يا عزيز يا غفور.

إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

[1] رواه الترمذي (1173). وصححه الألباني في صحيح الجامع (6690).

[2] رواه الترمذي (1651). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3747).

[3] رواه ابن ماجه (4181). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2149).

[4] رواه مسلم (2128).

[5] رواه البخاري (893) ومسلم (1829).

[6] رواه أحمد  (18480) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3868).

[7] رواه أبو داود (5099) وصححه الألباني في صحيح الكلم الطيب (156).

[8] رواه البخاري (1032).

[9] رواه البخاري (846) ومسلم (71).

[10] رواه أبو داود (2540) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2290).

[11] رواه مسلم (898).

[12] رواه البخاري (933).

محمد صالح المنجد

أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.

  • 7
  • 1
  • 29,404

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً