كسر الأضراس والنفوس
أن ثمة أشياء لا تحتاج إلى القوة وحسب، وليس حلها يكمن في القسوة والشدة، أن هناك أمورًا تفسدها القوة والتسرع وتكسرها الغلظة ولا تقيم أبدًا اعوجاجها بشكل أبسط وأوضح؛ مش كل حاجة بالعافية لا بد أحيانًا من الهدوء والعقل والتدرج للوصول إلى المراد، وليس فقط بالقوة والعضلات.
هل خُلع لك ضرس من قبل، أو شاهدت صديقًا يجلس تحت يدي طبيب أسنان يخلع له ضرسه؟!
هل لاحظت أشياء معينة في عملية الخلع؟! ولو لك خبرة أوسع بمشاكل الأسنان، وتكررت معك عمليات الخلع فهل حدث يومًا أن كسر الطبيب ضرسك أثناء الخلع؟!
وإن كان قد حدث هذا الكسر لك أو لغيرك، فهل لاحظت غياب تلك الأشياء التي لاحظتها ابتداءً؟!
تلك الأشياء التي أقصدها هي الهدوء وثبات الأعصاب، والحركة البطيئة الرتيبة التي بها يخلع الطبيب ذلك الضرس المريض، أو في الحقيقة يجعله يخلع نفسه كما تقول القاعدة التي يعرفها أطباء الأسنان جيدًا (let the tooth extract itself) دع السِّنة تخلع نفسها، هكذا تترجم تلك الفكرة التي يتقنها طبيب الأسنان الحاذق، والتي لو غابت واعتمد الطبيب منطق القوة والقسوة والتسرع لحدث المحظور، ولكُسر الضرس.
المسألة ليست سحرًا، ولكن الفكرة بنوع من التبسيط أن تلك الحركة البطيئة الرتيبة الثابتة ستؤدي إلى توسيع الفجوة العظمية، التي يشغلها الضرس، وبالتالي سيخرج بعد دقائق من الصبر وحده، أو كأنه خرج وحده بينما لو تعجل الطبيب أو الطبيبة ودفع الضرس يمنة ويسرة وللأمام والخلف، أو شدَّه بقسوة معتمدًا على قوته العضلية لأدت ممانعة العظام القوية المحيطة بالجذور إلى كسرها..
طبعا هذا لا ينفي حقيقة أن هناك أضراسًا ستُكسر لا محالة لعوامل كثيرة، ليست كلها راجعة للطبيب ولكن بعضها يرجع لطبيعة الضرس نفسه، ودرجة إصابته بالتسوس والشكل التشريحي لجذوره وانحنائها، ووضع الضرس في الفم إلى آخر تلك العوامل التي لا داعي لأن ينشغل بها غير المتخصصين..
ولا ينفي أيضًا ضرورة وجود قدر معين من القوة أحيانًا، من دونها لن ينخلع الضرس وحده، فالمسألة كما قلت ليست سحرًا، لكن هذه القاعدة والفكرة هي في النهاية تلخص فكرة وطريقة تعامل مهمة، ربما لا يدركها كثير من الناس ممن يظنون أن الأمر (بالدراع) أو بالعضلات..
إنها تلخص أُسسا ينبغي أن تُعمم على كثير من وقائع حياة الناس، الأطباء منهم وغير الأطباء، وليعلموا حقيقة بسيطة وواضحة..
أن ثمة أشياء لا تحتاج إلى القوة وحسب، وليس حلها يكمن في القسوة والشدة، أن هناك أمورًا تفسدها القوة والتسرع وتكسرها الغلظة ولا تقيم أبدًا اعوجاجها بشكل أبسط وأوضح؛ مش كل حاجة بالعافية لا بد أحيانًا من الهدوء والعقل والتدرج للوصول إلى المراد، وليس فقط بالقوة والعضلات.
والعجيب أن كسر الأضراس ليس دائمًا مرتبطًا بالقوة البدنية كما قد يتصور البعض لأول وهلة أن القوي مفتول العضلات هو من سيهشم الضرس، بل ربما يتناسب الأمر عكسيًا مع عضلاته، صحيح (smile) رمز تعبيري، القضية ببساطة متعلقة برد الفعل العكسي..
بعض ضعيفي البنية من الأطباء والطبيبات يتعجلون تحريك الضرس؛ لعلمهم الباطن بأن هناك نقصًا في قوتهم فيؤدي ذلك إلى بعض التوتر والتسرع، ومحاولة تعويض الضعف الذي يعرفه عن نفسه، الأمر الذي سيؤدي كما سبق وبينت أن الضرس لن يخلع نفسه بتلقائية وسهولة ويسر، بل سيُتكلف خلعه بالقوة ومن ثم سينكسر..
سينكسر ليس لأن الطبيب شديد القوة، بل أحيانًا لأنه في حقيقته ضعيف يحاول تغطية ضعفه البدني، وأحيانًا ضعفه الفني والعلمي هو ما ألجأه أصلاً إلى حل البتر، نعم هذه معلومة أخرى ربما لا يعرفها كثير من الناس، خلع الأضراس هو في الحقيقة نوع من البتر، ومن لديه ضرس مخلوع يعتبر في عرف طب الأسنان فاقد لعضو من أعضائه!
فلماذا البتر؟
لماذا يطلب المريض كثيرًا أن يُخلع ضرسه؟
ولماذا يسارع بعض الأطباء أحيانًا لذلك البتر قبل استنفاذ وسائل الحفاظ على الضرس وعلاجه؟
ولماذا لم يبتر المريض إصبعه (المدوحس) حين ضايقه ولم يقطع قدمه المكسورة حين آلمته؟!
ربما لأن لديه من الأسنان الكثير "فمش فارقة" لو بترت منها عدة أسنان، وربما لأنه يسترخص، فالخلع طبعًا أرخص كثيرًا من العلاج، وربما لأن الطبيب قليل الحيلة ولا يعرف عن تقنيات العلاج التحفظي ما يكفيه لينقذ الضرس، أم أن الأمر كان يحتاج فعلاً إلى البتر؟
تلك أسئلة واحتمالات يحتاج كل منا أن يسألها لنفسه، سواء كان لديه ضرسًا مريضًا أو كان لديه كماشة تستطيع خلع ذلك الضرس المريض، أو لم يكن لديه شيء من كل ذلك، لكن لديه عقلاً يدرك الفوارق بين العلاج والبتر والكسر.. -كسر الأضراس والنفوس-.
- التصنيف: