مع القرآن - يؤمنون بالغيب
ومن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم الأكثرية من آمن به دون أن يراه، وإنما وجد شرعاً مطهراً (كتاباً وسنة) فآمن وعاش حياته في ظلال هذه الشريعة ودافع عنها ومات عليها..
من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من رآه وأبلى أحسن البلاء في صحبته والدفاع عن رسالته..
ومن أمة البلاغ من رآه ونافق، ومنهم من رآه وعاند وآثر الدنيا على الآخرة..
ومن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم الأكثرية من آمن به دون أن يراه، وإنما وجد شرعاً مطهراً (كتاباً وسنة) فآمن وعاش حياته في ظلال هذه الشريعة ودافع عنها ومات عليها، وهؤلاء هم من قال في حقهم صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد بسنده:
عن صالح بن جُبَيْر، قال: "قدم علينا أبو جمعة الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس، ليصلي فيه، ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة، فلما انصرف خرجنا نشيعه، فلما أراد الانصراف قال: إن لكم جائزة وحقًا؛ أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: هات رحمك الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، فقلنا: يا رسول الله هل من قوم أعظم أجرًا منا؟ آمنا بك واتبعناك، قال: « »، مرتين".
ثم رواه من حديث ضَمْرَة بن ربيعة، عن مرزوق بن نافع، عن صالح بن جبير، عن أبي جمعة، بنحوه.
قال ابن كثير في التفسير: "وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوِجَادة التي اختلف فيها أهل الحديث، كما قررته في أول شرح البخاري؛ لأنه مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجرًا من هذه الحيثية لا مطلقًا" (أهـ).
ولعل من أهم صفات هؤلاء إيمانهم بالغيب..
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة من الآية:3]
"وأما الغيب المراد ها هنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد".
قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: "يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيب كله". وكذا قال قتادة بن دعامة.
وقال السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أما الغَيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة، وأمر النار، وما ذكر في القرآن.
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عِكْرِمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {بِالْغَيْبِ} قال: "بما جاء منه، يعني: مِنَ الله تعالى".
وقال سفيان الثوري، عن عاصم، عن زِرّ، قال: "الْغَيْب القرآن".
وقال عطاء بن أبي رباح: "من آمن بالله فقد آمن بالغيب".
وقال إسماعيل بن أبي خالد: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: "بغيب الإسلام".
وقال زيد بن أسلم: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} قال: "بالقدر".
فكل هذه متقاربة في معنى واحد؛ لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا، فذكرنا أصحَاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقوا به، قال: فقال عبد الله: "إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينًا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانًا أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: {الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى قوله: {الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:1-5]"، وهكذا رواه ابن أبي حاتم، وابن مَرْدُويه، والحاكم في مستدركه، من طرق، عن الأعمش، به، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: