وحدة الصف المسلم
أزهى عهود المسلمين عندما كانت الوحدة وسيلتهم لبلوغ كل هذا المبلغ بين الأمم، وحتى في العهود الإسلامية الأولي ما كانت لتنشأ الدولة الإسلامية الأولى بهذه السرعة وتقوى بهذا العدد القليل، وتنتصر على أعدائها المنتشرين حولها في كل مكان إلا بهذا التكتل الرائع في صفوف المسلمين، والتاريخ يشهد على ذلك.
من أوائل الحكم التي تعلمناها في المدارس منذ نعومة الأظفار أن الاتحاد قوة والتفرق ضعف؛ وكانت القصة المشهورة قصة حزمة العصي التي عجز الجميع عن كسرها مجتمعة وبمجرد فكها كان من الهين تماما كسر كل عصا على حدة.
وعبقري بحق من اختار هذا المثل في القصة، فالترابط بين الإنسان وغيره من الناس يمثل سببًا ونتيجة لتحقيق فوائد جمة، فهذا الكائن الاجتماعي بفطرته يحيا حياة طبيعية سعيدة وسط المجموعة لا بمفرده، والمثل العامي يعبر عن أهمية الحياة الجماعية للإنسان بقوله (جنة بدون ناس لا تداس) أي أن المرء يكره أن تطأ قدمه مكانًا خاليًا من الناس. فالاجتماع يشبع حاجة أساسية لدى الإنسان، وهو الذي يحقق له الأمن، وهو الذي يعينه على الإنجاز. ولذا نجد أن من أسباب تقدم الغرب هو العمل من خلال روح الفريق في كل المجالات بدءًا من أبسط الاعمال وصولاً إلى قمة الهرم.
والضابط الفاعل في الإنجازات الجماعية إنما هو وحدة الهدف، فتلك شعوب رسمت لنفسها أهدافاً محددة، وسعت لتحقيقها من خلال تنفيذ خطط معينة، ولا يجمعهم في نظرنا نحن المسلمين سوى مجموعة الأهداف الدنيوية؛ أما الأهداف الأخروية فهي ساقطة من حساب الغالبية العظمى منهم.
أفلا نكون نحن أصحاب الهدف الأعلى والأسمى أولى بالحرص على تأمين الحياة الأبدية التي إن لم نسع على الإعداد لها نكون قد دمرنا الدنيا و الآخرة معاً؟!
فالفرقة التي يعيشها المسلمون اليوم جعلتهم يدورون في حلقة مفرغة لأنها تسبب لهم مزيدًا من الإحساس بالضعف؛ ومن تعمق الشعور بالانهزامية، وقلة ثقة البعض بنفسه وبعقيدته، وانجذابه نحو معتقدات الأقوى.
فرغم أن مرجعيتنا هي الأقوى والأرسخ؛ فإننا في أمس الحاجة أن نجتمع ثانية تحت راية أعظم دعوة عرفها التاريخ. حقيقة أن أعداءنا كُثُرْ؛ وكل منهم يحاول تقويض الصرح الإسلامي بما فيهم من يدَّعُون انتماءهم للإسلام، وهذا أدعى للاجتماع على مبادئ الدين الذي ارتضاه رب العالمين لإصلاح الدنيا والآخرة.
فالإسلام بثوابته الراسخة يمثل سياجاً يحمي أبناءه من الانحراف يميناً ويساراً نحو قضايا و خلافات اصْطُنِعَت من أجل إضعافهم وتشويه صورتهم وصورته.
فالإسلام رسالة ولن تُؤَدّى إلا عندما يؤمن كلٌ بدوره فيها ويكون حريصاً كل الحرص على مساندة الآخرين لأداء أدوارهم، فلا يجعل منها رسالة سلبية للناس من داخل المجتمع المسلم وخارجه؛ وهذا هو الخطر الأعظم.
وقد أمرنا الله عز وجل بالاجتماع على أمر ديننا في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103].
بل أن المسلم مأمور حتى في خلوته مع الله أثناء الصلاة أن يناجيه بصيغة الجمع فيقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6،5]
ونجد أن أزهى عهود المسلمين عندما كانت الوحدة وسيلتهم لبلوغ كل هذا المبلغ بين الأمم، وحتى في العهود الإسلامية الأولى ما كانت لتنشأ الدولة الإسلامية الأولى بهذه السرعة وتقوى بهذا العدد القليل، وتنتصر على أعدائها المنتشرين حولها في كل مكان إلا بهذا التكتل الرائع في صفوف المسلمين، والتاريخ يشهد على ذلك.
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يؤسس لهذا المبدأ بذلك التشبيه البليغ للجماعة المسلمة بقوله: «البخاري؛ برقم: [6011]) ، و (صحيح مسلم، برقم: [2586])الراوي النعمان بن بشير.
»(صحيحوعن أبي موسى الأشعري أنه قال قال صلى الله عليه وسلم: « » وشبك أصابعه (صحيح البخاري؛ رقم: [6026 ]).
وتمثل هذه القيمة في حياة المسلمين قدراً عظيما في الكم والكيف، فلا يمكن حصر الأحاديث التي تتناول علاقة المسلم بأخيه المسلم، فلا تدع ثغرة يدخل منها الشيطان فيصيبها بالفتور ناهيك عن الشقاق والفرقة.
واليوم نحن أحوج ما نكون لنبذ الخلافات إذ أن الخطر يحدق بجماعة المسلمين من كل مكان مما يستدعي مزيداً من الترابط والالتحام.
- التصنيف:
- المصدر: