الليبراليون الخُدَّجْ ولوازم القول بأن سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة

منذ 2015-01-29

مع قناعتي التامة أن هذا التيار الخديج "التنويري أو الليبرالي" يمارس العبث بالأدلة الشريعة، والقفز عليها مرة تلو أخرى، ولكن ما حسبت أنه يصل من الفجاجة إلى حد أن يقفز على الواقع الذي نشاهده في القنوات الفضائية، وعبر الإعلام الجديد!!، فيزعم أحدهم أن الثوار الأحرار لم يخرجوا لتطبيق الشريعة!!

مع قناعتي التامة أن هذا التيار الخديج "التنويري أو الليبرالي" يمارس العبث بالأدلة الشريعة، والقفز عليها مرة تلو أخرى، ولكن ما حسبت أنه يصل من الفجاجة إلى حد أن يقفز على الواقع الذي نشاهده في القنوات الفضائية، وعبر الإعلام الجديد!!، فيزعم أحدهم أن الثوار الأحرار لم يخرجوا لتطبيق الشريعة!!

بالطبع لم يستطع ولن يستطيع أحدهم أن يقول ذلك، فمع كل النفي والتنصل، ورفع شعار المواطنة، والحرية، والعدالة؛ إلا أن الدول الغربية مارست عليهم أشد أنواع الضغط، وتركتهم تحت وابل النيران، والقتل، وناصرت المستبد، فكيف لو رفعوا شعاراً إسلامياً؟

ولكن لمِ خرجوا الجمعة؟ ولمِ خرجوا من المساجد؟ ولمِ كانت حناجرهم تزأر بالتكبير؟

لأنهم مؤمنون بالله وبرسوله، ويريدون الشريعة الإسلامية التي تكفل لهم الرحمة والعدل، والكرامة والمحاسبة، والحياة الكريمة، ومن المضحك المبكي أن يقوم هؤلاء المساكين بالاستدلال بالنصوص الشرعية للتنصل من هيمنة الشريعة!!.

فإن لم تكن ترى أن الشريعة هي المهيمنة والحاكمة والمتصرفة في الأمة فدعك منها، وولِ شطر وثن.

ويكفي أخي القارئ أن تتأمل في الصورة أعلاه، والتي نشرها موقعهم مع تلك المقالة الباهتة؛ لتنظر كيف طاشت الحرية بالشريعة، ولك أيها الأريب أن تضع مكان كلمة الشريعة القرآن، وأحاديث البخاري ومسلم وغيرها فهي الشريعة، وهي الدين؛ ثم تخيل كيف طاشت بها بل قذفتها بل هتكتها الحرية، واحر قلباه كيف يقول مسلم ذلك؟

(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)(آل عمران:8)

ولعل من أبرز لوازم هذه الفكرة الباهتة:

1. جعل الشريعة (كلام الله وكلام الرسول) أقل شأناً، وأضعف خطراً من رأي الأغلبية من الناس، "لأنه لا خير في قيم ومبادئ لا تؤمن بها الشعوب، ولا تتمثلها وتطبّقها إلا خوفاً ونفاقاً وتقيّة".

2. بل لقد نفوا الخيرية عن الشريعة إذا لم يؤمن بها الناس كما سبق نقله، هذا قولهم والله يقول: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)(المؤمنون:44)، الله يقول بعداً للأغلبية التي لم تؤمن بالشريعة التي خير فيها عند هؤلاء، لأن الأغلبية لم تؤمن بها!، وقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: ((..يأتي النبي وليس معه أحد))، فهل شريعة هذا النبي الذي بعثه الله ولم يؤمن بها أحد لا خير فيها يا مسلمين؟

ولو صدقتم بأن الخيرية المطلقة للشريعة لألزمتم بها.

3. ثم هم جعلوا مفاهيم أصلية لا يمكن التعرض لها كالحريات، والحقوق، والمساواة، والمواطنة ... إلخ، فهذه لا يمكن للأغلبية الساحقة (90%) التصويت عليها فضلاً ضدها، أما كلام الله وحديث محمد - صلى الله عليه وسلم - فيجب التصويت له بالأغلبية أو لا يطبق!!.

4. هذه المفاهيم الأصلية التي لا يمكن أن يتعرض لها عندهم تخرم سيادة الأمة المطلقة، وتهدم فكرتهم من أساسها لو كانوا يعقلون، فكيف يكون هناك سيادة مطلقة لا يمكنها إلغاء ما لا تريده؟!.

5. ثم هؤلاء الليبراليون الخُدَّجْ جعلوا كل من ثار ضد الاستبداد إنما انطلق من مفاهيم إنسانية بحتة، فجردوا الإسلام من كل معاني مقاومة الظلم، ومناكفة القهر، والقضاء على الاستبداد، وكأنه عبادة روحية محضة، فهو دروشة في زاوية، وتمتمة في ناحية، لا علاقة له بحاجات الناس الحياتية الضرورية وأولها إقامة العدل، ونبذ الظلم.

6. يلزمهم إلغاء مشروعية الجهاد في سبيل الله لأن الله قال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(الأنفال:39)، فما معنى (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ) إلا الهيمنة التامة.

7. الحكم على فعل الصحابة الكرام كعمر وعثمان - رضي الله عنهم - بالبغي والظلم لأنهم ما فتحوا بلداً إلا أقاموا حكم الشرع مع كون الفاتحين أقلية قليلة، فالأقلية قهرت الأكثرية الرافضة للشرع.

فهل فعل الصحابة جائز عندكم أم هم مستبدين؟

8. آيات القرآن الكريم تناولت وجوب تحكيم الشريعة على المستوى الفردي، وعلى مستوى الأمة، والتفريق بين المستويين هو سر العلمانية الذي على ضوئه يفهم البعض الواجبات الدينية، والشرائع الإسلامية على أنها متوجهة للقلب والضمير (الصلاة والصيام مثلاً)، أما الميدان السياسي، والدولة الحديثة - عندهم -؛ فتستمد مهامها وهويتها وواجباتها بعيداً عن الدين، اللهم في حالة مرّ هذا الدين عبر صندوق الاقتراع، فخرج من كونه واجباً دينياً إلى كونه مشروعاً سياسياً فاز بالتصويت!!

9. حصر الاستسلام للشرع بالفرد في ذاته مستدلين بالآية: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(الأحزاب:36)، وفضلاً أن هذا عبث بالقرآن فهو سقم في الفهم، فقرر هؤلاء أنه لا يجوز للفرد أن يرفض حكم الله، ولكن إذا صاروا جماعة يجوز لهم ذلك؛ أي عقل هذا وأي شيطان مريد أوحى لهم بهذا؟ وصدق الله إذ قال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الأنعام:112) ويكفي لتفنيد قولهم، ودحر شبهتهم؛ قول الله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (أي الجماعة) حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(النساء:65).

10. يلزم من كلامهم إلغاء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وقد يفرض على من نهى عن منكر عقوبة نظامية إذا رأت الأغلبية ذلك لأنه تدخل في حرية الآخرين، والله يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(التوبة:71)، والله يقول كذلك: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(الحج:41).

11. يلزم من كلامهم أن من سيادة الأمة ومن حقها نقض الشريعة الإسلامية، فمن حق كافة أفراد المجتمع الدعوة لحذف كافة المواد الدستورية الشرعية إذا أرادوا ذلك، ومن حقهم السعي لإقناع الناس بسوء الشريعة، وما يترتب على حكمها من عيوب يرونها.

12. يلزم من كلامهم أن للحاكم المنتخب قتال الأغلبية إذا قررت الانفصال السياسي، لكن لا يجوز له شرعاً قتالهم إذا قرروا تنحية الشريعة!

13. وقد يجوز عند هؤلاء الليبراليون الخُدَّجْ أن يجتمع عدد من الناس لتقنين نظام يمنع أخذ الزكاة بخلاً بأموالهم، ولا يجوز للحاكم أخذه بالنظام!

14. قد يجوز عند هؤلاء أن تفرض الأكثرية منع رفع الأذان لأن بعض الناس قد يتضايق من ذلك، وبخاصة إخوانهم في المواطنة من غير المسلمين.

15. وربما يجوز عندهم أن تمنع الأكثرية بناء المساجد، والصرف عليها؛ لأن ذلك من المال العام الذي يشترك فيه المسلم وغيره، وجعل أمره للناس فمن أراد بنى مسجداً، وتكفل بالصرف عليه.

16. يجوز للأكثرية تقنين الفواحش بالتراضي كاللواط والزنا، والدعاية لذلك أيضاً، ولو منع أب ابنته أن تزني، أو ولده؛ أن يلاط به فلابد أن يعاقب نظاماً لأنه منعه حقه الأكبر وهو الحرية.

17. بل يجوز عندهم للأكثرية تقنين رعاية الأضرحة الشركية، والآثار الوثنية؛ بدعوى أنها تجر على الأمة مليارات الدراهم، فهي مورد للمال العام، والأغلبية راضية.

18. أخيراً: هم يؤمنون بشريعة تطبق في الأمور الشخصية (صلاة، صيام،أمانة)، ولا يؤمنون حقيقة بشريعة حاكمة للأمة، وهي كأي فلسفة أو فكرة "الشريعة لها سيادتها المطلقة من حيث اعتقاد المؤمن في نفسه، ولكنها تبقى سيادة علمية معرفية إيمانية، لا يمكن أن تتجسد في الواقع إلا عبر إرادة الأمة، الأمة هي التي تمنح الشريعة السيادة الفعلية، وتجسّدها إلى واقع معاش، هي التي تحول قيمها ومبادئها إلى قوانين وتشريعات دستورية، وليس هذا خاص بالشريعة فحسب بل أي منظومة قيمية وأخلاقية وفلسفية لا يمكن أن تتجسد في الواقع إلا عبر إرادة الإنسان، وقدرته البشرية".

أسئلة يسيرة:

1. بعد أن قررتم أن الحرية فوق الشريعة فقد وسمتم ورسمتم وقررتم أن الحرية طاشت بالكتاب والسنة، ما هو موقفكم من فرقة ضمن الأمة تريد تكفير أو شتم الصحابة لأنهم يعتقدون أنهم ظلمة، هل يجوز للأقلية - إن كانت قادرة - منعهم بالقوة أو هذا من حريتهم؟

2. وإن أراد مجموعة من الشعب طباعة كتب أو صحف تعرض ما ورد من أخبار وقوع أم المؤمنين بالفاحشة - أجلها الله عن ذلك -، وستسمح لمن أراد الدفاع فهل الحرية عندكم تتسع لهم؟

3. بل لو أراد ملاحدة من الشعب العظيم وضع برامج متلفزة عن عدم وجود الله، وتفصيل قول الملاحدة ونشره فهل تمنعونهم، وكيف لكم ذلك والحرية ركن ركين عندكم؟

4. هل الحرية تتسع لمن يقيم حزباً شعاره لا إله؟

5. هل الحرية عندكم تتسع لمن يجمع كل ما قيل في رسول الله - بأبي هو وأمي - من الشتائم شعراً ونثراً، ونشره عبر حلقات صحفية أو إذاعية أو فضائية، مع إتاحة كامل الحرية لمن أراد الدفاع.

أقول وبكل ثقة: إنه يلزمكم كل هذا، ولن تجدوا عن هذا اللازم مفر ولا محيد إلا تزويق الكلام، والتمتمة والهمهمة، ودعوى أننا ظلمناكم.

وبعد هذه الكلمات اليسيرة، والتأملات العجولة، والمداخلة الخجولة؛ أختم بقول أخي الشيخ فهد بن صالح العجلان حيث قال: "إذا كان "عدم الإلزام مباشرة بالشريعة" مجرد وسيلة لتطبيق الشريعة فلا إشكال، والشريعة حق من حقوق الله "فهي من توحيده والرضا به رباً"، وحق من حقوق المسلمين الماضين والأحياء والقادمين، فأي طريق تم به استرجاع هذا الحق بلا مفاسد غالبة فهو مقبول، وحينها فتكون الحرية، وسيادة الأمة بمفهومها غير الشرعي مجرد مرحلة، وهذا ما يقوله أكثر من يتحدث في هذا الموضوع، ولا نزاع معهم"، ولكن يلزم من صنيع هذا التيار الخديج "المتردد بين التنوير والليبرالية" أن الأمر عندهم يتجاوز أن يكون مرحلياً ليصل إلى تبديل وتحريف الأصول الثابتة الشرعية، بل العبث بتأريخ الأمة، ومحادة الله في ربوبيته.


عبد الرحمن بن محمد الهرفي

  • 0
  • 0
  • 1,320

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً