الحجاب والجلباب
منذ 2003-08-31
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونؤمن به، ونتوكل
عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله
فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه
وعلى آله وصحبه، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما
بعد:
لقد بعث الله نبيه محمدا- صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، ما ترك خيرا إلا دل الأمة عليه، ولا شرا إلا حذرها منه، فشمل دينه أحكاما ووصايا، وأوامر وتوجيهات في نظام متكامل مربوط برباط الفضيلة، يجمع أنواعها وشتى كمالاتها ووسائلها.
وإن من أعظم مقاصد هذا الدين إقامة مجتمع طاهر، الخلق سياجه، والعفة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمع لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه عوامل الفتنة، تضيق فيه فرص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة.
ولقد خصت المؤمنات بتوجيهات في هذا ظاهرة، ووصايا جليلة.
فعفة المؤمنة نابعة من دينها، ظاهرة في سلوكها، ومن هنا كانت التربية تفرض الانضباط في اللباس سترة واحتشاما، ورفضا للسيرة المتهتكة والعبث الماجن.
فشرع الحجاب، ليحفظ هذه العفة ويحافظ عليها. شرع، ليصونها من أن تخدشها أبصار الذين في قلوبهم مرض.
وأحكام الحجاب في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم صريحة في دعوتها، واضحة في دلالتها، ليست مقصورة على عصر دون عصر، ولا مخصوصة بفئة دون فئة.
{ يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } [الأحزاب:59]
تقول أم سلمة وعائشة -رضي الله عنهما-: « لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية » [أخرجه أبو داود].
والجلباب: كل ساتر من أعلى الرأس إلى أسفل القدم، من ملاءة وعباءة، وكل ما تلتحف به المرأة فوق درعها وخمارها.
وإدناء الجلباب يعني: سدله وإرخاءه على جميع بدنها، بما في ذلك وجهها. وفي تفسير ابن عباس- رضي الله عنهما-: هو تغطية الوجه من فوق رأسها، فلا يبدو إلا عين واحدة.
وما خوطب به أمهات المؤمنين أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم-مطالب به جميع نساء المؤمنين.
{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } [الأحزاب:33-32].
فنهى عن الخضوع بالقول، والتبرج تبرج الجاهلية الأولى، وأمر بالمعروف من القول، ولزوم القرار في البيوت.
نساء المؤمنين في ذلك كنساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو في حق نساء المؤمنين آكد وأولى كما لا يخفى.
وما قوله- سبحانه-: { لستن كأحد من النساء } إلا تأكيدا لهذا، إذ المقصود بيان: أنهن محل الأسوة والامتثال الأول، ومن بعدهن متأسيات بهن.
وفي هذا يقول أبو بكر الجصاص: "وهذا الحكم وإن نزل خاصا في النبي- صلى الله عليه وسلم-وأزواجه، فالمعنى فيه عام وفي غيره".
وفي مقام آخر- أيها المؤمنون والمؤمنات- يقول الله -عز وجل : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن } [النور: 31].
ولقد ذكر في الآية زينتان:
إحداهما: لا يمكن إخفاؤها { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ولم يقل إلا ما أظهرن منها، فعلم بهذا: أن المراد بالزينة الأولى زينة الثياب.
أما الزينة الثانية: فزينة باطنة يباح إظهارها لمن ذكرتهم الآية : { إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن } إلخ الآية.
وأنت خبير أيها المؤمن، وخبيرة أيتها المؤمنة بأن ممن رخص في إبداء الزينة أمامهم: الأطفال، وغير أولي الإربة من الرجال.
والوجه مجمع الحسن ومحط الفتنة، فهل يرخص كشفه للبالغين وأولي الإربة من الرجال. الأمر في هذا جلي ظاهر.
وفي نفس الآية الكريمة : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } [النور: 31]
وهو ما يتحلى به في الأرجل من خلخال وغيره، فإذا كان صوت الخلخال بريدا إلى فتنة، فكيف بالوجه الذي يحكي الجمال، والشباب، والنضارة. وصوت الخلخال يصدر من فتاة وعجوز، ومن الجميلة ومن الدميمة.
أما الوجه فلا يحتمل إلا صورة واحدة.
يقول صاحب الدار المختار في فقه أبي حنيفة- رحمه الله-: "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لخوف الفتنة كمسه، وإن أمن الفتنة".
ويقول عليه الشارح ابن عابدين- رحمه الله-: "المعنى أنها تمنع من الكشف، لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع في الفتنة، لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة، وأما قوله: (كمسه) أي: كما يمنع من مس وجهها وكفيها، وإن أمن الشهوة، لأنه سبيل إلى الشهوة والفتنة فكذلك يغطى الوجه، لأنه طريق إلى الفتنة.
وقبله قال أبو بكر بن الجصاص : "والمرأة الشابة مأمورة بستر وجهها، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع فيها أهل الريب".
وفي السنة أيها المؤمنون والمؤمنات أبيح للخاطب النظر من أجل الخطبة، فغير الخاطب ممنوع من النظر. والمقصود الأعظم من النظر هو الوجه، ففيه يتمثل جمال الصورة.
وحينما قال- صلى الله عليه وسلم-: « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.
قالت أم سلمة- رضي الله عنها- : فكيف يصنع الناس بذيولهن؟أي: الأطراف السفلى من الجلباب والرداء.
قال: يرخين شبرا .
قالت: إذا تنكشف أقدامهن !
قال : فيرخينه ذراعا ولا يزدن عليه » [رواه البخاري ومسلم]
فإذا كان هذا في القدم فالوجه أكثر فتنة، فلا يعدو أن يكون تنبيها بالأدنى عن الأعلى. والحكمة والنظر تأبيان ستر ما هو أقل فتنة، والترخيص في كشف ما هو أعظم فتنة.
ومهما قيل في الحجاب، في كيفيته وصفته، فما كان يوما ما عثرة تمنع من واجب، أو تحول دون الوصول إلى حق، بل لقد كان ولا يزال سبيلا قويا يمكن المرأة من أداء وظيفتها بعفة، وحشمة، وطهر، ونزاهة على خير وجه وأتم حال.
وتاريخ الأمة شاهد صدق لنساء فضليات جمعن في الإسلام أدبا، وحشمة، وسترا، ووقارا، وعملا مبرورا، دون أن يتعثرن بفضول حجابهن، أو سابغ ثيابهن.
وإن في شواهد عصرنا من فتياتنا المؤمنات، متحجبات بحجاب الإسلام، متمسكات بهدي السنة والكتاب قائمات بمسؤولياتهن، خير ثم خير من قرينات لهن، شاردات كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، متبرجات بزينتهن تبرج الجاهلية الأولى.
وليعلم دعاة السفور، ومن وراءهم أن التقدم والتخلف له عوامله وأسبابه، وإقحام الستر والاحتشام، والخلق والالتزام عاملا من عوامل التخلف، خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على غافل ساذج، في فكره دخل، أو في قلبه مرض.
ودعاة السفور ليسوا قدوة كريمة في الدين والأخلاق، وليسوا أسوة في الترفع عن دروب الفتن، ومواقع الريب { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } [المائدة:56-55].
أيها الأخوة
إن وظيفة المرأة الكبرى، ومهمتها العظمى في بيتها، وأسرتها وأولادها، وكل ما تتحلى به من علم ووعي يجب أن يكون موجها لهذه المهمة، وتأهيلا لهذه الوظيفة.
الرجل هو الكادح في الأسواق، والمسؤول عن الإنفاق، والمرأة هي المربي الحاني، والظل الوارف للحياة كلما اشتد لفحها، وقسا هجيرها.
وإن انسلاخ أحد الجنسين عن فطرته من أجل أن يلحق بجنس ليس منه تمرد على سنة الله، واعوجاج عن الطريق المستقيم. ولن يفيد العالم من ذلك إلا الخلل والاضطراب، ثم الفساد والدمار. وما لعن المتشبهون من الرجال بالنساء ولا المتشبهات من النساء بالرجال، إلا من اجل هذا.
وسوف تحيق اللعنة، ويتحقق الإبعاد عن مواقع الرحمة، في كل من خالف أمر الله، وتمرد على فطرة الله.
أيها المؤمنون
كما أمرت المؤمنة بلزوم الحجاب عند خروجها ومقابلة غير المحارم فقد أمرت أن تقر في بيتها، فبيتها خير لها، ووظيتها من أشرف الوظائف في الوجود، وما يحسنها ولا يتأهل لها إلا من استكمل أزكى الأخلاق، وأنقى الأفكار.
إن من الخطأ في الرأي والفساد في التصور، الزعم بأن المرأة في بيتها قعيدة لا عمل لها، فما هذا إلا جهل مركب، وسوء فهم غليظ، سوء فهم بمعنى الأسرة، وجهل بطبيعة المجتمع الإنساني، والتركيب البشري.
والأشد والأنكى الظن بأن هذه الوظيفة قاصرة على الطهي والخدمة، إنها تربية الأجيال والقيام عليها، حتى تنبت نباتا حسنا، ذكورا وإناثا، إنها في الإسلام تعدل شهود الجمع والجماعات في حق الرجال، وتعدل حج التطوع والجهاد.
«جاءت أسماء بنت السكن الأنصارية الأشهلية- رضي الله عنها-الملقبة بخطيبة النساء. جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إن الله بعثك للرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات ، ومقصورات مخدورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وفضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، فضلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله.
وإن الرجل منكم إذا خرج لحج أو عمرة أو جهاد، جلسنا في بيوتكم نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزل ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر؟
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بجملته- يعني بجسده- وقال: ( هل تعلمون امرأة أحسن سؤالا عن أمور دينها من هذه المرأة )
قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تسأل سؤالها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أسماء، افهمي عني، أخبري من وراءك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدل ذلك كله.
فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر وتردد : ( يعدل ذلك كله، يعدل ذلك كله ) » [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان].
فهل يفقه هذا نساء المؤمنين؟؟
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني:
[email protected]
الموقع على الانترنت:
www.dar-alqassem.com
لقد بعث الله نبيه محمدا- صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، ما ترك خيرا إلا دل الأمة عليه، ولا شرا إلا حذرها منه، فشمل دينه أحكاما ووصايا، وأوامر وتوجيهات في نظام متكامل مربوط برباط الفضيلة، يجمع أنواعها وشتى كمالاتها ووسائلها.
وإن من أعظم مقاصد هذا الدين إقامة مجتمع طاهر، الخلق سياجه، والعفة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمع لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه عوامل الفتنة، تضيق فيه فرص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة.
ولقد خصت المؤمنات بتوجيهات في هذا ظاهرة، ووصايا جليلة.
فعفة المؤمنة نابعة من دينها، ظاهرة في سلوكها، ومن هنا كانت التربية تفرض الانضباط في اللباس سترة واحتشاما، ورفضا للسيرة المتهتكة والعبث الماجن.
فشرع الحجاب، ليحفظ هذه العفة ويحافظ عليها. شرع، ليصونها من أن تخدشها أبصار الذين في قلوبهم مرض.
وأحكام الحجاب في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم صريحة في دعوتها، واضحة في دلالتها، ليست مقصورة على عصر دون عصر، ولا مخصوصة بفئة دون فئة.
{ يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } [الأحزاب:59]
تقول أم سلمة وعائشة -رضي الله عنهما-: « لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية » [أخرجه أبو داود].
والجلباب: كل ساتر من أعلى الرأس إلى أسفل القدم، من ملاءة وعباءة، وكل ما تلتحف به المرأة فوق درعها وخمارها.
وإدناء الجلباب يعني: سدله وإرخاءه على جميع بدنها، بما في ذلك وجهها. وفي تفسير ابن عباس- رضي الله عنهما-: هو تغطية الوجه من فوق رأسها، فلا يبدو إلا عين واحدة.
وما خوطب به أمهات المؤمنين أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم-مطالب به جميع نساء المؤمنين.
{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } [الأحزاب:33-32].
فنهى عن الخضوع بالقول، والتبرج تبرج الجاهلية الأولى، وأمر بالمعروف من القول، ولزوم القرار في البيوت.
نساء المؤمنين في ذلك كنساء النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو في حق نساء المؤمنين آكد وأولى كما لا يخفى.
وما قوله- سبحانه-: { لستن كأحد من النساء } إلا تأكيدا لهذا، إذ المقصود بيان: أنهن محل الأسوة والامتثال الأول، ومن بعدهن متأسيات بهن.
وفي هذا يقول أبو بكر الجصاص: "وهذا الحكم وإن نزل خاصا في النبي- صلى الله عليه وسلم-وأزواجه، فالمعنى فيه عام وفي غيره".
وفي مقام آخر- أيها المؤمنون والمؤمنات- يقول الله -عز وجل : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن } [النور: 31].
ولقد ذكر في الآية زينتان:
إحداهما: لا يمكن إخفاؤها { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ولم يقل إلا ما أظهرن منها، فعلم بهذا: أن المراد بالزينة الأولى زينة الثياب.
أما الزينة الثانية: فزينة باطنة يباح إظهارها لمن ذكرتهم الآية : { إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن } إلخ الآية.
وأنت خبير أيها المؤمن، وخبيرة أيتها المؤمنة بأن ممن رخص في إبداء الزينة أمامهم: الأطفال، وغير أولي الإربة من الرجال.
والوجه مجمع الحسن ومحط الفتنة، فهل يرخص كشفه للبالغين وأولي الإربة من الرجال. الأمر في هذا جلي ظاهر.
وفي نفس الآية الكريمة : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } [النور: 31]
وهو ما يتحلى به في الأرجل من خلخال وغيره، فإذا كان صوت الخلخال بريدا إلى فتنة، فكيف بالوجه الذي يحكي الجمال، والشباب، والنضارة. وصوت الخلخال يصدر من فتاة وعجوز، ومن الجميلة ومن الدميمة.
أما الوجه فلا يحتمل إلا صورة واحدة.
يقول صاحب الدار المختار في فقه أبي حنيفة- رحمه الله-: "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لخوف الفتنة كمسه، وإن أمن الفتنة".
ويقول عليه الشارح ابن عابدين- رحمه الله-: "المعنى أنها تمنع من الكشف، لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع في الفتنة، لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة، وأما قوله: (كمسه) أي: كما يمنع من مس وجهها وكفيها، وإن أمن الشهوة، لأنه سبيل إلى الشهوة والفتنة فكذلك يغطى الوجه، لأنه طريق إلى الفتنة.
وقبله قال أبو بكر بن الجصاص : "والمرأة الشابة مأمورة بستر وجهها، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع فيها أهل الريب".
وفي السنة أيها المؤمنون والمؤمنات أبيح للخاطب النظر من أجل الخطبة، فغير الخاطب ممنوع من النظر. والمقصود الأعظم من النظر هو الوجه، ففيه يتمثل جمال الصورة.
وحينما قال- صلى الله عليه وسلم-: « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.
قالت أم سلمة- رضي الله عنها- : فكيف يصنع الناس بذيولهن؟أي: الأطراف السفلى من الجلباب والرداء.
قال: يرخين شبرا .
قالت: إذا تنكشف أقدامهن !
قال : فيرخينه ذراعا ولا يزدن عليه » [رواه البخاري ومسلم]
فإذا كان هذا في القدم فالوجه أكثر فتنة، فلا يعدو أن يكون تنبيها بالأدنى عن الأعلى. والحكمة والنظر تأبيان ستر ما هو أقل فتنة، والترخيص في كشف ما هو أعظم فتنة.
ومهما قيل في الحجاب، في كيفيته وصفته، فما كان يوما ما عثرة تمنع من واجب، أو تحول دون الوصول إلى حق، بل لقد كان ولا يزال سبيلا قويا يمكن المرأة من أداء وظيفتها بعفة، وحشمة، وطهر، ونزاهة على خير وجه وأتم حال.
وتاريخ الأمة شاهد صدق لنساء فضليات جمعن في الإسلام أدبا، وحشمة، وسترا، ووقارا، وعملا مبرورا، دون أن يتعثرن بفضول حجابهن، أو سابغ ثيابهن.
وإن في شواهد عصرنا من فتياتنا المؤمنات، متحجبات بحجاب الإسلام، متمسكات بهدي السنة والكتاب قائمات بمسؤولياتهن، خير ثم خير من قرينات لهن، شاردات كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، متبرجات بزينتهن تبرج الجاهلية الأولى.
وليعلم دعاة السفور، ومن وراءهم أن التقدم والتخلف له عوامله وأسبابه، وإقحام الستر والاحتشام، والخلق والالتزام عاملا من عوامل التخلف، خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على غافل ساذج، في فكره دخل، أو في قلبه مرض.
ودعاة السفور ليسوا قدوة كريمة في الدين والأخلاق، وليسوا أسوة في الترفع عن دروب الفتن، ومواقع الريب { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } [المائدة:56-55].
أيها الأخوة
إن وظيفة المرأة الكبرى، ومهمتها العظمى في بيتها، وأسرتها وأولادها، وكل ما تتحلى به من علم ووعي يجب أن يكون موجها لهذه المهمة، وتأهيلا لهذه الوظيفة.
الرجل هو الكادح في الأسواق، والمسؤول عن الإنفاق، والمرأة هي المربي الحاني، والظل الوارف للحياة كلما اشتد لفحها، وقسا هجيرها.
وإن انسلاخ أحد الجنسين عن فطرته من أجل أن يلحق بجنس ليس منه تمرد على سنة الله، واعوجاج عن الطريق المستقيم. ولن يفيد العالم من ذلك إلا الخلل والاضطراب، ثم الفساد والدمار. وما لعن المتشبهون من الرجال بالنساء ولا المتشبهات من النساء بالرجال، إلا من اجل هذا.
وسوف تحيق اللعنة، ويتحقق الإبعاد عن مواقع الرحمة، في كل من خالف أمر الله، وتمرد على فطرة الله.
أيها المؤمنون
كما أمرت المؤمنة بلزوم الحجاب عند خروجها ومقابلة غير المحارم فقد أمرت أن تقر في بيتها، فبيتها خير لها، ووظيتها من أشرف الوظائف في الوجود، وما يحسنها ولا يتأهل لها إلا من استكمل أزكى الأخلاق، وأنقى الأفكار.
إن من الخطأ في الرأي والفساد في التصور، الزعم بأن المرأة في بيتها قعيدة لا عمل لها، فما هذا إلا جهل مركب، وسوء فهم غليظ، سوء فهم بمعنى الأسرة، وجهل بطبيعة المجتمع الإنساني، والتركيب البشري.
والأشد والأنكى الظن بأن هذه الوظيفة قاصرة على الطهي والخدمة، إنها تربية الأجيال والقيام عليها، حتى تنبت نباتا حسنا، ذكورا وإناثا، إنها في الإسلام تعدل شهود الجمع والجماعات في حق الرجال، وتعدل حج التطوع والجهاد.
«جاءت أسماء بنت السكن الأنصارية الأشهلية- رضي الله عنها-الملقبة بخطيبة النساء. جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إن الله بعثك للرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات ، ومقصورات مخدورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وفضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، فضلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله.
وإن الرجل منكم إذا خرج لحج أو عمرة أو جهاد، جلسنا في بيوتكم نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزل ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر؟
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بجملته- يعني بجسده- وقال: ( هل تعلمون امرأة أحسن سؤالا عن أمور دينها من هذه المرأة )
قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تسأل سؤالها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أسماء، افهمي عني، أخبري من وراءك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدل ذلك كله.
فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر وتردد : ( يعدل ذلك كله، يعدل ذلك كله ) » [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان].
فهل يفقه هذا نساء المؤمنين؟؟
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني:
[email protected]
الموقع على الانترنت:
www.dar-alqassem.com
المصدر: دار القاسم
صالح بن عبد الله بن حميد
إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة ورئيس شؤون الحرمين سابقا ورئيس مجلس الشورى السعودي سابقا.
- التصنيف:
wafa
منذمزاهر
منذأبو عمر
منذ