الله القادر والقدير والمقتدر
والايمان بالقدرة على الخلق وحدها دون الإقرار بالعبودية غير مجزئ يقول بن تيمية رحمه الله: "وليس المراد «بالإله» هو القادر على الاختراع، كما ظنّه من ظنّه من أئمة المتكلمين، حيث ظن أن الإلهية هي القدرة على الاختراع، وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أنه لا إله إلا هو
وجميع هذه الأسماء وردت في القرآن وأكثرها وروداً القدير ثم القادر ثم المقتدر قال تعالى: {والله على كل شيء قدير} [البقرة:20] وقال: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} [الأنعام: ٦٥]، وقال: {وكان الله على كل شيء مقتدرا} [الكهف:45] وجميعها تدل على ثبوت صفة "القدرة" لله تعالى، وهي صفة ذاتية (1) لله فهو سبحانه وتعالى كامل القدرة فبقدرته أوجد الموجودات ودبرها وبقدرته سواها وأحكمها، وبقدرته يحي ويميت ويبعث العباد ويقلب القلوب ويصرفها عمن يشاء، ولكمال قدرته لا يحيط أحدٌ بشيء من علمه إلا بماء شاء أن يعلمه إياه، ولكمال قدرته خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسَّه من لغوب يقول تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق:38]، وإنّ نَفْي مس اللغوب الذي هو التعب والإعياء دل على كمال القدرة، ونهاية القوة؛ بخلاف المخلوق الذي يلحقه من النصب والكلال ما يلحقه.
والايمان بالقدرة على الخلق وحدها دون الإقرار بالعبودية غير مجزئ يقول بن تيمية رحمه الله: "وليس المراد «بالإله» هو القادر على الاختراع، كما ظنّه من ظنّه من أئمة المتكلمين، حيث ظن أن الإلهية هي القدرة على الاختراع، وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أنه لا إله إلا هو، فإن المشركين كانوا يقرُّون بهذا وهم مشركون. بل الإله الحق هو الذي يستحق أن يُعبَد فهو إلهٌ بمعنى مألوه، لا إله بمعنى آلِه. والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له، والإشراك أن يجعل مع الله إلهًا آخر." أ.هـ
كذلك لا نؤمن بقدرة الله دون الإيمان بقَدَرِه عز وجل؛ فإن من أصول الإيمان العظيمة الإيمان بالقدر كما في قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر:49] ومن لا يؤمن بالقدر لا يؤمن بالله عز وجل إلهًا معبودًا، قال الإمام أحمد "القدر قدرة الله" فإنكار القدر إنكار لقدرة الله تعالى وجحد صفاته سبحانه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "القدر نظام التوحيد فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها ومن وحد الله تعالى وكذب القدر نقض التوحيد."
قال ابن القيم رحمه الله: " وهذا من فقه ابن عباس رضي الله عنهما وعلمه بالتأويل ومعرفته بحقائق الأسماء والصفات فإن أكثر أهل الكلام لا يوفون هذه الجملة حقها وإن كانوا يقرون بها فمنكروا القدر وخلق أفعال العباد لا يقرون بها على وجهها ومنكروا أفعال الرب تعالى القائمة به لا يقرون بها على وجهها بل يصرحون أنه لا يقدر على فعل ما يقوم بها ومن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء لا يقر بأن الله على كل شيء قدير، ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه لا يقر بأن الله على كل شيء قدير."
ثمرة الإيمان بصفة القدرة الإلهية
هذا وإن للإيمان بقدرة الله عز وجل التي دل عليها أسماؤه "القدير والقادر والمقتدر" آثارًا عظيمة وثمارا مباركة تعود على العبد في دنياه وآخرته منها:
- أن يقوي في العبد الاستعانة بالله وحسن التوكل عليه وتمام الالتجاء إليه كما في الحديث «
» الحديث، رواه الترمذي في جامعه برقم [٢٥١٦] وقال حسن صحيح.- ومنها تكميل الصبر وتتميمه وحسن الرضا عن الله قال ابن القيم: "من ملأ قلبه من الرضا ملأ الله صدره غنى وأمنا وقناعة، وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه ومن فاته حظ من الرضا امتلأ قلبه بضد ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه".
- ومن آثاره سلامة الإنسان من أمراض القلوب كالحقد والحسد ونحوهما.
- ومن آثاره تقوية عزيمة العبد وإرادته في الحرص على الخير وطلبه والبعد عن الشر والهرب منه.
- ومن آثاره حسن رجاء الله ودوام السؤال والإكثار من دعائه لأن الأمور كلها بيده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفا بها، كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة
المصادر
فقه الأسماء الحسنى، عبد الرازق بن عبد المحسن البدر
التدمرية: تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع (ص: 185و185- و 58و59)،ابن تيمية
تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (ص: 22).
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، لابن عثيمين (ص: 25).
- التصنيف:
- المصدر: