لا تذهبوا بعيداً
إن الاغتصاب قتل معنوي للأنثى، ولذلك فإن الحرة الشريفة تقاوم وتدافع عن شرفها وعرضها حتى الرمق الأخير، وتنال الشهادة في سبيل دفاعها عن عرضها، وهي مُثابة على ذلك إذا فعلته من تلقاء نفسها.
إذا كانت الصراعات من السنن الكونية، فإن العقلاء هم من يجعلون صراعاتهم نظيفة، وبقدر ما تسمو الصراعات عن النذالات والجرائم ضد الإنسانية، بقدر ما يكتب التاريخ عظمة أطرافها، أما حين يغيب الشرف عن الصراع والخصومة، وتقع الانحرافات والكوارث الأخلاقية، فإن الموازنات والفتاوى غالبًا ما تُبنى على المقارنة بين الكبير من الذنوب والأكبر منها، وفي الحفاظ على الضرورات الخمس بين الأَولى فالأَولى، حسب ترتيبها الذي جاء به الشرع الحنيف.
* قصة اغتصاب الفتاة المصرية (فاطمة يوسف) التي صارت حديث القنوات والصحف والمقالات، والتي بدا أنها فخٌ تورط فيه كثيرون من الذين أسرفوا في اتخاذ الدموع والمآسي، وأحيانًا النواح والتهديد بالملاحقات في المحافل الدولية! وسيلة بارزة في مواجهة جيوش وجحافل خصومهم، هذه القصة تعيد إلى الأذهان ما جرى للفتاة (ندى أشرف) على يد الضابط الذي ألقى القبض عليها، وقصّت قصتها في ظهور كامل عبر البث الفضائي، ولم تُعالَج معالجة قصة فاطمة، ولم تستطع في حينها ولا حتى ذلك الحين وزارة الداخلية المصرية أن تدحض روايتها أو تكذبها بنفس الأسلوب الذي حدث مع فاطمة، وإن كنت في حينها ممن يأملون أن يثبت كذب هذه الروايات جميعًا، وألا يكون لهذا الملف وجود في الصراع القائم.
* لا ينبغي لنا أن نكلّ أو نملّ إذا جاءت المناسبة التي توجب التذكير بــ(هالة محمد أبو شعيشع، وإسلام عبد الغني عميش، وآمال متولي فرحات، وفريال إسماعيل الزهيري، وأسماء محمد البلتاجي، وحبيبة أحمد عبد العزيز، ورُفيدة محمود سيف، وسندس أبو بكر، وشيماء الصباغ)، هؤلاء النسوة بين أمهات وزوجات وعذارى، واللواتي حصدهن الرصاص في مصر منهن من كانت تحمل باقة ورود لتحيي ذكرى زملائها الذين قضوا نحبهم في ميدان التحرير على يد الكائنات الفضائية! التي نزلت من المريخ قتلتهم ثم صعدت سريعًا بما يحول دون الوصول إليهم أو معرفتهم..
ولم يكن من بين هولاء الفتيات من تخلت عن شرفها وعفتها، وقبلت أن تقول للعالم كله أنها فقدت بكارتها وعذريتها على يد ضباط الشرطة افتراءً وكذبًا عليهم، وليس من بين عائلات وأسر هذه النسوة من يقبل أن يصل إلى درجة من الدياثة يسمح فيها لابنته أو أخته أن تتاجر بسمعتها وشرفها مهما كان الترغيب أو الترهيب، لم يحدث شيء من هذا كله من هؤلاء الفتيات، ورغم ذلك فقد أُزهقت أرواحهن، وتم قتلهن تحت مرآى ومسمع من المنظمات الحقوقية والحقوقيين المنشغلين بماضي الأرمن وماضي تركيا، ولا يعبأون بحاضر مصر التي فاضت على أرضها هذه الأرواح البريئة.
* إن الاغتصاب قتل معنوي للأنثى، ولذلك فإن الحرة الشريفة تقاوم وتدافع عن شرفها وعرضها حتى الرمق الأخير، وتنال الشهادة في سبيل دفاعها عن عرضها، وهي مُثابة على ذلك إذا فعلته من تلقاء نفسها.
* يقول سلطان العلماء (العز بن عبد السلام) في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: "إذا تفاوتت رتب الفسوق في حق الأئمة قدمنا أقلهم فسوقًا، مثل إن كان فسق أحد الأئمة بقتل النفوس، وفسق الآخر بانتهاك حرمة الأبضاع، وفسق الآخر بالتضرع للأموال، قدمنا المتضرع للأموال على المتضرع للدماء والأبضاع، فإن تعذر تقديمه قدمنا المتضرع للأبضاع على من يتعرض للدماء، وكذلك يترتب التقديم على الكبير من الذنوب والأكبر والصغير منها والأصغر على اختلاف رتبها" (انتهى كلامه رحمه الله).
* ديننا الذي ندين به لله هو دين يعرف حرمة الإنسان، ويكفل له الحرية والحق في الحياة مالم يرتكب نواقضها، ويجعل أكبر الموبقات هو الكفر بالله، ثم قتل النفس البريئة، أو إفقادها لعقلها، ثم هتك عرضها واستحلال بضعها بغير حقه، ثم التعدي على مالها وممتلكاتها، ومن قدّم البضع على النفس، وجعل جريمة اغتصاب الأنثى أكبر من جريمة قتلها، فقد شرّع للناس مالم يأذن به الله ومالم يشرعه الله لعباده.
ولذلك مهما كان من ادعائات شياطين الإنس في صرف الناس عن مقاصد هذا الدين وضروراته الخمس، تارة بالقدح في ثوابت الملة، وتارة بالدعوة إلى التخلص من الحجاب، وتارة بمسلسلات فاطمة يوسف، فنقول لهؤلاء جميعًا: ما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟ قتلتموها بالأمس ونزعتم منها روحها، وتدعون اليوم أنكم لم تغتصبوها!
- التصنيف: