عمر بن الخطاب - رقة عمر بن الخطاب

منذ 2015-03-26

وكان الفاروق يبكي في صلاته من خشية الله تعالى حتى يسمع صوته الذي يرافق البكاء.

رقة القلب:

إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزًا مكينًا وحصنًا حصينًا مكينًا من الغي والعصيان. ما رق قلبٌ لله إلا كان صاحبه سابقًا إلى الخيرات مشمرًا في الطاعات والمرضاة. وما رق قلب لله وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذكّر إلا تذكر، ولا بصّر إلا تبصر.

ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنًا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه. وما رق قلب لله إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله. فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى.

ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفًا وخشية للرحمن. ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية الملك.

القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق. القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق.

ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟ ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها؟ إنه الله [1].

 

الرقة تتسلل إلى قلب عمر:

إن الرقة من المعاني الإنسانية الجميلة، التي توحي بطهارة القلب ونقائه، فمتى ما أحسست من إنسان برقة في قلبه فاعلم أنه على خير، والقلوب الرقيقة تتمتع بقدر كبير من السعادة التي لا تحسها القلوب القاسية، ولا تشعر بها الأفئدة المتحجرة.

قالت أم عبد الله بنت حنتمة: لما كنا نرتحل مهاجرين إلى الحبشة أقبل عمر حتى وقف عليّ، وكنا نلقى من البلاء والأذى قبل إسلامه فقال لي: إنه الانطلاق يا أم عبد الله؟ قالت: نعم، والله لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا فرجًا، فقال عمر: صحبكم الله، ورأيت منه رقة لم أرها قط.

 

وزادته مسؤولية الخلافة رقةً:

دخل عيينة بن حصن على عمر فقال: هيه، يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى همّ أن يقع به. فقال ابن أخي عيينة الحرُّ بن القيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوز عمر حين تلاها عليه. وكان وقافًا عند كتاب الله تعالى.

 

وكان الفاروق يبكي في صلاته من خشية الله تعالى حتى يسمع صوته الذي يرافق البكاء. وكان في خد عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء[2].

ويروي علقمة بن أبي وقاص رحمه الله أن عمر كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة بسورة يوسف، وأنا في مؤخرة الصفوف حتى إذا ذكر يوسف سمعت نشيجه.

 

يا له من أمير رقَّ قلبه:

عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك أن تحرسهم الليلة من السرقة. فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه فقال لها: ويحك إني لأراك أم سوء، مالي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة.

قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلة، إني أريغه عن الفطام فيأبى. قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرًا. قال: ويحك لا تعجليه.

فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم، قال: يا بؤسًا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين.

ثم أمر مناديًا فنادى: أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق: أن يفرض لكل مولود في الإسلام[3].

 

----------------------------------

[1] نقلاً عن الشيخ الشنقيطي: موقع طريق القرآن.

[2] المدهش: جزء 1- صفحة 435.

[3] صفة الصفوة: جزء 1- صفحة 282.

  • 7
  • 0
  • 20,659
المقال السابق
الفاروق وحقوق الخليفة على رعيته
المقال التالي
عدل عمر بن الخطاب

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً