تبسيط أحكام زكاة المال من الفقه الإسلامي
إن القارئ الكريم سيجد أن هذا المقال قصير أو مختصر إلا إنه سيجده جامعًا لأغلب الأحكام التي سيحتاجها بشأن الزكاة إن شاء الله.
المقدمة:
هذا مقال حول أحكام الزكاة يهدف إلى تبسيط هذه الأحكام لعامة المسلمين من غير المتخصصين بحيث يسهل عليهم الإلمام بها بسهولة ويسر وفي وقت وجيز، ولم نذكر خلافات الفقهاء وإنما ذكرنا رأي واحد فقط وهو الذي يرجحه الدليل وأكثرية الفقهاء، وفي نفس الوقت لم نتوسع في ذكر الأدلة تجنبًا للإطالة، كما لم نذكر تفصيلات كثيرة إنما اقتصرنا على التفصيلات التي يكثر الاحتياج إليها في هذا الزمان، وفي الواقع فإن القارئ الكريم سيجد أن هذا المقال قصير أو مختصر إلا إنه سيجده جامعًا لأغلب الأحكام التي سيحتاجها بشأن الزكاة إن شاء الله، لأن المقال مختصر اختصارًا غير مخل، والهدف من سوق هذه الأحكام باختصار أن يسهل تناولها والاستفادة منها على الجميع إن شاء الله.
معنى الزكاة:
الزكاة في اللغة تعنى: البركة والنماء والطهارة والمدح والصلاح، ورجح البعض أن أصل معناها يرجع إلى الزيادة والنماء.
أما الزكاة في الشرع فتطلق على القدر من المال الذي فرض الله أن يخرج للمستحقين الذين حددهم في القرآن الكريم، كما تطلق على عملية إخراج الزكاة نفسها.
ويأتي التناسب والارتباط بين الزكاة بمفهومها الشرعي وأصل معناها اللغوي من أن الزكاة تزيد وتنمى مال المتصدق كما في الحديث: «اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا» (صحيح الترغيب:3167)، كما أن إخراج الزكاة يطهر المتصدق من الذنوب قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة من الآية:103]، هذا من ناحية المتصدق، أما من ناحية الذين يتلقون الصدقات فإن الصدقة تنمي أموالهم فمن هنا تأتي علاقتها بمفهوم النماء أيضًا، وهذا كله من حكمة الزكاة، أما الصدقة فقد وردت في الكتاب والسنة بنفس المعنى الشرعي للزكاة فلا فرق بينهما في المعنى، لذلك قال الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية): "الصدقة زكاة والزكاة صدقة يفترق الاسم ويتفق المسمى".
أنواع الزكاة:
تنقسم من حيث الوجوب إلى:
1- زكاة واجبة وهى الفريضة، وهى نوعان:
الأول: مرتبط بالأبدان وهو صدقة الفطر لأنها لا تتعلق بمال مخصوص بل تتعلق بالشخص المسلم القادر على أدائها.
الثاني: زكاة الأموال وهى تتعلق بالأموال بأنواعها بشروط ومقادير محددة سيرد تفصيلها فيما بعد إن شاء الله.
2- زكاة مندوبة وهى صدقة التطوع من فعلها يثاب ثوابا عظيما، لأن الله ينمى ثواب الصدقة إلى يوم القيامة حتى يصير ثواب الصدقة المكونة من تمرة واحدة كالجبل كما ورد في الحديث الصحيح، وورد في حديث صحيح أخر أن «الصدقة تطفئ غضب الرب»، وهذا الثواب العظيم يعم الصدقة الفريضة كما يعم صدقة التطوع، لكن تارك الفريضة يحرم من الثواب ويعاقب أما تارك صدقة التطوع فإنه يحرم من ثوابها لكنه لآ يعاقب.
أنواع من تجب عليهم الزكاة:
أجمع الفقهاء على أن الزكاة المفروضة تجب في مال المسلم البالغ العاقل الحر إذا بلغ ماله النصاب -أي المقدار- المحدد شرعًا لإخراج الزكاة المفروضة وحال عليه الحول، وكانت ملكيته لهذا المال ملكية تامة. لكن هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون إذا بلغ مال أي منهما النصاب؟ والذي أملى هذا السؤال كون الصبي والمجنون غير مكلفين لأنهما غير كاملين من حيث أهلية التكليف، لكن كما قلنا سابقًا فإن الزكاة متعلقة بالمال، فهي فرض الله في المال الذي بلغ مقدارًا حدده الشرع تحديدًا دقيقًا؛ فالزكاة مرتبطة بالغنى لأنها حق المحتاجين..
وقد ورد في الحديث المتفق عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم»، وبالتالي إذا بلغ مال الصبي أو المجنون النصاب وجب على ولي كل منهما المتولي شأنهما أن يخرج زكاة هذا المال، بالضبط كما يدفعون ثمن الأشياء التي يستهلكها الصبي أو المجنون، أو كما يدفعون ديونهما المستحقة عليهما.
منزلة الزكاة في الإسلام:
كما رأينا في السطور السابقة فإن الزكاة فريضة واجبة وجوبًا عينيًا في مال كل مسلم إذا توفرت فيه الشروط التي ستأتي تفصيلاً فيما بعد، لكن ما هو إثم من امتنع عن أداء هذه الفريضة؟
روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح ثم أحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أتى بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما مضى عليه أخرها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار».
وروى البخاري عنه أيضًا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتين يطوقه يوم القيامة، ثم تلا النبى صلى الله عليه وآله وسلم الأية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران من الآية:180]»، هذا عن العقوبة الأخروية فماذا عن العقوبة الدنيوية فيكفي، أن نتذكر معًا أن أبا بكر الصديق ومعه جميع الصحابة رضوان الله عليهم قد قاتلوا مانعي الزكاة، وقال أبو بكر رضي الله عنه كلمته المشهورة: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة"، ليس هذا وفقط بل هناك عقوبات قدرية تجري على مانعي الزكاة منها ماورد في الحديث الصحيح -صححه الألبانى في الصحيحة:107-: «ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين»، أي المجاعات والأزمات الاقتصادية.
الشروط العامة للمال الذي تجب فيه الزكاة:
يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة خمسة شروط لا يجب إخراج الزكاة منه إلا بتوفرها جميعًا وهي:
1- الملك التام: فرغم نظرة الإسلام للمال أي مال أنه مال الله أصلاً قال تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33]، وقال: {أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم} [البقرة:245]، وقال تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد من الآية:7]، فإن الله تعالى أضاف الأموال إلى عباده تكريمًا لهم وفضلاً منه تعالى، وابتلاء لهم بما أنعم به عليهم؛ ليشعروا بكرامتهم على الله وأنهم خلفاء الله في الأرض، ويحسوا بمسئوليتهم عما ملكهم إياه..
وبناء على هذا المعنى نجد آيات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} [المنافقون من الآية:9]، وقوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن من الىية:15]، وقوله تعالى: {مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:2]، وقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء من الآية:29]، وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة من الآية:55]، وعلى هذا فليس المراد بالملك التام الملك الحقيقي لأن الملك الحقيقي لله وحده، لكن المقصود الملك المرتبط بالإنسان على النحو المعروف للجميع، بأن يكون المسلم حائزًا للمال حيازة كاملة، متمكنًا من التصرف فيه تصرفًا كاملاً بشكل دائم دون قيد على هذا التصرف ودون شراكة من أحد في ذلك..
ويدخل في ذلك انفراده بالحصول على أي فوائد تتولد عن هذا المال منفردًا، والأدلة على هذا الشرط كثيرة منها قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله فرض عليهم في أموالهم....» (صحيح ابن حبان:5081)، ويترتب على هذا الشرط أن المال الذي ليس له مالك معين ليس عليه زكاة كأموال الحكومة التي تجمعها من الزكاة ونحوها، وكذلك الأموال الموقوفة على أمور عامة كمصالح المسلمين أو على الفقراء والمحتاجين ونحو ذلك..
كما أن المال الحرام ليس فيه زكاة لأن حائزه لا يتملكه بل يجب عليه أن يعيده لملاكه الأصليين، لأن السرقة أو الرشوة أو الغصب لايفيد ملكًا. ويرتبط بشرط الملك التام مسألة زكاة الدين بمعنى: إذا كان هناك دين فهل زكاته على الدائن باعتباره مالكه الحقيقي، أم على المدين باعتباره المتصرف فيه المنتفع به حقيقة؟ والواقع أن الديون نوعان..
الأول: مرجو أداؤه مثل أن يكون على موسر مقر بالدين فهذا يعجل أداء زكاته مع ماله الحاضر في كل حول ما دامت جميع شروط الأداء الأخرى متوفرة.
الثانى: دين ميؤس الحصول عليه بأن كان على معسر لا يرجى يساره أو على شخص يجحد هذا الدين ولا بينة تثبته عليه فهذا لا يزكيه صاحبه إلا بعد قبضه لو قبضه.
2- النماء: يشترط في المال كي تجري فيه الزكاة أن يكون قابلاً لأن ينمو بعمل ما من صاحبه أو من وكيله، فإن كان ممكنًا للمال أن ينمو فتركه صاحبه ولم ينمه فإنه يلزمه زكاته؛ لأن العبرة ليس بالنماء الفعلي ولكن بإمكانية النماء، والدليل على شرط النماء هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم «ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة» (رواه البخارى)، قال النووى: "هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها" (شرح صحيح مسلم للنووى).
وبالتالى فالمال الذي لا ينمو بغير امتناع من صاحبه عن تنميته لا زكاة فيه، حتى يتمكن صاحبه منه فإن كان المال مغصوبًا لا يمكن استرداده أو دينًا لا يرجى تحصيله أو مخبوء أُنسي مكانه فإنه لا زكاة عليه حتى يتمكن منه.
3- بلوغ النصاب: ليس أي قدر من المال تجب فيه الصدقة بل حدد الشرع الحنيف مقدارًا محددا تجب في المال الزكاة إذا بلغه، أما إن لم يبلغه فلا زكاة فيه، فكان هذا المقدار المحدد سقفًا يتحدد به الفرق بين الغنى الذي تجب فيه الزكاة ومن دونه، وسوف يأتي تفصيل قدر كل مقدار عند الحديث عن كل نوع من أنواع الأموال الزكوية.
4- الفضل عن الحوائج الأصلية: والمقصود حوائج الإنسان وأهله الأساسية دون إسراف أو تقتير، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك -أي الزوجة والولد-، فإن فضل شيء عن أهلك فلذوي قرابتك، فإن فضل شيء عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» (رواه مسلم).
5- السلامة من الدين: إذا كان الإنسان مدينًا دينًا ينقص ماله عن قدر النصاب فإنه يخرج من دائرة وجوب الزكاة على ذلك المال.
6- حولان الحول: بمعنى أن يمر على المال في ملك المالك اثنا عشر شهرًا عربية، وهذا الشرط يخص الأنعام والنقود والتجارة، أما المنتجات الزراعية والعسل والمعادن ونحوها فلا يشترط فيها الحول.
أنواع المال الذى تجب فيه الزكاة:
تجب الزكاة في عدد من الأشياء ذات القيمة إذا توفرت فيها الشروط السابقة، وسوف نذكرهذه الأشياء فيما يلي إجمالاً ثم نفصلها بنفس الترتيب بعد ذلك إن شاء الله.
الأثمان: وهي النقود وكانت في الماضي مسكوكة من الذهب أو الفضة، والآن هي النقود الورقية باتفاق الفقهاء المعاصرين، وعروض التجارة: وهي الأموال المستخدمة في التجارة بشروط معينة ستأتي تفصيلاً. والحاصلات الزراعية: ويقصد بها بعض المنتجات الزراعية في شكلها الخام بشروط محددة ستأتي فيما بعد تفصيلاً، والسائمة من بهيمة الأنعام: أي التي ترعى في المرعى بعكس التي يتم علفها فالأخيرة ليس فيها زكاة سوى زكاة المستغلات وسوف تأتي تفصيلاً في عروض التجارة.
زكاة الأثمان -النقود-:
وهي النقدان أي الذهب والفضة وما يقوم مقامهما الآن من النقود الورقية، وذلك كله بشرط بلوغ النصاب وهو في الذهب عشرون دينارًا أو وزنهم من الذهب، ووزن الدينار 4.25 جرامًا فيصير نصاب الذهب 85 جرامًا، أما نصاب الفضة فهو مائتا درهمًا والدرهم وزنه 2.975 جرامًا من الفضة، أي أن نصاب الفضة 595 جرامًا، فإذا بلغ أيهما هذا القدر وحال عليه الحول وتوفرت فيه سائر الشروط السابقة وجبت فيه الزكاة وهي 2.5 في المائة، وذلك للحديث الحسن الذي رواه أبوداود عن على رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول». وتقدر قيمة نصاب النقود الورقية بقدر نصاب الذهب فإذا بلغ المال من النقود ما يعادل ثمن 85 جرامًا من الذهب وحال عليها الحول مع توفر الشروط الأخرى وجبت عليه الزكاة بمقدار 2.5 في المائة.
وإذا كان هذا حكم زكاة الذهب والفضة بشكل عام فهل يشمل ذلك الذهب والفضة المستخدمة في الحلى؟
الأحاديث الآتية توضح الإجابة: "جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: «أتعطين زكاة هذا؟»، قالت: لا قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟»، قال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: هما لله ورسوله" (رواه أبو داود 1563 وغيره وحسنه الألباني في تعليقه على أبي داود وقواه ابن حجر).
وعن أم سلمة قالت: "كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ فقال: «ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز» (رواه أبوداود 1564 وحسنه الألباني)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال «ما هذا يا عائشة؟» فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: «أتؤدين زكاتهن؟» قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: «هو حسبك من النار»" (رواه أبوداود 1565 وصححه الألباني).
زكاة عروض التجارة -أي السلع التجارية-:
التجارة هي كل شيء يعد للبيع والشراء بقصد الربح، ولكي يعتبر الشيء من عروض التجارة لا بد أن يتوافر فيه أمران..
الأول: أن تنتقل ملكية هذا الشيء للذي سيتاجر فيه فعليًا.
الثاني: أن يقترن الملك بنية الاتجار فيه، فإن لم ينو عند تملكه التجارة أو إذا تملكه بإرث فلا يصير من عروض التجارة عند جمهور الفقهاء بمجرد نية الاتجار فيه حينئذ بل لا بد من الاتجار فيه فعلاً في هذه الحالة الأخيرة، وزكاة عروض التجارة واجبة بإحماع الصحابة واتفاق أكثر العلماء من بعد الصحابة كعلماء المذاهب الأربعة وغيرهم، حتى حكى ابن المنذر وغيره الإجماع على هذا الوجوب؛ فيجب في عروض التجارة التزكية منها بنسبة 2.5 في المائة، إذا توفرت الشروط المذكورة من قبل، ويرتبط بزكاة عروض التجارة زكاة الأشياء التالية:
1- زكاة الأسهم: وهي تزكى زكاة عروض التجارة بنفس شروطها ما دامت هذه الأسهم لشركات تعمل في مجالات مباحة شرعًا وبأساليب مباحة شرعًا، أما إن كانت غير ذلك فيحرم تملكها أو الاتجار فيها وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
2- زكاة السندات: السندات ربا محرم شرعًا، كما إنها ليست من عروض التجارة في شيء، وإنما هي من قبيل الدين المرجو الأداء فتجب زكاتها مع مال الدائن كل عام؛ لأنه بمنزلة المال المقبوض في يده.
3- زكاة المستغلات: المستغلات هي الأموال التي لا تجب فيها الزكاة لعينها، ولم تتخذ للتجارة ولكنها تتخذ للنماء؛ فتغل لأصحابها فائدة وكسبًا بواسطة عينها، أو بواسطة بيع ما يحصل من إنتاجها، فما يؤجر مثل الشقق والعمارات ووسائل النقل ونحوها، وما ينتج ويباع إنتاجه مثل المواشي والأغنام والدواجن ونحوها التي تربى في مزارع ونحوها، ويجرى علفها لبيع نتاجها، وكذا المصانع التي تنتج ويباع إنتاجها.
وهذه الأشياء تقدر غلتها -أي الدخل الذي تنتجه- سنويًا ويخصم منها المصاريف التي أنفقها صاحبها على تكلفة تشغيلها وصيانتها وعلى حاجته الأصلية هو، ومن يعول ثم يقدر باقي الدخل فإن بلغ مقداره قيمة نصاب الذهب أي 85 جرامًا من الذهب، فإنه يخرج زكاته بالشروط السابقة بمقدار 2.5 في المائة.
وهذا كله فيما ذكرنا من المستغلات أما لو كانت أراضي أو عقارات أو وسائل نقل أو نحوها وكانت معدة للبيع بغرض التجارة وليس الانتاج ولا التأجير فإنها تزكى مثل عروض التجارة بأن تقدر قيمتها الكلية عند حولان الحول عليها وهي بالغة نصاب الذهب -أي مرور عام هجري كامل منذ بلغت نصاب زكاة الذهب واستمرارها على النصاب عند نهاية العام-، وتخرج الزكاة منها كلها مثل عروض التجارة..
والفرق بين هذه وبين الأشياء السابقة من المستغلات التي قلنا أن زكاتها تكون على الدخل الناتج عنها فقط دون قيمة أصولها هي أن السابقة معدة للإيجار أو الإنتاج أما الأخيرة هذه فهي معدة للبيع برمتها، مثل شراء السيارات أو السفن أو الطائرات أو الشقق أو العقارات أو الأراضي بغرض بيعها لا بغرض تأجيرها، أما شراء ذلك بغرض الاستعمال الشخصي له ولأسرته فهو لا زكاة فيه كما سبق وذكرنا.
زكاة الحاصلات الزراعية:
الحاصلات الزراعية التي يستنبتها الناس بهدف الاستفادة منها فيها زكاة لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [البقرة من الآية:267]، وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام من الآية:141]، وهذه الأية الأخيرة ذكرت هذا الوجوب بعد ذكر أنواع المأكولات من الجنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع والزيتون والرمان.
وكذا قوله صلى الله عليه وآله سلم: «فيما سقت السماء العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر» (السنن الكبرى للبيهقي:130/4)، وهذا الحديث عام في كل الحاصلات الزراعية لم يفصل بين ما يبقى وما لا يبقى، وبين ما يؤكل وما لا يؤكل، وما يقتات وما لا يقتات، فإذا بلغ المحصول الزراعي النصاب المقدر للحاصلات الزراعية فإنه يجب إخراج زكاته بمقدار العشر (أي 10 في المائة) من مجموعه يوم حصاده إن كان مما لا يبقى -أي لايمكن تخزينه مثل الخضر والفاكهة مثلاً-، وإلا جرت تزكيته بعد يبسه وجفافه إن كان مما يجفف وييبس كالحبوب.
وإنما يكون مقدار الزكاة 10 في المائة في الحاصلات التي تسقى بلا تعب ولا كلفة كالتي تسقى بالمطر أو بالأبار التي ينساب ماؤها بلا أدوات رفع وكذا ما كان من الزراعات التي تمتد جذورها في الأرض فتمتص الماء من الأرض دون عناء من الزارع، أما ما كان من الزرع يسقى بأدوات وما بها من كلفة وعناء فإن مقدار الزكاة الخارج منها يقتصر على (5 في المائة)، أي نصف العشر حسب تعبير الحديث النبوى الشريف.
ولكن ما هو النصاب (المقدار) الذى إذا بلغه المحصول الزراعى أو زاد عنه وجبت فيه الزكاة وإذا قل عنه لم تجب فيه الزكاة؟
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وليس فيما دون خمسة أوسق من الثمر صدقة» (رواه مسلم).
فهذا هو نصاب المحاصيل الزراعية التي تكال وهو بالموازين المعاصرة يعادل (647 كج) قمح تقريبًا، وإنما اعتد العلماء في ذلك بالقمح باعتبار أن السلف قدروه بذلك، بل قيل أن علماء الحديث أجمعوا على ذلك.
أما الحاصلات الزراعية التي لا تكال كالقطن وقصب السكر والزهور وغيرها فإنها يقدر قيمة نصابها بما يعادل ثمن 647 كج من أحد الحاصلات الزراعية التي تكال كالأرز أو القمح أو غيرهما، بشرط أن يكون من أوسط الحاصلات المكيلة بهذه البلد لا من أرخصها ولا من أغلاها، بل من أوسطها.
ثم ما هو موعد زكاة الحاصلات الزراعية وهل يشترط فيها الحول؟
لا يشترط في الحاصلات الزراعية أن يحول عليها الحول حتى تزكى، وموعد إخراجها هو موعد حصادها لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام من الآية:141]، اللهم إلا إن كان له تجهيز متعلق بالحصاد مثل التجفيف أو التقشير ونحوه.
زكاة الأنعام:
لاخلاف بين الفقهاء على وجوب الزكاة في النعم إذا توافرت الشروط المحددة لذلك وهى:
1- أن تبلغ النصاب الشرعي وهو في الإبل خمس، وفي الغنم أربعون شاة، أما في البقر والجاموس فهي ثلاثون من أي منهما.
2- أن يحول عليها الحول بأن يبدأ الحول وهى بالغة النصاب وينتهى وهى كذلك.
3- أن تكون سائمة أي ترعى في مرعى عام مباح للجميع معظم أيام السنة، فعن أنس رضي الله عنه: "أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فيما يتعلق بفريضة الزكاة التي فرضها الرسول صلى الله عليه وآله سلم فذكر ضمنها «وفي صدقة الغنم في سائمتها...» (صحيح النسائي:2446) الحديث، وبذا يظهر الفرق بينها وبين المعلوفة والتي ذكرنا زكاتها في موضوع عروض التجارة.
4- أن لا تكون الإبل والبقر والجاموس عاملاً كأن يكون مستخدمًا في الحرث أو النقل ونحو ذلك، فعن على رضي الله عنه قال: "ليس في الإبل العوامل صدقة" (رواه أبو داود والدار قطنى). أما الزكاة الواجبة في كل من هذه الأصناف فهي على النحو التالي: (حسب رأي الجمهور).
أولا- زكاة الإبل:
من 5 إلى 9
شاة واحدة من 10 إلى 14
شاتان من 15 إلى 19
ثلاث شياه من 20 إلى 24
أربع شياه من 25 إلى 35
بنت مخاض واحدة (وهي أنثى الإبل التي أتمت سنة وقد دخلت في الثاني، سميت بذلك لأن أمها لحقت بالمخاض وهي الحوامل).
من 36 إلى 45 بنت لبون واحدة (هي أنثى الإبل التي أتمت سنتين وقد دخلت في الثالثة، سميت بذلك لأن أمها وضعت غيرها وصارت ذات لبن).
من 46 إلى 60 حقة واحدة (هي أنثى الإبل التي أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل).
من 61 إلى 75 جذعة واحدة (وهي أنثى الإبل التي أتمت أربع سنين ودخلت الخامسة).
من 76 إلى 90 بنتًا لبون.
من 91 إلى 120 حقتان.
من 121 إلى 129 ثلاث بنات لبون.
من 130 إلى 139 حقة + بنتا لبون.
من 140 إلى 149 حقتان + بنت لبون.
من 150 إلى 159 ثلاث حقاق.
من 160 إلى 169 أربع بنات لبون.
من 170 إلى 179 ثلاث بنات لبون + حقة.
من 180 إلى 189 بنتا لبون + حقتان.
من 190 إلى 199 ثلاث حقاق + بنت لبون.
من 200 إلى 209 أربع حقاق أو خمس بنات لبون.
وهكذا ما دون العشر عفو، فإذا كملا عشرًا انتقلت الفريضة ما بين الحقاق وبنات اللبون على أساس أن في كل خمسين يخرج حقة وفي كل أربعين يخرج بنت لبون.
ثانيًا: زكاة الغنم: من 1 إلى 39 لا شيء.
من 40 إلى 120 شاة.
من 121 إلى 200 شاتان.
من 201 إلى 399 ثلاث شياه.
من 400 إلى 499 أربع شياه.
من 500 إلى 599 خمس شياه.
وهكذا في كل مائة شاة.
ثالثًا: زكاة البقر والجاموس: حسب القول المشهور الذي أخذت به المذاهب الأربعة:
من 1 إلى 29 لا زكاة فيها.
من 30 إلى 39 تبيع أو تبيعة (ما له سنة وطعن في الثانية).
من 40 إلى 59 مسنة (ما له سنتان وطعنت في الثالثة).
من 60 إلى 69 تبيعان.
من 70 إلى 79 مسنة وتبيع.
من 80 إلى 89 مسنتان.
من 90 إلى 99 ثلاثة أتبعة.
من 100 إلى 109 مسنة وتبيعان.
من 110 إلى 119 مسنتان وتبيع.
من 120 إلى 129 ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة.
مصارف الزكاة:
لقد تحددت مصارف الزكاة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
1- الفقراء: الفقير هو من لا يجد قوت يومه وقد يكون له دخل لكنه أقل بكثير من قوت يومه فلا يكفيه وقد يسأل الناس أن يكفوه المؤنة وقد لا يسألهم، وهو على كل حال أشد حاجة من المسكين، وفقره ظاهر للعيان.
2- المساكين: المسكين هو من له دخل لكنه لا يكفيه قوت يومه، وهو عادة لا يسأل الناس وقد لا يفطنون لفقره. والمشروع أن يصرف للفقير والمسكين من الزكاة ما يخرجهما عن حد الحاجة إلى حد الغنى.
3- العاملون عليها: ويعطون من الزكاة بقدر عملهم أجر المثل.
4- المؤلفة قلوبهم: يقصد بهم الذين يتآلفون بالعطاء وتستمال قلوبهم به، وهم صنفان كفار ومسلمون، فالكفار المؤلفة قلوبهم نوعان:
النوع الأول: من يرجى إسلامه فيعطى من سهم المؤلفة لتقوي نيته فيه، وتميل نفسه إليه فيسلم.
النوع الثاني: من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وكف شر غيره معه، فيعطى من سهم المؤلفة لذلك.
أما المسلمون المؤلفة قلوبهم فهم أنواع منهم على سبيل المثال لا الحصر:
الأول: قوم سادات من المسلمين يطلب بتأليفهم إسلام نظائرهم من الكفار.
الثاني: سادات مطاعون في قومهم أسلموا ونيتهم ضعيفة في الإسلام؛ فيعطون ليقوى إيمانهم ويثبتوا.
5- الغارمون: الغريم هو المدين، والغرماء ثلاثة أنواع:
الأول: من غرم لإصلاح ذات البين، بأن يستدين مالاً ليصرفه على الإصلاح بين متخاصمين أو تسكين فتنة بين فريقين؛ فهذا يصرف له من سهم الغارمين في الزكاة سواء كان غنيًا أو فقيرًا تشجيعًا له على عمل المعروف.
الثانى: من أستدان لإصلاح حاله أو لعمارة مسجد أو إكرام ضيف وعجز عن أداء دينه، فيعطى من الزكاة ما يفي بدينه.
الثالث: الغارم لضمان، وهو من لزمه دين بطريق ضمان مدين معين بدينه، فيعطى من هذا السهم إن أعسر مع المدين الأصلى وعجز عن سداد الدين وإن لم يكن متبرعًا بالضمان، أو أعسر وحده، وكان متبرعًا بالضمان.
6- في سبيل الله: ويقصد به الإنفاق على الجهاد في سبيل الله والمجاهدين في سبيل الله وإعداد آلات الجهاد ونحو ذلك.
7- ابن السبيل: وهو المسافر الذي ليس معه ما يرجع به إلى بلده، وليس عاصيًا بسفره، فيعطى من مال الزكاة بقدر ما يكفيه ليرجع لبلده وماله، حتى لو كان لديه مال في بلده ما دام لا يستطيع أن يصل إليه.
وإلى هنا انتهى مقال الزكاة..
أسأله سبحانه أن ينفع به كاتبه وقارئه وأن يجعله تعالى خالصًا لوجهه الكريم.
- التصنيف: