كراهية عادية لا تكفي!

منذ 2015-03-23

ولأن الظلم غالبًا لا يميز بين فئات المظلومين ودرجات أخطائهم، فلا بد من حيلة نفسية أخرى وهي التعميم. السيئة تعم!

تستغرب أحيانًا من هذا الكمّ من الغلّ والكراهية التي تقطر من كلمات مسمومة يتلفظ بها البعض، أو يكتبونها بكل أريحية، ولا يجدون غضاضة فيما تحويه من قذف أو إهانة أو افتراء، تشعر أن السماوات تكاد أن تهتز وتخر الجبال لوطأة ما يحويه؟!

تشعر أحيانًا أنها كلمات يصعب جدًا على أي عقل طبيعي ومنطق مستقيم أن يفهم دوافع أصحابها، أو يدرك حقيقة اعتيادهم واستحلالهم لها؟

تدهشك تلك الجرأة منقطعة النظير على إطلاق الأحكام وتعميمها بكل بساطة لتستعر الكراهية كمان وكمان؟

لعل دهشتك تزول حين تفهم أصول وجذور تلك الكراهية المبالغ فيها

ربما تكون هناك مبررات للكراهية!

وربما تكون الكراهية بدون سبب، ومع ذلك تكون منطقية! لأن طبيعي أن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف.

ممكن جدًا إنسان لا يستلطف إنسان آخر أو لا يبتلعه ولا يستسيغ التعامل معه هكذا وفقط من غير سبب.

ممكن يستثقل دمه، وممكن لا يطيقه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه دون أن يجد مجيبًا منطقيًا، ألهذه الدرجة؟!

هل تستحق دوافع الكراهية كل هذا الكم من الغل والتشويه والقذف والافتراء؟

الإجابة عند العقلاء والمنصفين ستكون -غالبًا-: لا!

لا يمكن أبدًا أن تكون تلك الدرجات الدائمة من الكراهية طبيعية أو مقبولة.

إذًا فما السبب؟

لماذا هذه الدرجة من السواد المقيت وهذا القدر من الغل القاتم؟

الجواب في رأيي لأنهم مضطرون لذلك.

تلك المظالم المتوالية، والدرجات المتقدمة من الجور والبغي والبهتان، والتي قرروا أن يكونوا جزءًا منها بأن يوالوا مقترفيها، ويقفوا في صفوف من يستحلونها ليلًا ونهارًا، تستلزم ما يوازيها من الكراهية والتهم البشعة والصفات الشنيعة؛ التي تجعل ذلك العدوان الذي يصيب أصحابها شيئًا طبيعًا ومقبولًا، وتجعل الراضين به ينامون قريري الأعين.

دماء تراق! ولا مشكلة.

تعذيب وقمع! يستحقون.

تشويه وافتراء، طبيعي.

لكن كلمات من نوعية (لا مشكلة، ويستحقون، وطبيعي) لن تخرج من دون مقدمات تمهد لهذه النتائج، مقدمات قد تصل بالمحل الواقع عليه الظلم إلى أن تُنظر إليه نظرة دونية، وتلصق به نعوت وصفات تهبط به عن مستوى البشر، وترفقه بالحيوانات والبهائم، وأحيانًا الحشرات.

لكن حتى هذه المخلوقات قد تطلب لها الرحمة، ويستحب معها العطف.

فلتتدن منزلة القوم إذًا أكثر حتى يستووا بالشياطين.

فليرموا بالتصهين والماسونية والخيانة والتوحش، وربما مص الدماء، وأكل لحوم البشر لو اقتضى الأمر.

المهم أن يصير ما يصيبهم مناسبًا للبشاعة التي قررنا أن نقولبهم فيها.

كل هذا من الحيل النفسية ليطمس أي صوت يتبقى خافتًا للفطرة المسكينة التي ترفض الظلم.

لا ينبغي أن يكون ظلمًا أصلًا.

لا بد أن يثبت المرء لنفسه أنهم ببساطة يستحقون.

ولأن الظلم غالبًا لا يميز بين فئات المظلومين ودرجات أخطائهم، فلا بد من حيلة نفسية أخرى وهي التعميم.

السيئة تعم!

جريمة ارتكبت هنا!

تفجير حدث هناك!

مذبحة وقعت هنالك!

الكل متهم والكل مدان!

هكذا ينبغي أن يكون الأمر، حتى تستطيع أن تتكيف مع الجور الذي قد يطال صبية وفتيات وأناس ما علمت عنهم إلا الخير.

في المقابل لا يتصور بعض المظلومين أن بشرًا طبيعيون ممكن أن يقبلوا ويتعايشوا مع ما يحدث لهم، وبالتالي تنتقل إليهم العدوى تدريجيًا، ويبدأوا هم أيضًا في اللجوء إلى ذات الحيلة النفسية، ولتعمم الصفات البذيئة، وليصير الخصوم أبناء مثالية (راقصة يعني)، وكراتيه (وعذرًا على اضطراري للإشارة إلى تلك الإيحاءات المؤسفة التي هي رغم قبحها مشاهدة معلومة).

في النهاية ولأجل الإكمال في نفس الطريق لا بد أن يلجأ القوم إلى تأجيج حمى الكراهية والمبالغة فيها جدًا.

لا بد أن تستعر نيران ‫الكراهية‬ أكثر وتعم أكثر وأكثر.

ففي هذا الزمان كراهية عادية، أبدًا لا تكفي.

ولن تكفي.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 1
  • 2,084

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً