الخمر أم الخبائث
فشرب الخمر في ديننا كبيرة من كبائر الذنوب وإثم من أعظم الآثام و بالإضافة إلى أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه ينحط بصاحبه إلى أسفل دركات مساوئ الأخلاق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه،، وبعد:
فقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبَّد فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع عليّ، أو تشرب كأسا من هذه الخمرة، أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقني كأسا فسقته كأسا، قال: زيديني، فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يُخرج أحدهما صاحبه.
فشرب الخمر في ديننا كبيرة من كبائر الذنوب وإثم من أعظم الآثام و بالإضافة إلى أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه ينحط بصاحبه إلى أسفل دركات مساوئ الأخلاق.
يقول الجاحظ :
أكثر ما يجب على المتطلع إلى السمو تجنب السكر، لأن السكر من الشراب يثير النفس الشهوانية ويقويها ويحملها على التهتك، وارتكاب الفواحش والمجاهرة بها، وذلك أن الإنسان إنما يرتدع عن القبائح بالعقل والتمييز، فإذا سكر عدم ذلك الذي كان يردعه عن الفعل القبيح، فلا يبالي أن يرتكب كل ما كان يتجنب في صحوه، فأولى الأشياء لمن طلب العفة هجر الشراب بالجملة، ويتجنب مجالس المجاهرين بالشراب والسكر والخلاعة، ولا يظنن أنه إذا حضر تلك المجالس واقتصر على اليسير من الشراب لم يستضر به، فإن هذا غلط وذلك أن من يحضر مجالس الشراب ليس تنقاد له نفسه إلى القناعة بيسير الشراب، بل إن حضر مجالس الشرب وكان في غاية العفة تاركاً للشرب متمتعاً بالورع حملته شهوته على التشبه بأهل المجلس وتاقت نفسه إلى التهتك. ا. هـ.
وانظر إلى هذا الصحابي الجليل العاقل الحازم حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه حين شرب الخمر حتى سكر – قبل أن تحرم الخمر – فقد قام إلى ناقتين لعلي بن أبي طالب فقطع أسنمتها وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما، وهذا في ذاته عدوان لا يحل له، وما كان له أن يفعل لولا أنه شرب حتى سكر، ثم إنه ارتكب أعظم من هذا حين جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم يلومه فنظر حمزة إليه وإلى عليّ وقال: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سكران. وما كان لحمزة أن يتكلم بمثل هذا لو لم يسكر.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى الخمر فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)}.(المائدة).
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يؤمئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي:"ألا وإن الخمر قد حرمت"، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم قد قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}.(المائدة).
الترهيب من شرب الخمر في السنة:
ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث التي ينهى فيها عن الخمر بل وصل الأمر إلى لعن من شربها. فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه". (رواه البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع القميص من رأسه". (أخرجه الحاكم على شرط مسلم).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: "لا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر". (رواه ابن ماجه).
العقلاء يجتنبون الخمر
قالت عائشة رضي الله عنها: حرم أبوبكر رضي الله عنه الخمر على نفسه فلم يشربها في الجاهلية ولا في الإسلام، وذلك أنه مر برجل سكران يضع يده في العذرة – البراز – ويدنيها من فيه فإذا وجد ريحها صرف عنها فقال: إن هذا لا يدري ما يصنع فحرمها.
وقال الأبشيهي رحمه الله:
ممن ترك الخمر في الجاهلية عبدالله بن جدعان، وكان جوادا من سادات قريش وذلك أنه شرب مع أمية بن أبي الصلت الثقفي فضربه على عينه فأصبحت عين أمية مخضرة يخاف عليها الذهاب فقال له عبدالله: ما بال عينك؟ فألح عليه فقال: أولست ضاربها بالأمس؟ فقال عبدالله: أو بلغ مني الشراب ما أبلغ معه هذا؟ لا أشربها بعد اليوم ثم دفع له عشرة آلاف درهم. وقال: الخمر عليّ حرام، لا أذوقها بعد اليوم أبداً.
وممن حرمها في الجاهلية أيضا قيس بن عاصم وحدث له مرة أنه سكر فجعل يتناول القمر ويقول: والله لا أبرح حتى أنزله ثم يثب الوثبة بعد الوثبة ويقع على وجهه فلما أصبح وأفاق قال: مالي هكذا؟ فأخبروه بالقصة، فقال: ولا أشربها أبداً، ومن هؤلاء أيضا العباس بن مرداس وقد قيل له: لم تركت الخمر وهي تزيد في سماحتك؟ فقال: أكره أن أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم.
وقال الأبشيهي أيضاً:
استلقى سكران على الطريق فجاء كلب فلحس شفتيه فقال: خدمك بنوك ولا عدموك، فبال على وجهه فقال: وماء حار أيضا بارك الله فيك.
وهكذا أيها الحبيب فإن الخمر تذهب العقل وتجعل مدمنها في صفوف الفاسقين والسفهاء وتزري بهم وتحط من شأنهم، ولو رأى هذا السكران نفسه وأفعاله حين يسكر لدفعه احترامه لنفسه إلى نبذها والإقلاع عنها، فكيف وشربها كبيرة من الكبائر.
نسأل الله تعالى أن يهدينا والمسلمين سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
- التصنيف:
- المصدر: