(4) فضائل أعمال النبي صلى الله عليه وسلم

منذ 2015-03-07

وهل يُدرك شأو من هذه شذور من فضائله ويسير من محاسنه التي لا يُحصى لها عدد ولا يُدرك لها أمد، ولم تَكمُل في غيره فيساويه، ولا كذّب بها ضدّ يناويه.

 

فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربعة أوجه: كمال الخَلق وكمال الخُلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال.

الوجه الرابع: فضائل الأعمال:
وأمّا في فضائل أفعاله صلّى اللّه عليه وسلّم فمُختبر بثمان خصال:

الخصلة الأولى:
حسن سيرته، وصحّة سياسته في دين نقل به الأمّة عن مألوف، وصرفهم به عن معروف إلى غير معروف، فأذعنت به النّفوس طوعًا، وانقادت خوفًا وطمعًا. وحسبك بما استقرّت قواعده على الأبد حتّى انتقل عن سلف إلى خلف يزاد فيهم حلاوته، ويشتدّ فيهم جدّته، ويرونه نظامًا لإعصارٍ تنقلب صروفها، ويختلف مألوفها أن يكون لمن قام به برهانًا ولمن ارتاب به بيانًا.

 

الخصلة الثّانية:
أن جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع حتّى اجتمع الفريقان على نصرته، وقاموا بحقوق دعوته رغبًا في عاجل وآجل، ورهبًا من زائل ونازل، لاختلاف الشّيم والطّباع في الانقياد الّذي لا ينتظم بأحدهما، ولا يستديم إلّا بهما، فلذلك صار الدّين بهما مستقرًّا، والصّلاح بهما مستمرًّا.

 

الخصلة الثّالثة:
أنّه عدَل فيما شرعه من الدّين عن الغلوّ والتّقصير إلى التّوسّط، وخير الأمور أوساطها، وليس لما جاوز العدل حظّ من رشد، ولا نصيب من سداد.

 

الخصلة الرّابعة:
أنّه لم يمل بأصحابه إلى الدّنيا ولا إلى رفضها، وأمدّهم فيها بالاعتدال، وقال: «خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه». وهذا صحيح؛ لأنّ الانقطاع إلى أحدهما اختلال، والجمع بينهما اعتدال. وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «نعم المطيّة الدّنيا فارتحلوها تبلّغكم الآخرة»، وإنّما كان كذلك لأنّ منها يتزوّد لآخرته. ويستكثر فيهما من طاعته وأنّه لا يخلو تاركها من أن يكون محرومًا مضاعًا أو مرحومًا مراعىً وهو في الأوّل كلّ وفي الثّاني مستذلّ.

 

الخصلة الخامسة:
تصدّيه لمعالم الدّين ونوازل الأحكام حتّى أوضح للأمّة ما كلّفوه من العبادات، وبيّن لهم ما يحلّ وما يحرم من مباحات ومحظورات، وفصّل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات. حتّى احتاج أهل الكتاب في كثير من معاملاتهم ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلى شرع غيره. أحكم ما شرع من نصّ أو تنبيه وعمّ بما أمر من حاضر وبعيد حتّى صار لما تحمّله من الشّرع مؤدّيا ولما تقلّده من حقوق الأمّة موفّيا لئلّا يكون في حقوق اللّه زلل وذلك في برهة من زمانه لم يستوف تطاول الاستيعاب حتّى أوجز وأنجز وما ذلك إلّا بديع معجز.

 

الخصلة السّادسة:
انتصابه لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته وهو في قطب مهجور، وعدد محقور فزاد به من قلّ وعزّ به من ذلّ وصار بإثخانه في الأعداء محذورا وبالرّعب منه منصورا فجمع بين التّصدّي لشرع الدّين حتّى ظهر وانتشر وبين الانتصاب لجهاد العدوّ حتّى قهر وانتصر والجمع بينهما معوز إلّا لمن أمدّه اللّه بمعونته وأيّده بلطفه والمعوز معجز.


الخصلة السّابعة:
ما خصّ به من الشّجاعة في حروبه والنّجدة في مصابرة عدوّه فإنّه لم يشهد حربا في فزع إلّا صابر حتّى انجلت عن ظفر أو دفاع وهو في موقفه لم يزل عنه هربا ولا حاز فيه رغبًا. بل ثبت بقلب آمن وجأش ساكن قد ولّى عنه أصحابه يوم حنين حتّى بقي بإزاء جمع كثير وجمّ غفير في تسعة من أهل بيته وأصحابه على بغلة مسبوقة إن طلبت غير مستعدّة لهرب ولا طلب وهو ينادي أصحابه ويظهر نفسه ويقول إليّ عباد اللّه: «أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب» فعادوا أشذاذا وأرسالا وهوازن تراه وتحجم عنه فما هاب حرب من كاثره ولا انكفأ عن مصاولة من صابره.

 

الخصلة الثّامنة:
ما منح من السّخاء والجود حتّى جاد بكلّ موجود وآثر بكلّ مطلوب ومحبوب ومات ودرعه مرهونة عند يهوديّ على آصع من شعير لطعام أهله. لا يأكل إلّا الخشن ولا يلبس إلّا الخشن. ويعطي الجزل الخطير، ويصل الجمّ الغفير، ويتجرّع مرارة الإقلال، ويصبر على سغب الاختلال، وكان يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك دَينًا أو ضياعًا فعليّ ومن ترك مالًا فلورثته. فهل مثل هذا الكرم والجود كرم وجود؟

 

وهل يُدرك شأو من هذه شذور من فضائله ويسير من محاسنه التي لا يُحصى لها عدد ولا يُدرك لها أمد، ولم تَكمُل في غيره فيساويه، ولا كذّب بها ضدّ يناويه. ولقد جهد كلّ منافق ومعاند وكلّ زنديق وملحد أن يزري عليه في قول أو فعل أو يظفر بهفوة في جدّ أو هزل فلم يجد إليه سبيلًا وقد جهد جهده وجمع كيده.


(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)

  • 1
  • 0
  • 6,603

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً