الحجاب والتابليت

منذ 2015-02-14

بخلاف أننا شبهنا المرأة بالسلعة! وهذا أمر يعد في نظري جارحًا بعض الشيء، فقد انصرفنا أيضًا للتنازع على منطق تغطية التابليت، وعرضنا معه تشريعًا ربانيًا كالحجاب، إلى هذه الجدلية التي لا تنتهي، وبالتالي ستنهار الفكرة المرادة من المثال الأصلي في نفوس من ربطوا الدين بالعقل وحده..

منذ أيام انتشر على حسابات بعض الأفاضل مثال منقول لتقريب معنى الحجاب الشرعي إلى الأذهان، بشكل مبسط وذلك من خلال تشبيهه بغطاء الشاشة الذي نضعه على الأجهزة اللوحية –التابليت- إذا ما أردنا حمايتها من الخدوش والحفاظ عليها ضد الصدمات، بوضعها داخل (جراب) يحيط بها..

أحسب أن نية من كتب هذا المثال ومن نشره صالحة وأحمد لهم ذلك، لكنني في الحقيقة أختلف إلى حد ما مع هذه النوعية من الأمثلة، خصوصًا عند طرحها لإثبات صحة تشريع معين من خلال سياق عقلي بحت، (العقول تتفاوت) تلك حقيقة لا ينكرها أحد، وتكمن خطورة الإكثار من هذه الأمثلة في هذا التفاوت..

فببساطة قد يأتي صاحب جدل برد على منطق هذا المثال: بأن الغلاف الشفاف للشاشة لا يحميها بشكل كامل إلا من الخدوش اليسيرة، ولو أردنا حماية بشكل كامل من الكسر فعلينا تغطيتها بغطاء سميك سيحول بيننا وبين أي انتفاع بالشاشة، ويقيس ذلك على النقاب مثلاً.

أو سيخرج آخر متسائلاً: من قال أنني سأغطي التاب أصلاً، ولماذا افترضنا أن هذا هو الأصل؟!
هناك من هم حريصون جدًا في التعامل مع أجهزتهم، ولا يحبون تغطيتها ومع ذلك لا تخدش نظرًا لحرصهم في التعامل معها، وربما يكون غنيًا جدًا والمال لا يفرق معه أصلاً، وبالتالي لا يلزمه أن يحرص على جهازه ولا يأسى كثيرًا لو أصابه خدش، أو حتى تهشم عن آخره في مقابل استمتاعه بشكله الجميل الذي صنعته الشركة المنتجة، وملمسه المعدني الفاخر وخفة وزنه، وسهولة حمله، وسمكه الرفيع جدًا بدون طبقات الجراب ولصقة الشاشة..

كل هذه وغيرها قد تكون ردودًا على منطق المثال المذكور، وقد يراها البعض أكثر منطقية منه، وطبعا أستطيع الرد على الردود وأفندها بمنطق عقلي آخر، كأن أذكر الفارق بين الجراب ولاصقة الشاشة، وكيف أن لهذا مقامًا ولذاك مقام آخر، أو أن أبين تلك المقامرة والمغامرة التي يغامرها الممتنع عن تغطية جهازه، وكيف أنه مهما بلغت درجة حرصه سينكسر يوما أو سيخدش ما دام يستعمله، وأنه لن يتقي ذلك إلا لو كان قد عطل استعماله تمامًا وعزله في برج عاجي.

وربما أرد على هذا الغني الذي لا تفرق معه حالة جهازه، بأن هذه الأجهزة رخيصة في نظره ولا قيمة لها، وأنها متى خُدشت سيلقي بها عرض الحائط ويرميها جانبًا، وقد زهد فيها ليستبدل بها أخرى جديدة، فهل يرضى أن ينظر للمرأة هذه النظرة؟! هكذا سأرد على الردود، ثم يرد غيري على ردودي على الردود، ثم سأرد على ردوده على ردودي على الردود..

هل لاحظت ما حدث؟
بخلاف أننا شبهنا المرأة بالسلعة! وهذا أمر يعد في نظري جارحًا بعض الشيء، فقد انصرفنا أيضًا للتنازع على منطق تغطية التابليت، وعرضنا معه تشريعًا ربانيًا كالحجاب، إلى هذه الجدلية التي لا تنتهي، وبالتالي ستنهار الفكرة المرادة من المثال الأصلي في نفوس من ربطوا الدين بالعقل وحده..

فأين المشكلة؟
المشكلة في تقديري: الإسراف في تلك الأمثلة لدرجة تؤدي إلى ذلك الارتباط المذكور بالمثال العقلي، وكما قلت في البداية العقول تتفاوت جدًا.

إذًا ما المطلوب؟
المطلوب ببساطة ابتداءً هو ترسيخ الارتباط بالشرع نفسه، وغرس معاني الامتثال والقبول والانقياد لأمر الله، ثم إثبات أن هذا التشريع أو غيره أمر الله الذي يُفترض أنك تعبده، وتمتثل لمراده، فهل تمتثل؟

بعد ذلك لا مانع من تقريب الحكمة باستخدام الأمثلة بشرط عدم الإسراف منها، ولا الجزم بصحتها ما دامت أمثلة اجتهادية أنتجتها قريحة أذهاننا.
والله أعلم. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 1,863

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً