تمرد الحوثي في اليمن وأبعاد التحالف الشيعي الأمريكي في المنطقة! (1)

منذ 2015-01-22

عاش العالم الإسلامي عقب سقوط الخلافة الإسلامية تحت ظلال الدول القومية والوطنية (المشكلة وفق رسم قوى الاستعمار في حينه)! ولم يكن من الممكن تفتيته في ذلك العهد إلى أجزاء أصغر نظرا لوجود شعور لدى عامة المسلمين (أو العرب) بضرورة الوحدة، ذلك المعنى الذي غرسه الإسلام في قلوبهم منذ 14 قرنا! إلا أن العمل ظل جاريا على أساس تفكيك البنية الداخلية لكل دولة من هذه الدول، تارة على أساس ديني أو مذهبي وتارة على أساس عرقي وتارة على أساس حزبي أو مصلحي!

مقدمة:

عاش العالم الإسلامي عقب سقوط الخلافة الإسلامية تحت ظلال الدول القومية والوطنية (المشكلة وفق رسم قوى الاستعمار في حينه)! ولم يكن من الممكن تفتيته في ذلك العهد إلى أجزاء أصغر نظرا لوجود شعور لدى عامة المسلمين (أو العرب) بضرورة الوحدة، ذلك المعنى الذي غرسه الإسلام في قلوبهم منذ 14 قرنا! إلا أن العمل ظل جاريا على أساس تفكيك البنية الداخلية لكل دولة من هذه الدول، تارة على أساس ديني أو مذهبي وتارة على أساس عرقي وتارة على أساس حزبي أو مصلحي! وقد أظهرت "الديمقراطية" العالم العربي والإسلامي على أنه لوحة من الفسيفساء المجزأة إلى وحدات صغيرة جدا! ففي دولة كاليمن مثلاً، وعقب التحول إلى الوحدة، تم الإعلان عن أكثر من 60 حزباً وتنظيماً سياسياً! الأمر الذي يعني غياب منطق الوحدة والاجتماع وقيام المجتمع على أساس الفرقة والتصارع والشقاق!

إن هذه الحال التي وصل إليها عالمنا العربي والإسلامي دفعت به مع ظروف الأطماع الخارجية إلى حالة مخاض صعبة، ليست في حقيقتها إلا نتائج طبيعية لسير حركة التاريخ المعاصر، وقد تتولد عن هذا المخاض الذي تتعجله قوى الاستعمار- دول مفروزة بحسب الانتماءات الطائفية أو العرقية أو العشائرية! لأن المزيد من تمزيق المنطقة يسهل قدوم المستعمر الذي سيدافع عن هذه "المحميات"! ويراعي ترتيب العلاقات فيما بينها! فالمرحلة باختصار مرحلة "ملوك الطوائف".. ولعل هذا ما يراد باليمن.. كما سيأتي معنا!

الزيدية*.. وإقامة دولة الإمام*:

نشأت "الزيدية" كفرقة مستقلة عن الشيعة باتخاذها زيد بن علي بن زين العابدين (من نسل الحسن بن علي -رضي الله عنه-) إماماً لها، بعد أن تخلى مجموع الشيعة الآخرين عنه لترضيه عن الشيخين (أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-) فأطلق عليهم الإمام زيد مسمى "الرافضة".

وقد خالف "الزيدية" "الرافضة" في اشتراطهم الخروج لصحة الإمامة، وهي من المسائل التي تلقفها الإمام زيد عن المعتزلة، الذين يرون بوجوب الخروج بالسيف على الحاكم الظالم، وترفض "الزيدية" مبدأ "التقية" الذي يأخذ به "الرافضة". بل يذكر أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - تعالى-: "أن الزيدية بأجمعها ترى السيف والعرض على أئمة الجور وإزالة الظلم وإقامة الحق".

ومن هذا المنطلق قامت للزيدية عدة ثورات، لكنها أخفقت جميعا، ولم ينجح منها غير اثنتين فقط: إحداهما في بلاد الديلم*، والأخرى في اليمن، حيث أسس يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي*، والمعروف بالإمام الهادي، في القرن الثالث الهجري أول دولة لـ"الزيدية" في اليمن. ومن هنا عرفت دولة "الزيدية" في اليمن بـ"الهادوية" نسبة إلى الإمام الهادي.

"ويفيدنا العلامة الهَادي بن إبراهيم الوزير (ت822هـ) في كتابه المخطوط "هداية الراغبين" أن انتساب الزيدية إلى زيد بن علي؛ "لقولهم بإمامته واعتقادهم فضله وزعامته؛ ولأن مذهبهم أن الإمامة فيمن قال بإمامة زيد بن علي، واعتقد فضله فهو (زيدي)، وإن لم يلتزم مَذْهَبه في الفروع، فإنَّ كثيراً من الزَّيْديَّة على رأي غيره في المسائل الاجتهادية والمسائل النظرية. وكان من تقدم من الأئمة ينتسبون إلى زيد بن علي مع أنهم كانوا في العلم مثله في الاجتهاد، ويُخَالفُونَه في كثير من المسائل كالقاسم (بن إبراهيم وحفيده)، الهادي (يحيى بن الحسين وابنه)، الناصر وأمثالهم من الأئمة الكبار السابقين"، ويضيف مؤكداً: "وإنما انتسبوا إليه لأنهم قالوا بصحة إمَامته".

وقد أخذت "الزيدية" عن "المعتزلة" -أو اتفقت- معها في بعض الأصول، وكان الإمام الهادي فيها وفي علم الكلام يوافق الكثير من آراء شيخه أبي القاسم البلخي الكعبي (المعتزلي)، أمَّا في الفروع فقد استقل باجتهاداته التي وردت في مجموع رسائله وإجاباته الفقهية القليلة بما فيها كتابه "النخب"، وكتابه "جوامع الأحكام" الذي لم يكمله.

إذن فقد تأثر المذهب الزيدي في فكره السياسي بفرقتين هما: المعتزلة الداعية إلى الخروج على أئمة الجور والظلم بالسيف، والشيعة التي تشترط الفاطمية للإمامة (بغض النظر عن الخلاف فيما بين فرقها). ولأن أئمة آل البيت تميزوا بالعلم والفقه فقد التصق إلى جانب القاعدتين السابقتين مذهبا فقهيا داخليا لأتباع هذا المذهب.. وبذلك برزت "الزيدية" كفرقة مستقلة فكريا وسياسيا*.

أصول الإمامة عند الزيدية*:

تنبني الإمامة عند الزيدية على خمسة قواعد هي:

1- جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل: وهذا القول لدى الزيدية ليس قاعدة عامة، وإلا سقط مبرر الخروج لديهم، وإنما قال به الإمام زيد لتبرير شرعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عن الجميع)، ولإسقاط دعوى الطاعنين فيهم؛ لذا فأئمة الزيدية -بعد الإمام زيد- يقولون بوجوب إمامة الفاضل.

2- أن يكون الإمام من أولاد فاطمة، أي دون من هو علوي! أو قرشي!

3- القول بعدم عصمة الأئمة، وهذا على خلاف الشيعة الإثنى عشرية.

4- شروط الخروج في صحة الإمامة: كما ذهب إليه الإمام زيد، فلم يقل بالتقية. لذلك ترى الزيدية أن الإمام من ولد الحسن والحسين من قام منهم شاهرا سيفه ناصبا دابته وداعيا إلى كتاب ربه وسنة نبيه وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، حينها تجب على الأمة طاعته؛ وتذكر المصادر مناظرة طريفة جرت بين زيد بن علي وأخيه محمد الباقر حول مبدأ الخروج الذي يراه زيد شرطا لصحة الإمامة، ولا يرى به الباقر، فقال الباقر لأخيه زيد: "على قضية مذهبك والدك ليس بإمام فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج"!!

5- جواز خروج إمامين في وقت واحد ووجوب طاعتهما: جوزت الزيدية خروج إمامين في وقت واحد في قطرين مختلفين، وذهبت إلى أن طاعة كل منهما واجبة على قومه، ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي الآخر كان كل واحد منهما مصيباً.. وإن أفتى باستحلال دم الآخر، وقد تهكم الشهرستاني على هذا الرأي بقوله: "وهذا خبط عظيم".

ورفض بعض الزيدية القول بقيام إمامين في وقت واحد، وذهبوا إلى ضرورة أن يكون الإمام واحداً في كل زمان.

سقوط دولة "الزيدية" في اليمن:

استمر بقاء دولة "الزيدية" في اليمن قرابة 11 قرنا، عاشت خلالها فترات اتساع شملت مناطق عديدة من اليمن، وفترات انكماش تضيق فيه الدولة إلى حدود انطلاقتها في صعدة. كما أنها شهدت صراعا داخليا بين الأئمة، وصراعا خارجيا مع دولة الخلافة أو دويلات أخرى مجاورة! ولم تنعم دولة الأئمة بفترة استقرار طويلة بل كانت منهكة بالحروب الداخلية والخارجية!

وقد كان لطبيعة نشأة دولة الزيدية في اليمن وطبيعة ظروف الصراعات والحروب التي خاضتها أثر سلبي على المذهب الزيدي، الذي انغلق على اجتهادات أئمة المذهب وكرس وفق رؤيته السياسية عزلته عن العالم المحيط به، وظل الفكر السياسي للزيدية حجر عثرة إزاء الإصلاح السياسي والتلاحم الاجتماعي والتوحد مع الخلافة، مما أثار عليه موجات الانتقاد الداخلية والخارجية!

وفي حين اجتاحت العالم رؤى سياسية مختلفة ومتعددة (في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين) لم يكن اليمنيون، وبالأخص منهم من عاش خارج اليمن أو زار دولا أجنبية، بمعزل عن تلقف هذه الرؤى والاطلاع عليها والتأثر بها؛ وبالتالي تشكل جيل مطالب بالإصلاح وناقد للأوضاع السياسية بالدرجة الأولى، وقوبلت المطالبة بالعناد والتعنت والبطش أحيانا كثيرة، ومثل ذلك منعطفا باتجاه المحاولات الجادة للتغيير عبر محاولات للانقلاب والاغتيال.

وبرغم تباين التيارات الداعية للإصلاح والتغيير، والتي أسقطت حكم الأئمة الزيدية -عقب عدة محاولات- في عام 1962م، إلا أنها اتفقت على قضية واحدة هي إسقاط "الحكم الإمامي"؛ وبالفعل استطاعت تحقيق هدفها بفعل دعم خارجي ومساندة داخلية، وأعلن عن قيام نظام جمهوري في 26 من سبتمبر 1962م، وفقدت "الزيدية" كمذهب دولة "الإمام" بل أصبحت مصنفة ضمن تيارات "الرجعية" الممتهنة وقوى "الملكية" المتهمة!!

ورغم محاولات الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين استعادة ملكه ووقوف عدد من القبائل في صفه، ووقوع مواجهات دامية مع الجمهوريين؛ إلا أنه لم يقع على أتباع المذهب الزيدي بعد غلبة الجمهوريين أي اضطهاد ديني أو طائفي يذكر، بل إن عددا كبيرا من قيادات النظام الجمهوري -لاحقا- هم بالأساس من المنتسبين أو المحسوبين على المذهب "الزيدي"!

لكن الثوار استعاضوا في مناهج التعليم الدينية بكتب وأراء الأئمة المجتهدين (من المذهب الزيدي) كالشوكاني والصنعاني إضافة إلى مناهج استقدمت من مصر والسعودية باعتبارهما مركز إشعاع علمي، وهي في عمومها خالية من مبادئ الإمامة المنصوص عليها لدى (الشيعة والزيدية)! وكان لوجود حركة "الإخوان المسلمون" المحسوبة على السنة أثر في تشكيل هذه المناهج ووضع مقرراتها، وبالتالي كان لها الفضل في نشر السنة في عموم اليمن.

ومع هذا ظل المذهب الزيدي مذهبا فكريا وفقهيا لقطاع عريض من الناس، ولم تشهد الفترة التالية للثورة (وعقب فشل حصار صنعاء عام 1967م) أي محاولة عسكرية لإعادة الإمامة إلى الحكم، وظل نشاط الزيدية مقتصرا على التعليم والدعوة في إطار ضيق نتيجة الانفتاح الذي حدث والانتكاسة التي وقعت للمذهب.

إلا أن البعض يتحدث خلال فترة الثمانينات عن تواصل بين إيران ومرجعيات زيدية في اليمن، وأن هذا التواصل أخذ بعدا فكريا وتنظيميا وتمويليا، وقد ساعد عامل النقمة لدى أتباع المذهب الزيدي على المذهب "الوهابي" الذي اخترق اليمن! (وهو أمر لا تزال تكرسه صحف الأحزاب الشيعية كالأمة والبلاغ والشورى، ويغذى به أتباع المذهب!) إضافة إلى نجاح الثورة الإيرانية ومحاولاتها الجادة في تصدير الثورة إلى المنطقة.

وقد بدأت جهود التواصل الإثنى عشري مع الزيدية في اليمن تؤتي ثمارها المرة في التسعينيات، حيث شهدت اليمن أنشطة ملموسة للرافضة؛ منها:

- وجود بعض المنتسبين لحزب الدعوة الشيعي في المستشفيات والمدراس والجامعات والحوزات التابعة للشيعة وبعض المشاريع والأعمال الوظيفية.

- المكتبات التي تبيع كتب الرافضة بأثمان رخيصة، أو توزعها مجاناً، وكذلك التسجيلات!

- نشر نكاح المتعة في أوساط المدارس والجامعات بين الشباب والشابات.

- نشر أفكار التشيع في صعدة وصنعاء وعمران وذمار وحجة والمحويت والجوف.

- إقامة المجالس الحسينية ومجالس العزاء، وإحياء شعائر الشيعة!

- المنح الدراسية التي تستقطب أبناء المذهب الزيدي وغيرهم- من الجنسين إلى إيران ولبنان!

- مشاركة مكاتب إيرانية ولبنانية شيعية في معارض الكتاب السنوية، لكنها منعت بعد وقوع تمرد الحوثي في 2004م من الدخول مرة أخرى!

- نشاطات السفارة الإيرانية الثقافية والاجتماعية في أوساط المجتمع وبين الأسر "الهاشمية"! تحديدا!

"أحزاب الله".. في اليمن:

يتوزع اليمنيون على عدة طوائف وفرق أهمها وأكبرها "الشافعية" وتشمل الغالبية العظمى من اليمنيين السنة، و"الزيدية" وتشمل معظم سكان المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي سابقا. وفي دراسة عن (النخبة السياسية الحاكمة في اليمن: 1978-1990م) ظهر أن مشاركة "السادة" -أو ما يعرف بـ"الهاشميين"- في السلطة بلغ نسبة 11%!! على الرغم من "عهد طويل من حكم السادة عانى فيها اليمن من ويلات الظلم والتفرقة والاستبداد والعنصرية والفقر"*، إلا "أن بعض الأسر من هذه الفئة شاركت في التحضير لقيام الثورة اليمنية والحفاظ عليها، مما منحها فرص المشاركة في قيادة البلاد وبتلك النسبة"*.

ومع قيام الوحدة وإعلان الديمقراطية عام 1990م أعلن عن أكثر من 60 حزبا سياسيا، كان منها: حزب الثورة الإسلامية، حزب الحق، حزب الله، اتحاد القوى الشعبية اليمنية؛ وهي جميعا أحزاب شيعية توارت عن الساحة ولم يبق منها غير اثنان هما: حزب الحق، واتحاد القوى الشعبية اليمنية.

و"حزب الحق" حزب زيدي مذهبي، يصنف ضمن الأحزاب الطائفية ذات الصبغة الإسلامية، وينضوي تحته أفراد من التيار الشيعي والزيدي معاً، يتزعمه القاضي أحمد الشامي. وقد أعلن الحزب عن برامجه وأهدافه باعتبارها منبثقة من الإسلام؛ ومع ذلك فهو من التنظيمات السياسية الهامشية غير المؤثرة في الساحة، فلا وزن له في العملية الانتخابية وليس له قبول في الأوساط الشعبية.

فقد حصل الحزب على (18. 659) صوتا أي (0. 8%) من إجمالي الأصوات في انتخابات 1993م، وفاز اثنان فقط (من 65 مرشحا للحزب) بعضوية مجلس النواب عن محافظة صعدة. أما في انتخابات 1997م فقد تدنت حصيلة الأصوات التي حصل عليها مرشحو الحزب الـ(26) حيث بلغت 5. 587 صوتا أي ما نسبته (0. 21%)!! في حين لم يصل أي واحد منهم إلى قبة البرلمان! وفي 2003م رشح الحزب 11 عضوا للانتخابات لم يفز منهم أحد!

ويلاحظ على الحزب أن مواقفه في كثير من القضايا لا تتفق مع الرأي العام في الساحة اليمنية، وأقرب مثال على ذلك مساندته للحزب الاشتراكي في أزمة 1993م!

أما "اتحاد القوى الشعبية" فهو تنظيم قديم ظهر في بداية قيام الجمهورية العربية اليمنية، بهدف الدفاع عنها، ورغم قيادته الزيدية والمنتسبة لآل البيت إلا أنه حزب تقدمي، يجمع بين الشعارات الإسلامية والأطروحات التحررية؛ ويرأسه إبراهيم بن علي الوزير وأمينه العام محمد عبد الرحمن الرباعي.

وهو كسابقه حزب فاقد للشعبية، فقد حصل الحزب على (2. 727) صوتا أي (0. 2%) من إجمالي الأصوات في انتخابات 1993م، ولم يفز أي من مرشحيه الـ26 بعضوية مجلس النواب. وفي عام 1997م قاطع الانتخابات، أما في عام 2003م رشح الحزب 15 عضواً للانتخابات لم يفز منهم أحد!

يصدر عن حزب "الحق" صحيفة "الأمة" الأسبوعية، وهي صحيفة تتغطى بالمذهب الزيدي في حين أن أغلب الكتابات مشبعة بعقائد الرافضة (الإثنى عشرية)، كما أنها تثني على إيران والثورة الإيرانية وزعامات ومرجعيات الشيعة في قم والنجف! وكثيرا من الكتاب الذين يتناولون القضايا الشرعية -بزعمهم- هم من الدارسين في الحوزات العلمية بتلك البلدان!

ومن الصحف المعبرة عن الحزب وإن كانت ليست باسمه، صحيفة "البلاغ" الأسبوعية، وهي كسابقتها في الشأن وإن كانت تضيف إلى ذلك توجهها البارز في مهاجمة التيار "السلفي" "الوهابي" "التكفيري"... إلى آخر ما هنالك من الألقاب، وتتبع بؤر المشاكل بين اليمن والسعودية لتضفي على الخلافات السياسية نوعا من البعد والتأثير المذهبي!!

وتصنف الصحيفتان بأنهما معارضتان وناقمتان في الوقت ذاته على الحكم القائم، في حين أنهما يبديان تعاطفا غير مبرر تجاه "الحزب الاشتراكي اليمني" رغم بعده عن مبادئ وفكر المذهب الزيدي!

نشأة تنظيم "الشباب المؤمن":

لقد دفع التنافس بين شركاء تأسيس الوحدة "المؤتمر الشعبي العام" و"الحزب الاشتراكي اليمني" خلال المرحلة الانتقالية للوحدة (1990م 1993م) إلى بحث كل منهما عن حلفاء لصالح كسب العملية الانتخابية وإضعاف قدرات الآخر، وفيما رأى المؤتمر في الحركة الإسلامية حليفا قديما وعريضا يمكن توظيف خطابه الديني وخبرته في مواجهة الاشتراكية فكريا وعسكريا وتنظيميا، رأى الحزب الاشتراكي في أتباع المذهب الزيدي، الناقمين على النظام الجمهوري وسيطرة ما يصفه أتباع المذهب بـ"الوهابية" على التعليم واكتساحهم للساحة، حليفا ناقما على الأوضاع وراغبا في إعادة مجد الإمامة!

وبالفعل توجه كل من الحزبين لمساندة ودعم حليفه الآخر في سبيل إضعاف خصمه، ومن هنا وجد الشيعة أنفسهم في حلف مصيري مع الاشتراكيين الذين لم يبخلوا عليهم في تلك الفترة بالدعم؛ لذلك وقف حزب "الحق" و"اتحاد القوى الشعبية"، (والحوثي باعتباره من حزب الحق ومن رجالات المذهب الزيدي)، مع الاشتراكي في انتخابات عام 1993م وحرب 1994م.

ويعود إنشاء تنظيم "الشباب المؤمن" إلى عام 1991م، بإيعاز من العلامة بدر الدين الحوثي بهدف جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائه! وبالتالي دعم حزب "الحق" باعتباره يمثل المذهب الزيدي!

و"بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، من كبار علماء الشيعة، جارودي المذهب، يرفض الترضية على الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وكذلك لا يترضى على أم المؤمنين عائشة بنت الصديق. هاجم الصحيحين والسنن في كثير من مؤلفاته، واتهم الإمام البخاري ومسلم بالتقول والكذب على رسول الله إرضاءً للسلاطين؛ ومنه ورث ابنه حسين هذا المذهب، وسار عليه أنصارهم وأتباعهم"*!

وتشير المعلومات إلى أن بدر الدين الحوثي تقدم في عام 1996م باستقالة جماعية مع أبنائه، معلناً انتهاء أي علاقة له بحزب الحق، على خلفية خلاف بينه وبين العلامة والمرجع المذهبي مجد الدين المؤيدي! وقد كان للمؤتمر الشعبي العام دور مهم في هذه الاستقالة بغية تجريد الاشتراكي من حلفائه!

ويبدو أن الخلاف استند إلى بعدين:

الأول: منهجي، يتمثل في القضايا الفكرية والمذهبية، التي عبرت عنها دروس ومحاضرات حسين الحوثي المكتوبة والمتداولة، والتي يعترض فيها على المذهب الزيدي وعلمائه المعاصرين، معلنا عن ميوله لأقوال الشيعة الرافضة من سب الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين - رضي الله عن الجميع، والقول بعصمة الأئمة وعودة المهدي! والضحك من كتب السنة ورجالها وعلماء الحديث!

الثاني: تنظيمي، يتمثل في سيطرة قيادة حزب "الحق" على الأنشطة والأعمال بصورة تقليدية كما يراها حسين بدر الدين الحوثي و"الشباب المؤمن".

وتفرغ بدر الدين الحوثي وأبنائه للقيام على تنظيم "الشباب المؤمن"، الذي استمر في ممارسة نشاطه وتمكن من استقطاب الشباب (وغالبيتهم ينتمون للأسر الهاشمية وللمذهب الزيدي)، والقبائل والوجاهات الاجتماعية في صعدة، وقد تلقى حسين بدر الدين الحوثي مخصصات مالية شهرية حكومية بعد استقالته بالتنظيم استقلالاً كاملاً عام 2000م هدفاً ومنهجاً وفكراً، وفي مقابلة للرئيس اليمني (في 3/7/2004م) أشار إلى أنه قدم دعما مالياً للشباب المؤمن بحجة حمايتهم من الارتباط بدعم خارجي بناء على "طلب من بعض الإخوان"، دون أن يذكر أسماءهم. وكان دعم تنظيم "الشباب المؤمن" محاولة لإضعاف الخصم السياسي للمؤتمر الشعبي العام، ألا وهو التجمع اليمني للإصلاح!

وبدأ حسين الحوثي بتوسيع نشاطه خارج منطقة صعدة، ليؤسس مراكز مماثلة لمركزه في عدة محافظات، وأرسل إليها بعض طلبته المقربين مع مجموعة من الأساتذة العراقيين الذي توافدوا على اليمن بعد حرب الخليج الثانية والحصار الجائر الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق.

وقد شملت أنشطة "الشباب المؤمن" التنظيمية عددا من المحافظات منها صنعاء وصعدة وعمران وحجة وذمار والمحويت، وتمت عبر المساجد والمراكز الخاصة التي أنشئت لتدريس المذهب الزيدي وفق رؤية الحوثي!

وعمل تنظيم "الشباب المؤمن" على إحياء مناسبة "يوم الغدير" في محافظة صعدة، بمظاهر تحولت إلى تجمع للقبائل الموالية للحوثي واستعراض للقوة وعرض لأنواع وفيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وإطلاق النار بكثافة في نبرة تحد واضحة، كما أن إحياء المناسبة في محافظات أخرى لم يكن بمعزل عن الحوثي وفكره ودعوته.

كما عمل تنظيم "الشباب المؤمن" على إقامة المنتديات الصيفية في أكثر من منطقة، وكان بدر الدين يضفي عليها الشرعية المذهبية، ويبارك جهودها، ويحث القبائل على تسجيل أبنائهم فيها. وكان الشباب وأغلبهم من صغار السن يشاهدون في هذه المنتديات أفلام الفيديو التي تحكي كيف تم سقوط نظام الشاه في إيران، وكيف قامت ثورة الخميني، وتظهر صور الممثلين وهم يواجهون زحف الدبابات، ولا ينحنون برؤوسهم أمام كثافة النيران، وتصيب أحدهم الرصاصة فينزف دماً وهو يهتف: "الله أكبر، الموت لأمريكا"، وتظهر بعض الصور وشباب الثورة قد ربطوا أرجلهم لكي لا يفروا أمام زحف جيوش الشاة! وكان عبد الكريم جدبان -أو غيره- يقوم بالتعليق أحياناً على هذه الأشرطة، ويحث الشباب في المنتديات على التشبه بإخوانهم شباب الثورة الخمينية، والوقوف في وجوه الطغاة! *

ويدندن أتباع "الشباب المؤمن" عموما حول:

- الشعارات المعادية -بزعمهم- لأمريكا و إسرائيل! وذلك عقب صلوات الجمعة، بما في ذلك ترديد الشعار في الجامع الكبير بصنعاء.

- الحديث حول فلسطين وجرائم اليهود!

- إثارة ما يؤلب الناس على الدولة بالحديث عن الأسعار والغلاء المعيشي والفساد المالي وفساد بعض المسئولين وأكل حقوق الضعفاء والمساكين!

- إحياء الأوجاع التي وقعت في التاريخ الإسلامي وطوتها الأيام، لإثارة النعرات الطائفية تحت شعار "آل البيت" ونصرتهم!

- إبراز مظاهر القوة والتحدي في مناسباتهم واحتفالاتهم المذهبية، كعيد الغدير ويوم عاشوراء!

- إثارة المخاوف الطائفية ممن يصفونهم بـ"الوهابية" و"السلفية".. !

حسين الحوثي والتمرد الأول:

حسين الحوثي ينتمي إلى أسرة هاشمية يرجع نسبها إلى الحسين بن علي بن أبي طالب؛ أما والده فهو العلامة بدر الدين الحوثي من أبرز علماء ومرجعيات المذهب الزيدي في اليمن.

تلقى تعليمه في المعاهد العلمية من الابتدائية وحتى الثانوية، كما تلقى المذهب الزيدي على يد والده وعلماء المذهب في صعدة، وتفيد بعض المصادر بأنه أتم تعليمه الجامعي وحصل على الماجستير والدكتوراه خارج اليمن!

كان عضواً في مجلس النواب عن دائرة مران بصعدة من العام 1993م- 1997م، وتفرغ عقب خروجه من مجلس النواب لنشر أفكاره ومعتقداته من خلال الدروس والمحاضرات والخروج الدعوي إلى المناطق، وقيادة تنظيم "الشباب المؤمن" وتشكيل فروع له، وإنشاء حوزات ومساجد تابعة له.

وبدأت تتجلى ظاهرة حسين الحوثي فيما يطرحه من المسائل والآراء، فظهر تطاوله وتهجمه على علماء الزيدية، وآراء المذهب وكتبه! معتبراً نفسه مصلحاً ومجدداً لعلوم المذهب وتعاليمه! وتجاوز الأمر إلى حد السخرية من كتب الحديث والأصول وإظهار شتم الصحابة وأمهات المؤمنين (رضي الله عن الجميع)، وهو ما دفع علماء "الزيدية" لإصدار بيان نشرته صحيفة "الأمة" الناطقة باسم حزب "الحق"!

وهو متأثر بعقائد الرافضة وميال إلى مذهبهم الإثنى عشري، ويثني كثيرا في محاضراته التي أصبحت تباع كملازم- على الثورة الإيرانية والإمام الخميني والمرجعيات الشيعية في النجف وقم!

وقد جاء في ديباجة "بيان علماء الزيدية"، الذي توجه بالخطاب إلى "كافة أبناء المذهب الزيدي وغيرهم من أبناء الأمة الإسلامية"، ما يلي:

"استجابة لأمر الله في قوله جل جلاله: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) ولقوله - تعالى -: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)، ولقوله - عليه الصلاة والسلام -: (( من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا))، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا ظهرت البدع ولم يظهر العالم علمه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))، ولما ظهر في الملازم التي يقوم بنشرها وتوزيعها حسين بدر الدين وأتباعه، والتي يصرح فيها بالتحذير من قراءة كتب أئمة العترة، وكتب علماء الأمة عموما، وعلى وجه الخصوص كتب أصول الدين وأصول الفقه"؛ ثم أورد شواهد مما ورد فيها!

وعقَّب البيان بالقول: "وغير ذلك من الأقوال التي تصرح بتضليل أئمة أهل البيت من لدن أمير المؤمنين علي - عليه السلام - ومرورا بأئمة أهل البيت، وإلى عصرنا هذا، والتي يتهجم فيها على علماء الإسلام عموما، وعلى علماء الزيدية خصوصا، وفيما يذكره من الأقوال المبطنة من الضلالات التي تنافي الآيات القرآنية الواردة بالثناء على أهل البيت المطهرين، وتنافي حديث الثقلين المتواتر، وحديث "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين"، فمن أثنى عليه الله ورسوله لا يكون ضالا، بل الضال من خالف الله ورسوله وإجماع الأمة.

فبناء على ما تقدم رأى علماء الزيدية التالية أسماؤهم، التحذير من ضلالات المذكور وأتباعه، وعدم الاغترار بأقواله وأفعاله التي لا تمت إلى أهل البيت وإلى المذهب الزيدي بصلة، وأنه لا يجوز الإصغاء إلى تلك البدع والضلالات ولا التأييد لها، ولا الرضا بها، (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، وهذا براءة للذمة، وتخلص أمام الله من واجب التبليغ".

وقد وقع على البيان كل من: "حمود عباس المؤيد -مفتي الجمهورية، أحمد الشامي -أمين عام الحزب الحق، محمد محمد المنصور، صلاح بن أحمد فليته، حسن محمد زيد، إسماعيل عبد الكريم شرف الدين، محمد علي العجري، حسن أحمد أبو علي، محمد حسن الحمزي، محمد حسن عبد الله الهادي"*.

لقد أظهر حسين الحوثي تأييده وتأثره بـ"حزب الله" الشيعي اللبناني، وربما رفع أعلامه في بعض المراكز، كما عمد إلى رفع شعار: "الله أكبر.. الموت لإسرائيل، الموت لأمريكا، النصر للإسلام" دافعا بشباب التنظيم وأتباعه لترديده عقب صلاة الجمعة في العديد من المناطق، بما في ذلك جوامع صنعاء والجامع الكبير بها.

وقد استطاع من خلال دعم الدولة وأتباع المذهب ودعم جهات خارجية من ضمنها إيران وشخصيات ومؤسسات شيعية في المنطقة من إقامة عشرات المراكز العلمية (المسماة بالحوزات) في صعدة وعمران ومأرب والجوف وحجة وذمار.. وصنعاء، وكان لهذه المراكز نشاط ملموس في إقامة المخيمات الصيفية والندوات والمحاضرات والدروس، ونشر العديد من "الملازم" والكتب التي تروج لفكره وتحرض أتباع المذهب الزيدي على اقتناء الأسلحة والذخيرة تحسباً لمواجهة الأعداء من الأمريكيين واليهود، واقتطاع نسبة من الزكاة لصالح المدافعين عن شرف الإسلام والمذهب!!

وبرغم ضيق الحكومة من تصرفاته إلا أنها لم توقف دعمها المالي عنه، وحاولت في مقابل ذلك إقناعه بالعدول عن توجهاته وأفكاره كونها تثير الفتنة المذهبية والطائفية والسلالية وتعد خروجاً على الدستور والقانون؛ وأوفدت عدة وسطاء من علماء المذهب الزيدي وبعض الشخصيات الهاشمية وعلماء دين ومشائخ قبائل لإقناعه بالعدول عما هو عليه؛ لكنه لم يأبه بالأمر واستمر في الدفع بشبابه (الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15-25 عاماً) لإظهار ثقله الديني والسياسي بالتظاهر في معظم المساجد وعقب صلوات الجمعة وترديد شعاراتهم ضد إسرائيل وأمريكا، وقد بلغ الأمر في إحدى المظاهرات بسقوط قتلى أثناء مسيرة نظمها التنظيم باتجاه السفارة الأمريكية إبان الحرب على العراق، في 2003م.

وبدأ الصدام بين الدولة وأتباع الحوثي يأخذ طابع الاعتقال، وإغلاق المحلات من مكتبات وتسجيلات شيعية، في حين بدأ حسين الحوثي في التحصن في جبال مران حيث مسقط رأسه ومعقد الولاء المذهبي له، فأقام تحصينات إنشائية وزود أتباعه بالسلاح والذخيرة، وبدأ بالتعبئة ضد أي عدوان أمريكي أو إسرائيلي! وأحاط نفسه بإجراءات أمنية صارمة؛ وبدا الأمر وكأنه استعداد لخوض مواجهة عسكرية مؤكدة وليست محتملة!

ذكر رئيس الجمهورية في حديثه لصحيفة "السفير" اللبنانية، في 19/8/2004م، أن الحوثي تمرد على الدولة، وأنه لم يتجاوب في التواصل مع السلطة، ولم يستجب لمطالب الدولة في معرفة الأنشطة التي يقوم بها في المنطقة. وكان رفضه إلى جانب المعلومات المتوفرة لدى القيادة السياسية سببا في إيجاد قناعة بأن عنده شيئا يخفيه! وأن هناك خطورة منه إن لم تكن اليوم فربما في المستقبل! وأضاف بأن السلطة عملت على متابعة الحوار معه لإقناعه مدة سنة ونصف تقريبا ليسلم نفسه مع إعطائه الأمان! لكن دون جدوى!

كانت ملاحظات الدولة تجاه الحوثي تتمثل في: قيام ميليشيات، وتحصينات دفاعية، واقتناء أسلحة، وتوزيع أموال! ونتيجة لعدم تجاوبه، اتخذ القرار بفرض حصار عليه وتطويقه لكي يسلم نفسه! وعندما بدأ التطويق قام بالعدوان المسلح على الجيش والأمن! وبالتالي فرض عليهم القتال بالرغم من أنه لم يكن هناك قرار بالقتال! على حسب شهادة الرئيس!

في هذه الأثناء كانت الوساطات مستمرة لكنها فشلت في إقناعه بتسليم نفسه! وعندها فيما يبدو- شعرت الدولة بخروج الأمر عن السيطرة، وبوجود مؤامرة مدبرة من حليف الأمس! ففرضت قوات الأمن والجيش طوقاً على المنطقة وحاصرتها، وبدأت في المواجهة مع أتباع الحوثي المتحصنين في 18 يونيو! بعد أن تعرضت لاعتداءات متكررة! وبدأ الحديث إعلاميا عن ادعاء الحوثي "الإمامة"، وقيل "المهدية"، وقيل "النبوة"، من قبل صحف المؤتمر ووسائل الإعلام الرسمية التي كالت عليه أوصاف التمرد والخروج على الشرعية!

وفي التقرير الأمني الذي قدمه وزير الداخلية اليمني اللواء رشاد العليمي إلى أعضاء مجلس النواب، ذكر فيه بأن الحوثي قام بتوزيع كتاب بعنوان "عصر الظهور" لمؤلفه علي الكوراني العاملي! والذي أشار إلى ظهور ثورة إسلامية ممهدة لظهور المهدي، وأن اسم قائدها اليماني (حسن أو حسين)، وأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق، وأن "اليماني" يخرج من قرية يقال لها "كرعة" وهي قرية في منطقة بني خولان قرب صعدة.

ثم يذكر التقرير نفسه أن الأجهزة الأمنية ضبطت مع بعض أتباع الحوثي من أبناء صعدة وثيقة مبايعة الحوثي على أنه الإمام والمهدي المنتظر! *

وقد اختار الحوثي (الأب)، ومن قبله الابن، مناطق مديرية حيدان في مران والرازمات ووادي نشور وشافعة منطلقا لعملياتهم ضد الحكومة نظرا لما تتميز به تلك المناطق من تضاريس وعرة يصعب على القوات البرية الوصول إليها، كما يصعب على القوات الجوية اختراق تحصيناتها.

فمحافظة صعدة -التي تقع في شمال اليمن وتبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 204 كم- منطقة مرتفعة ذات جبال وعرة، وهي منطقة حدودية مع المملكة العربية السعودية، وأغلبية سكانها ينتمون للمذهب الزيدي الهادوي، وفيها نشاط واسع ومتغلغل للإثنى عشرية منذ الثمانينات.

إذن فقد ساهمت عدة عوامل لتكون صعدة هي منطلق حركة التمرد:

- وعورة المنطقة وصعوبة تضاريسها.

- النشاط الإثنى عشري الذي استطاع اختراق أتباع المذهب الهادوي في صعدة.

- تعاون القبائل المنتمية للمذهب الزيدي والمتأثرة بأفكار الحوثي معه.

- توفر السلاح بكميات كبيرة لدى هذه القبائل، ووجود أسواق لها في المنطقة.

- توفر الدعم المالي بشكل كبير الأمر الذي وفر القدرة والإمكانيات لمواجهة الدولة!!

- التعاون الاستخباراتي الذي تقوم بها بعض الجهات والشخصيات المحسوبة على الدولة والمؤتمر لصالح المتمردين.

- دافع الثأر من قبل القبائل تجاه أبنائهم الذين سقطوا في المواجهات الأولى العام الماضي (2004م)؛ علما بأن طابع هذه القبائل الشراسة والحمية! وهذا في شأن التمرد الثاني الذي يقوده الحوثي (الأب)!

وللعلم فلم يكن الحوثي (الأب) في معزل عن المواجهات الأولى، برغم عدم ظهوره فيها، فقد كان يبارك كل جهود ابنه ويصفه بـ"المصلح الكبير" و"المجدد للمذهب الزيدي"!

وفي حين عززت الدولة قواتها العسكرية وحشدت إمكانياتها لحسم المعركة، وقفت القبائل إلى جانب حسين الحوثي ومن معه، وهو ما حدا بالدولة لاستنفار قبائل المنطقة ضده. كما أنها قامت بتدابير أمنية مختلفة للتضييق على حركة التمرد وتبعاتها، منها:

- القبض على عدد من الأشخاص الذين يروجون للحوثي من قضاة وصحفيين وخطباء مساجد من مختلف المناطق المتعاطفة، وتقديم بعضهم للمحاكمة.

- إغلاق المكتبات الشيعية الزيدية، ومنع المكتبات الشيعية اللبنانية والإيرانية واليمنية من المشاركة في معرض الكتاب بصنعاء، ومصادرة بعض كتب الشيعة الإثنى عشرية.

- إغلاق المعاهد والحوزات التابعة للحوثي والموالية لتنظيم "الشباب المؤمن".

- اعتقال أعداد كبيرة من الذين تجندوا للحاق بحركة تمرد الحوثي!

- الحملة الإعلامية التي استندت إلى بعد عقائدي وفكري ووطني.. ! ويبدو أن إعلام المؤتمر الشعبي العام والإعلام الرسمي لم يدر المواجهة مع الحوثي وأتباعه بشكل سليم، فقد وقع في عدة أخطاء ساعدت المتمردين والأحزاب المعارضة والتيار الزيدي بشكل أخص في استغلال ما يكتب على بعض الصحف المؤتمرية، كصحيفة "الميثاق" الناطقة باسم الحزب الحاكم، للتأكيد على أن أبعاد الحرب الدائرة أبعاد طائفية وفكرية! وربما ساعدهم في ذلك كتابات بعض الجهلة في هذه الصحف ربما بقصد منهم وربما بغير قصد، لأن احتمال وجود مندسين في المؤتمر ليؤكدوا على البعد السلالي والطائفي في المواجهات كبير جدا، وهو أمر قد يغفل عنه المؤتمريون في ظل غياب منطق العقل واعتماد القوة وخطاب التهم والسخرية!! - في تأجيج مشاعر أتباعهم وشحنهم بدوافع الكراهية والانتقام! كتناول مسألة الهاشمية وسلالة "آل البيت"!

إن طبيعة الدور الذي مارسه حسين الحوثي، قبل تطور الأحداث إلى مستوى المواجهات مع الدولة، يدل على نوايا فعلية في إظهار الحركة كقوة سياسية مستقلة، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان؛ خاصة بعد فشل حزب "الحق" وحزب "اتحاد القوى الشعبية" من لعب دور سياسي أو حركي بالمستوى الذي يأمل فيه حسين الحوثي!

فاستقطاب الآلاف من الشباب والرجال، وإنشاء العديد من المؤسسات التعليمية "المتعصبة"، ومظاهر إبراز القوة، وشراء مختلف أنواع الأسلحة وإنشاء التحصينات في مناطق مختلفة من صعدة- معقل الحركة، والتزود بالمؤن -التي ظهرت طيلة أيام المواجهات، والاحتياطات الأمنية التي أحاط نفسه وقيادة تنظيم "الشباب المؤمن" بها، والتواصل بجهات خارجية، ورفع شعارات ذات بعد دولي والدخول في مواجهات مع قوى الأمن الداخلي لأجلها! تدل جميعها على جاهزية عسكرية وأمنية لا تناسب طبيعة تنظيم "الشباب المؤمن" المعلن عنها!

لقد خاض حسين الحوثي حربا شرسة ضد الدولة أسقطت أكثر من 400 قتيل من الطرفين، ومئات الجرحى، وتضرر جراءها عدد من المعدات والمنشآت الحكومية! خلال ما يقرب من 3 أشهر!!

ولم يشأ الحوثي الاستسلام للدولة إلا وفق شروط ومطالب خاصة، ليس من أبرزها سحب الدولة لقواتها من المنطقة والإفراج غير المشروط لأتباع التنظيم!! إلى آخر ما هنالك من المطالب! لكنه لم يستطع تحقيق آماله حيث استطاعت الدولة القضاء عليه في 10 سبتمبر 2004م، هو وعدد من أتباعه.. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد!

الخلفيات والملابسات:

لظهور حركة الحوثي في اليمن خلفيات تاريخية وواقعية وأبعاد داخلية وخارجية وعوامل دينية وأخرى سياسية شكلت في مجموعها ظروفا محيطة أثرت في الدفع للمواجهة المسلحة، فمن ذلك:

- الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها معظم الشعب اليمني، والتي بلغت إلى مستوى "تحت خط الفقر"، وشملت 75% من الشعب اليمني، مع حالة الفساد العام والظلم وغياب القوانين.. وهذه الظروف دأبت الصحف اليمنية المعارضة -بما فيها صحف التيار الزيدي- على إثارتها بشكل يستفز المواطنين ويدفع باتجاه الشحن العاطفي والعنف السلوكي!

- انتشار المذهب السني بصورة باتت تهدد وجود المذهب "الزيدي" على المدى البعيد، حيث تحولت الكثير من المناطق المحسوبة على المذهب "الزيدي" إلى السنة! كما أن حزبا سياسيا كالإصلاح أصبح يمثل ثاني أكبر قوة سياسية في البلد (وفق نتائج الانتخابات المتهمة في بلداننا العربية!) بخلاف الأحزاب المحسوبة على المذهب "الزيدي" التي لم تحقق نجاحا يذكر في الانتخابات! وهذا ما حدا بأتباع المذهب "الزيدي" لاتهام الدولة (بل الثورة اليمنية!) بمحاربة المذهب "الزيدي" لحساب ما يصفونه بالمذهب "الوهابي"! وتصنيف الاثنين في خانة العداء للزيدية!

لقد وصف يحيى الحوثي في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط"، في 17/4/2005م، تنظيم "الشباب المؤمن" بأنها حركة ثقافية لمواجهة ما وصفه بـالمد "السلفي" الذي "هاجمنا في بيوتنا باليمن وكان مصدره جماعات التكفير" على حد تعبيره. *

- تغلغل ما يعرف بـ"الهاشميين" في مفاصل السلطة وأجهزة الدولة ومواقع التأثير في الحزب الحاكم فتح المجال للتفكير في إعادة السلطة للهاشميين، لذلك جاءت انتقادات صحيفة "الشورى" المحسوبة على الزيدية في مسألة توريث الحكم للعقيد أحمد علي عبدالله صالح أشد لهجة من أي صحيفة أخرى!

ويشير البعض هنا إلى تلك التصريحات الأمنية التي تتناقلها صحيفة "الثورة" و"26 سبتمبر" و"أخبار اليوم" حول وجود علاقة بين حسين الحوثي وقيادات تنظيم "الشباب المؤمن" من جهة وشخصيات في الدولة والحكومة والمؤتمر الشعبي العام من جهة أخرى كدليل على أبعاد المؤامرة التي تدور رحاها في صعدة!

وتتولى صحيفة "أخبار اليوم" و"الشموع" الحديث عن شبكة من الشخصيات والعلاقات والخطط الرامية لتأجيج الصراع بين الرئيس اليمني والتجمع اليمني للإصلاح باعتباره أكبر القوى السنية في اليمن وأقدمها تحالفا معه، وذلك فيما يبدو- لعزل الرئيس وتجريده من الحلفاء، وهو ما دفع بالرئيس للإشادة بموقف التجمع اليمني للإصلاح (ويبدو أنه لعب دورا استخباراتيا من منطلق التحالف الذي يؤكده الإصلاح مع الرئيس دون المؤتمر الشعبي العام)!!

- وليس بصحيح ما يدعيه أتباع الحوثي والمؤيدين له من أن الدافع وراء محاربة الدولة لهم هو تبني شعار "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. النصر للإسلام"!! فالحوثي وأتباعه لم يمثلوا في أي يوم من الأيام أي تهديد للوجود الأجنبي، بل ولا تحتل الولايات المتحدة الأمريكية في أدبياتهم مكان الصدارة في العداوة والبغضاء بقدر ما يحتله السنة! كما أن الأسلحة والتحركات التي يقوم بها الحوثي لا تمثل أي تهديد للمصالح الأمريكية بقدر ما كانت استعراضا لقوة المذهب التي غابت في الميدان السياسي والثقافي والاجتماعي!

ثم إن استهلاك هذه الأسلحة والدخول بها في صراع دموي مع الدولة لا يخدم الشعار المعلن بأي وجه من الوجوه، خاصة وأن الحوثي وأتباعه لا يتفقون مع تنظيم القاعدة في مواجهته لأمريكا!! كما أن صعدة ظلت طوال السنوات الماضية بعيدة عن أعمال العنف التي تطال الأجانب في اليمن، على خلاف محافظات أخرى مثل مأرب والجوف وصنعاء وحضرموت وعدن!

- إيران.. والتغلغل الرافضي في اليمن:

صرح الرئيس علي عبد الله صالح في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة المستقبل اللبنانية في 8/7/2004م، قائلاً: (نحن نتهم جهات خارجية لكن لا نستطيع أن نشير بأصابع الاتهام لأي دولة أو حزب)، وأضاف قائلا: (لقد وجدت مع الحوثي وأتباعه بعض الكتب والمطبوعات الفاخرة التي طبعت في بيروت عن الشيعة والإثنى عشرية؛ هذه هي بعض المؤشرات التي حصلنا عليها ولكن يجري التحري في شأنها)!

لقد تبنت إيران -ومنذ قيام ما عرف بـ"الثورة الإسلامية"- مبدأ تصدير الثورة الشيعية إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي، وإذا كان العراق مثل سدا منيعا ضد التوسع الشيعي في منطقة الخليج.. فإن نظام إيران لم يتخل عن تواصله بالأقليات الشيعية في الخليج والجزيرة عموما، بل سعى جاهدا إلى تصدير الفكر الشيعي إلى دول أخرى. وقد شكلت الأرضية المذهبية (الهادوية) في اليمن محضنا خصبا لهذا التغلغل الشيعي خاصة بعد حرب الخليج الثانية وتدمير العراق، وبذلت الدبلوماسية والسفارة الإيرانية في صنعاء جهدا مكثفا لاستقطاب أتباع المذهب الزيدي منذ عام 1990م، حيث توجهت الأنظار إلى اليمن كلاعب إقليمي ناشئ ومؤثر. وهذا ما كان يحذر منه علامة اليمن ومحدثها الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، فقد كان يردد - رحمه الله - المقولة المشهورة: "ءإتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضيا كبير"!

إن الإعلان عن "حزب الله" في عام 1990م، وتشكيل تنظيم "الشباب المؤمن" ورفع شعارات الثورة الإيرانية و"حزب الله" في لبنان.. بل رفع علميهما، والتوجه إلى نقد المذهب الزيدي وتمرير عقائد الرافضة كسب الصحابة، وإقامة الحسينيات، والاحتفال بيوم غدير "خم"، وافتتاح العديد من المحلات التجارية والمكتبات والتسجيلات ذات المسميات الشيعية: الغدير، خم، كربلاء، الحسين، النجف وغيرها! وتعليق لافتات قماشية سوداء كتبت عليها عبارات وهتافات جعفرية مثل "ياحسيناه، ياعلياه، من كنت مولاه فعلي مولاه، لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق".. إلخ، وتوزيع وبيع أشرطة وكتب وكتيبات ذات مضامين شيعية إثنى عشرية، ونشرات بمسميات "العترة" و"آل البيت" و"الحسين" و"المهدي".. وغيرها، ونشر صور رموز شيعية كالخميني والصدر والسيستاني ورفسنجاني وحسن نصرالله ومقتدى الصدر وغيرهم...

جميعها مؤشرات على توجيه أياد خارجية ووجود صلات عقائدية وفكرية ودعم غير طبيعي لتنظيم "الشباب المؤمن" وحركة التمرد التي قادها الحوثي (الاب) ويقودها حاليا الحوثي (الأبن)!

لقد تردد في أوساط أتباع حسين الحوثي المقولة بأنه هو اليماني الذي رمزت إليه الآثار التي تضمنها كتاب المدعو علي الكوراني وهو مرجع وباحث شيعي من لبنان- "عصر الظهور"، وهو ما أعطى حركة حسين الحوثي بعدا شيعيا إثنى عشريا!

وقد لفت هذا الكتاب اهتمام صحيفة "الثورة" الرسمية، والتي نشرت مقطعا من الكتاب، في إطار تحليلها للبعد العقائدي لحركة التمرد الشيعية!

بل أصبح الكتاب محط اهتمام المتابعين للأحداث نظرا لوجود الخلفية المسبقة لتمرد الحوثي بتواصله مع إيران ولبنان! وقد ذهب البعض إلى أن المؤلف الشيعي علي الكوراني يمثل المرجع الأول لحركة التمرد التي قادها حسين الحوثي وتنظيم "الشباب المؤمن"؛ رغم نفيه لصلته بالموضوع وتشكيكه بأن يكون الحوثي هو المقصود في الآثار!

لقد أكد طارق الشامي -الناطق الرسمي في المؤتمر الشعبي الحاكم- في اتصال مع قناة "الجزيرة" أن التمرد جاء في "إطار مخطط كان معدا له أولا من حيث إدخال مذهب جديد هو الإثنى عشرية والترويج له داخل المجتمع اليمني، وثانيا ما تم الاعتراف به على لسان الحوثي بوجود علاقة مع بعض المنظمات والحوزات الشيعية وزيارته لبعض الدول العربية وإيران".

إضافة إلى ذلك فإن لجوء العديد من شيعة العراق إلى اليمن تحت غطاء التدريس سهل من تغذية الروابط كما يبدو بين التيارين- وقد أشارت صحيفة "أخبار اليوم" المحسوبة على السلطة وصحيفة "الأيام" المستقلة، بحسب مصادر أمنية، إلى وجود مقاتلين عراقيين في صفوف أتباع الحوثي، واكتشاف جثث لهم، واعتقال بعضهم!

وبحسب مصادر نقلت عنها صحيفة "أخبار اليوم" في عددها (413)- فإن للسفير العراقي وعناصر أخرى استقدمها معه دور مباشر في إعادة بناء التنظيمات الموالية لإيران في اليمن، في مقدمتها "الشباب المؤمن"، وأشارت المصادر للصحيفة بأن السفير استقبل خلال الفترة الماضية عناصر متورطة في تمرد الحوثي، بما فيها قيادات ناشطة ضمن مليشيات تنظيمه المسلح. بل ذكرت صحيفة "أخبار اليوم" في أحد أعدادها أن عددا من أتباع بدرالدين الحوثي الذين استسلموا أثناء المواجهات الأخيرة أكدوا قيامهم بالتدرب في معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني مع عناصر فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق بعد سقوط بغداد، وكذلك في معسكرات يتخذها الفيلق في العراق منذ منتصف العام 2003م.

وإذا كان الرئيس علي عبدالله صالح لم يتهم جهات خارجية بعينها بدعم الحوثي، فإن البعض يربط تمرد الحوثي بالتوجه الإيراني الهادف إلى تعزيز دور إيران الإقليمي من خلال دعم الأقليات الشيعية في دول الجزيرة العربية والشام، وقد سبقت الإشارة إلى وجود نشاط شيعي لحكومة طهران في اليمن عبر السفارة الإيرانية بصنعاء، كما سبقت الإشارة إلى زيارة حسين بدرالدين الحوثي ووالده إلى طهران عقب حرب الانفصال 1994م.

وتهدف إيران من ذلك إلى عدة مسائل: منها استغلال جو التصالح والتقارب الشيعي الأمريكي في المنطقة عقب أحداث 11 سبتمبر، ومنها زيادة النفوذ الشيعي في دول الجزيرة والخليج بما يخدم البعد الإستراتيجي لإيران في المنطقة، ومنها تشتيت الذهن والجهد السني على امتداد الرقعة الجغرافية، فلبنان وسوريا والسودان واليمن... إلى آخر ما هنالك من القائمة! بحيث تنصرف هذه الجهود عن العراق وخدمة التيار السني المقاوم فيه!

إيران بدورها نفت الأنباء التي تحدثت عن مساندتها للمرجع الشيعي بدرالدين الحوثي؛ وذلك على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي، الذي قال: "إن الأنباء التي تحدثت عن مساندة طهران لمجموعة الحوثي لا أساس لها من الصحة، مجرد شكوك فقط". وقد جاء هذا التصريح بعد سلسلة من الانتقادات التي حملتها الصحافة الإيرانية وبعض الرموز الدينية على السلطات لعدم إصدار أي رد فعل على الأحداث الجارية في اليمن مع أنصار الحوثي!!

غير أن البيان الذي صدر عن "الحوزة العلمية في النجف الأشرف"، بتاريخ 16/4/2005م، أظهر مدى التعاطف الذي يبديه الشيعة الإثنى عشرية لقضية تمرد حسين الحوثي على الدولة، ومحاولة تصوير الحدث على أنه "حملة مسعورة من الاعتقالات والقتل المنظم" ضد "الشيعة في اليمن سواء الزيدية منهم أو الإمامية الإثنى عشرية"، وعلى أنه "تصفية للشيعة بشكل جماعي لا سابق له في تاريخ اليمن إلا ما حصل بعد انقلاب السلال على حكم الإمامة"!

ولم يخف البيان استنكاره للحكومة اليمنية ممثلة في شخص الرئيس لتبنيه بحسب زعم البيان- "خطابا طائفيا معاديا بشكل صريح لعقائد الزيدية والأمامية، وصل إلى حد تسفيه مبدأ الإمامة الذي تقول به هذه الفرق الإسلامية، ناسيا أو متغافلا عن أن نصف شعبه على الأقل ممن يقول بتلك المقالات التي خرج يسفهها على الملأ ويطعن بقائليها ويتهمهم بالخيانة"!

وأهاب البيان "بكافة المحافل الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة العالم الإسلامي والجامعة العربية التدخل لدى الحكومة اليمنية لوقف هذا الاضطهاد الديني والقتل الجماعي الذي يمارس بحجة إخماد التمرد"، والذي "يعد اعتداءا سافرا وتعديا خطيرا على حقوق الإنسان في حرية الدين والمذهب والفكر".

إن التحالف الإيراني الأمريكي فيما يبدو- يرغب في إثارة أوضاع اليمن بما يحقق زعزعة الأمن فيها لصالح دخول قوات أجنبية تحت مبرر الحماية لأقليات عرقية أو طائفية، في وقت لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر اليمن مصدر قلق لها وترى تعامل الرئيس اليمني معها في جانب مكافحة الإرهاب ليس بالمستوى المطلوب!

وفي عددها 282 الصادر في 29 أبريل 2004م أكدت مصادر مطلعة لصحيفة "الشموع" أن إيران وضمن دعمها المادي والمعنوي لتمرد الحوثي دعت الجمهورية العربية السورية إلى الوساطة والتدخل لدى النظام لإنقاذ ما تبقى من عناصر إثنى عشرية بإجراء تسوية سياسية مع هذه القوى، وذلك بالإفراج عن المعتقلين أولاً وفتح حوزة علمية في صعدة تكون لها ارتباطاتها مع المرجعية في "قم" بإيران والنجف "بالعراق"، مقابل تخلي هذه القوى عن حمل السلاح.

ــــــــــــــــــــــــ

* يسود اعتقاد خاطئ عند عامة المسلمين بأن الزيدية هم أتباع مذهب الإمام زيد بن علي - رحمه الله - تعالى- الملتزمون بفقهه واجتهاداته، كما هو الحال مع أتباع المذاهب السنية الأربعة، والصحيح أنهم ليسوا على مذهبه في الفقه وإنما انتسبوا إليه لقولهم جميعا بإمامته، ومفارقتهم الشيعة معه في وجوب خروج الإمام والدعوة لنفسه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر! انظر كتاب: الزيدية نشأتها ومعتقداتها، للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع، ط3-2000م.

* يمكن الرجوع إلى: "الموسوعة السياسية" (3/216)؛ المؤلف الرئيسي رئيس التحرير د. عبد الوهاب الكيَّالي؛ إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية 1993م.

* (وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين؛ لكنها مالت بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول وطعنت في الصحابة طعن الإمامية، وذلك بعد ظهور الدولة البويهية، 320-447هـ، التي كانت زيدية ثم تحولت إلى شيعة غلاة)، نقلا عن: الزيدية نشأتها ومعتقداتها.

* ولد الإمام يحيى بن الحسين بالمدينة المنورة عام (245هـ) وتوفي بصعدة عام (298هـ)، وعقدت له البيعة بإمامة الزيدية عام (280هـ)، أثناء خلافة الخليفة العباسي المعتضد.

دخل إلى صعدة عام (284هـ)، وفتح صنعاء والكثير من البلاد، وحارب القرامطة والباطنية في أكثر من 73 معركة.

كان - رحمه الله تعالى -عالما فقيها زاهدا مهابا شجاعا؛ يقوم بالتفتيش على الجيش بنفسه، ويأمر القارئ من المحبوسين أن يعلم من لا يقرأ، ويتفقد الأسواق، ويقوم بأعمال الحسبة بنفسه، ويشدد في تطبيق الحدود، ويصلي بالناس الجماعة، ويجلس ما بين الصلوات ليعظهم ويعلمهم أصول دينهم، وكانوا يتحاكمون إليه في منازعتهم.

ويعتبر الإمام الهادي يحيى بن الحسين أهم شخصية في المذهب الزيدي، بعد مؤسسه الإمام زيد بن علي.

* "الموسوعة اليمنية" (4/3051-3053، 3055-3056)، إصدار مؤسسة العفيف الثقافية، الطبعة الثانية، يناير 2003م / 1423هـ.

* "الحياة السياسية والفكرية للزيدية في المشرق الإسلامي 132هـ -365هـ / 749م 975م"؛ تأليف: أحمد شوقي إبراهيم العمرجي، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى 2000م.

* راجع: (النخبة السياسية الحاكمة في اليمن: 1978-1990م)، للأستاذة/ بلقيس أحمد منصور أبو إصبع، مكتبة مدبولي، ط1-1999م؛ ص158.

* المرجع السابق: ص158.

* انظر: الحوثي (الأب) ومستقبل الغتنة المجهول، لمحمد عيظة شبية، صحيفة "الرشد" اليمنية، عدد 33 بتاريخ 25/4/2005هـ.

* انظر: الحوثي (الأب) ومستقبل الغتنة المجهول، لمحمد عيظة شبيبة، صحيفة "الرشد" اليمنية، عدد 33 بتاريخ 25/4/2005هـ.

* نشرت صحيفة 26 سبتمبر بتاريخ 28 مايو 2004م مقتطفات من البيان في سبيل توظيفه في مواجهاتها مع حسين الحوثي وأتباعه؛ وأعادت نشره في 26 يونيو 2004م.

وتصدى للبيان علماء محسوبون على المذهب الزيدي منهم محمد أحمد المصنور، وحمود عباس المؤيد، وأحمد الشامي، رافضين الربط بينه وبين ما وصفوه بـ(سفك الدماء وإزهاق الأرواح)!

* الحوثي..تساؤلات شائكة وإجابات صادمة، سعيد ثابت سعيد، خدمة قدس برس، في 11/7/2004م.

مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث

  • 3
  • 0
  • 12,203

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً