هل يكره الأبناء آباءهم؟!

منذ 2015-01-20

عاطفة الحبِّ: التي تغرس المحبَّة، والانسجام، وتقبُّل الآخر، وهذه العاطفة هي التي تُنمِّي الشُّعور بالحبِّ بين النَّاس، وتجعلهم يقبَلون الحياة، ويقتنِعون بقيمتها، وبكلِّ ما يُقوِّي الوُدَّ، والتَّقارب بينهم.

قد يبدو السُّؤال غريباً، ولكن!! للأسف هذه هي الحقيقة المُرَّة، وهي موجودة في مجتمعنا، وفي المجتمع السُّعودي بشكل بارز، وقد نقف على الكثير، من مثل هذه الحالات، التي يسيء فيها الأبناء التَّصرُّف مع آبائهم، أو التَّعامل معهم، بسلوك يَنُمُّ عن حقد، أو كراهية، وما من إنسان في هذا الكون؛ إلا وتتجاذبه عاطفتان قوِّيتان:

عاطفة الحبِّ: التي تغرس المحبَّة، والانسجام، وتقبُّل الآخر، وهذه العاطفة هي التي تُنمِّي الشُّعور بالحبِّ بين النَّاس، وتجعلهم يقبَلون الحياة، ويقتنِعون بقيمتها، وبكلِّ ما يُقوِّي الوُدَّ، والتَّقارب بينهم.

عاطفة النُّفور: تزرع الشُّعور بالكراهية بين النَّاس، وتجعلهم لا يتقبلون بعضهم البعض، ولا يرتاحون لوجودهم، ولا يطمئنون لحضورهم، ولذلك، فالعدوان، والسُّلوكيَّات العنيفة، والتَّصرف القاسي الصَّادر عن بعض النَّاس، يكون أصله نابعاً من عاطفة النُّفور.

هاتان العاطفتان، تتواجدان عند كلِّ النَّاس، فكلُّنا نُحبُّ أشياء، ونكره أخرى، نُحبُّ أناساً، ونكره آخرين، حتَّى وإن لم تكن الأسباب واضحة.

الكراهية: كلمةٌ بغيضةٌ على نفوسنا جميعاً، وربَّما ارتبطت باليهود، والأعداء، والسَّفَّاحين المجرمين، ولكن!! هل تخيَّلت يومًا أنَّها قد تخرج من أقرب النَّاس إليك؟! فلذة كبدك، يقولها بكلِّ تحرُّقٍ، ولوعةٍ وكمدٍ، وربَّما تمنَّى موتك. لماذا؟.

إنَّ لكلِّ مرحلة من مراحل الحياة خصوصيَّاتها الخاصَّة بها، من التَّكوين العقليِّ، والجسديِّ، والأمراض الجسميَّة، والمشاكل النَّفسيَّة، والممارسات السُّلوكيَّة، فلكلٍّ من مرحلة الطُّفولة، ومرحلة ما قبل المُراهقة، ومرحلة المراهقة، وكذا الكهولة والشَّيخوخة خصوصيَّاتها، والفرد يحمل معه في كلِّ مرحلة، بعضاً من آثار المرحلة السَّابقة، التي كثيراً ما تكون أساساً للمرحلة اللاحقة، ولعلَّ المشاكل التي تنشأ في مرحلة الشَّباب، والمراهقة هي من أخطر المشاكل، وأكثرها أهميَّة.

فلو فكَّرنا قليلاً في الشَّخص المؤثِّر جداً، على كلِّ مرحلة، لوجدنا الوالدين هما الأساس في ذلك، وقد يقع أيَّاً منهما في أخطاء، لعدم فهمهما الصَّحيح لمفهوم التَّربية الصَّحيحة، تنعكس سلباً على الأبناء، ولعلَّ من أبرزها: القسوة والنَّبْذ، أي أنَّ التَّربية القاسية، تؤدي إلى كراهية الأبناء للآباء، والشُّعور بالذَّنب، وتوليد الرَّغبة في الانتقام، في نفس الطِّفل.

لا يدرك العديد من الآباء، كيفيَّة التَّعامل مع أبنائهم منذ الصِّغر، ولا يعرفون أنَّ العلاقة بينهم، يجب أن يسودها الحبُّ، والوفاق، والتَّسامح، وليس السَّيطرة، وإلقاء الأوامر، فيعنِّفون الطِّفل منذ صغره، يتشاجران معه، ويطردانه من المنزل، أو يتركانه لتتولَّى تربيته الخادمة، والشَّارع، وأصدقاء السُّوء، ثم يتعجَّبان لتصرُّفاته العدوانيَّة، وغير المبالية!! لذا، يتردّد السُّؤال: ما هي الأسباب التي تدفع الأبناء إلى العقوق؟.

الأسباب كثيرة، يمكن حصرها في الآتي:

1- البيئة المنزلية بشكل عام، ونقص الدِّفء والحنان في المنزل، بصفة خاصَّة.

2- يلعب التَّفكُّك الأسريُّ، والخلافات، وزواج أحد الوالدين، دوراً في تغيُّر سلوك الأبناء، وخصوصاً إذا كانت الخلافات تحدث أمامهم، وبصفة مستمرَّة.

3- العلاقات السَّطحية بين الوالدين، داخل المنزل، تنشئ نماذج سلبيَّة من الأبناء.

4- من أكثر الأساليب التَّربوية الخاطئة انتشاراً في مجتمعنا، هو عدم التدرُّج في التَّعامل مع أبنائنا. فعلى الآباء الانتقال من أسلوب إلى آخر، بمرونة، وتأنٍ، ومثابرة.

5- من الخطأ اعتماد أسلوب تربوي واحد، مع جميع الأبناء، خصوصاً في عقابهم، فلكلِّ طفل ردَّة فعل مختلفة، إذ قد يكتفي أحدهم بتجاهل التَّصرُّف الخاطئ، ولكن!! قد تكون نظرة العتاب رادعة للبعض الآخر.  

تكفي اللَّبيب إشارةٌ مرموزةٌ *** وسواه يدعى بالنِّداء العالِ 

وسواهما بالزَّجرِ قبل العصا *** والعصا هي رابعُ الأحوالِ

6- إنَّ عدم المساواة بين الأطفال، هو الأسلوب التَّربوي الذي نهى عن الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، حين قال: ((اعدلوا بين أبنائكم))، وكرّرها ثلاثاً، لذا، يجب ألا يتمَّ تفضيل أحد الأبناء، في تقديم الطَّعام، أو الملبس، أو حتَّى إظهار العاطفة، أو الحنان، علماً أنَّ أول بذور الحسد، والحقد بين الأبناء، تتكوَّن نتيجة هذه السِّياسة التَّربوية الخاطئة.

7- إنَّ تأنيب الولد وتحقيره أمام الآخرين، وبصفة مستمرَّة، خلال مراحل عمره، بدون مراعاة لنضوجه، ونمو شخصيته، لا يمكن أن يؤدِّي إلى النَّتائج المرجوَّة، علماً أنَّ هذا أسلوبٌ تربويٌّ خاطئٌ، ويجب ألا نلجأ إليه، في أي حال من الأحوال.

8- يسيء بعض الآباء استعمال مبدأي الثواب والعقاب، فيلجؤون دائماً إلى العقاب، ويهملون الثَّواب، فنجدهم ينهرون الطِّفل، ويسارعون إلى عقابه، حتَّى لو أمام جمهور من النَّاس، بحجة أنَّهم يخجلون من تصرّفاته المشينة، ولكن!! بالمقابل لا يفتخرون بتصرُّفاته الحسنة، علماً أنَّه من غير الممكن أن يكون الطِّفل سيّئاً في جميع الحالات؛ لذا علينا مكافأة الطِّفل على تصرُّفاته الحسنة، وعدم اللجوء إلى العقاب إلا عند الضَّرورة.

9- إنَّ لجوء الآباء إلى وسيلة التَّعنيف الجسدي"الضرب" لتقويم كل خطأ يقترفه الطفل، يترسَّخ في ذهنه مدى الحياة، ويُحفَر في ذاكرته.

10- السِّباب، واستخدام الشَّتائم في مناداة ومعاملة أولادنا، مع عدم الاهتمام بهم، وترك مسؤوليَّة تربيتهم إلى الخادمة! فيتعزَّز لدى الطِّفل الشُّعور أنَّه ليس بحاجة إلى والديه، وأنَّه بإمكانه العيش بدونهما.

ختاماً أقول: الكثير من المؤسسات، والدِّراسات، تناولت قضية اليُتْم، وآثارها السَّلبيَّة، وكيفيَّة معالجة الشُّعور بالحرمان لدى اليتيم، وملايين من أبنائنا اليوم أيتامٌ، برغم وجود آبائهم، على قيد الحياة، وقد صدق الشَّاعر حين قال:

ليس اليتيم من انتهى أبواه *** في هذه الحياة وخلَّفاه ذليلاً

إنَّ اليتيمَ من الذي تلقى له *** أمًا تخلت أو أبًا مشغولاً

أخي في الله، ابنك إنسان مثلك، نبتة صغيرة، تضع بذْرتها بيديك، ترويها بصبرٍ، وحبٍّ، وحنانٍ، يخفق قلبك وأنت تراها تنمو، إن مالت قوِّمْها برفق، ضع لها ما يساندها حتَّى تكبر، حتَّى إذا ما أينعت، انقلها بأمان إلى واحة أكبر، لتكون شجرة كبيرة تظلُّك، وتسعدُك مدى حياتك.

أولادُنا صفحاتٌ بيضاء، نحن من يكتبُ فيها، فانتبه لما تكتب، فسيسألك الله عنه.

هناك أزمة كبيرة في البيوت الآن، تسمَّى: أزمة فقدان لغة الحوار بين أفراد الأسرة جميعاً، من الآباء والأمهات مروراً بالأولاد، يكاد لا يكون هناك أي حوار بين أفراد الأسرة، وعندما نسمع حواراً بين الوالدين، وبين الأبناء، يكون عبارة عن أمر ونهي، ونقد من قبل الوالدين، وغضب وصوت مرتفع باستمرار من قبل الأبناء، فلا أحد يستمع للآخر، وكلُّ طرف يعتقد أنَّه على صواب، وأما الطَّرف الآخر؛ فهو على خطأ.

وإذا سألت الوالدين، أين الخطأ؟ يكون الردُّ: أكيد الخطأ في الأبناء؛ لأنَّهم لا يسمعون ما نقول، ولا ينفذون ما نطلبه منهم، وعندما نوجه نفس السُّؤال إلى الأبناء، يكون الردُّ: الخطأ في الوالدين، فنحن لا نجد من يستمع لنا، ولا أحد يفهمنا، ولا أحد يدرك مشاعرنا، أو يقدر تفكيرنا، واحتياجاتنا.

فهيا بنا أيُّها الآباء والأمهات نعود للغة الحوار، والإقناع داخل الأسرة، ففي القرآن الكثير الكثير من المواقف الحواريَّة، فلماذا لا ننشأ دائماً حواراً مع أبنائنا؟.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.


سعد عثمان

  • 0
  • 0
  • 3,238

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً