هل تهتم بآخرتك ؟
يعيش المؤمن الداعية كثيرا من الهموم، وربما كان تكاثر الهموم سببا لتشتيت القلب عن الهدف، ولصرف الهمة إلى مشاغل أهل الدنيا واهتماماتهم فتزول الميزة وينعدم التميز وتختلط الموازين.
يعيش المؤمن الداعية كثيرا من الهموم، وربما كان تكاثر الهموم سببا لتشتيت القلب عن الهدف، ولصرف الهمة إلى مشاغل أهل الدنيا واهتماماتهم فتزول الميزة وينعدم التميز وتختلط الموازين.
إن من هوان أمر الدنيا أن جعلها الله لا تدوم لأحد: " إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه"، وإنما هي أيام يداولها الله بين الناس، فيرفع أقواما ويضع آخرين، ويعز أقواما ويذل آخرين لتتحقق حكمة الله في ابتلاء العباد.
إن الله يعطي الدنيا للمؤمن والكافر ولا يعطي الدين إلا لمن يحب. وقد تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن عمرو حين رآه يصلح جدار بيته ويطينه فأراد أن يخلي قلبه من التعلق بالدنيا وأن يذكره بقرب الأجل للاستعداد له فقال صلى الله عليه وسلم: «ولا تنس نصيبك من الدنيا}، بحيث يبقى على جادة القصد والتوازن.
»، ليجعل الآخرة همه والاستعداد لها شغله فإذا بالغ امرؤ في الانصراف عن إعمار الدنيا والسعي فيها فيحتاج إلى لفتة من نوع آخر {وإن العبد المحفوف بالنعيم قد يكون مستدرجا لمزيد من المسؤولية والعذاب وهو لا يدري: " إذا رأيت الله يعطي العبد نم الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج" فلا تحزن على ما فاتك منها، ولا تمدن عينيك إلى ما أوتي الناس من الدنيا فربما كانوا لا يحسدون عليها إذا لم يؤدوا حقها.
والخطورة في أن تكون هذه النعم الأجر العاجل ليُحرم صاحبها الأجر الآجل حيث يكون في أشد الحاجة لما يرجح كفة حسناته؛ ولذلك طيّب رسول الله خاطر أصحابه حين ذكروا نعيم الروم والفرس فقال: " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا".
وغالب حال الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً} (الإسراء:18)
». وذلك لقلة الشاكرين، وكما قال ربنا عز وجل: {وكل نعمة مهما صغرت، عليها حساب ومسؤولية. فالمسكين من لم يقم بحقها لا من حرم منها في الدنيا: " إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نُصِِحَّ لك جسمك ونُرَوِّك من الماء البارد؟".
ولذلك كان من علامة طريق الجنة أنه محفوف بالبلاء، ولا يهون البلاء إلا على من جعل الآخرة همه: "حُفَّت الجنة بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات".
وإن مسؤولية المسلم الذي يقدر الله حق قدره أن يوحد همه فيفكر في المآل والمصير لا أن يصرف كل جهده وفكره ووقته في صغائر الأمور وتوافهها. وبقدر ما يكون لله في قلب العبد من توقير وإجلال و رهبة يكون للعبد عند الله من الأجر والمنزلة: " من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده".
ومن كان دائم التفكير في رضى الله فإنه لا تشغله النعمة ولا يعميه البلاء، ومن كان مع الله في اليسر كان الله له في العسر: " تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
ومثل هذا الحال يقتضي من المؤمن أن يكون دائم الرقابة لله والحياء منه أكثر مما يحتاط ويستحي من البشر: " ما كرهت أن يراه الناس منك فلا تفعله بنفسك إذا خلوت". و"اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
والمهتم بآخرته إذا ذكر بخطئه سريع الفيئة قريب الرجعة: " إذا ذُكِّرتم بالله فانتهوا ".
والذي يخاف الله في الدنيا ويحذر معصيته ويحتاط لأمر آخرته فذلك هو الآمن يوم القيامة، قال الله تعالى: « ».
والمهتم بآخرته يفكر فيما يقربه إلى الجنة ويباعده من النار، وقد جعل الله مدار المسؤولية على انبعاث إرادة الإنسان إلى الطاعة أو المعصية، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: «وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} [مريم: من الآية76].
» وإذا صدق المرء في مجاهدة نفسه يسّر الله له السبيل {والمهتم بآخرته لا يرى الدنيا دار قرار لشعوره بقرب الرحيل إلى دار الخلود، قال صلى الله عليه وسلم: «
».ولذلك كان مما تعجب منه صلى الله عليه وسلم انفتاح الخير وغفلة الإنسان عنها وملاحقة الفتن للمرء وعدم فراره منها: « »، بينما يكون المهتم بآخرته شديد الحرص على اتقاء المنكرات، والمسارعة في الخيرات.
وحال المهتم لأمر آخرته التخفف من العلائق والزهد بالصوارف: «
»، والجدية في الحياة علامة مميزة للراغب الراهب: « »، والهمة في العمل علامة صدق الاستعداد للآخرة والخوف من الله، وذلك ما مثّله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: « »، أما من كان سفره طويلا، وانطلاقه متأخرا، وحركته بطيئة، وهمته ضعيفة فلن يبلغ مراده، ولن يصل إلى مقصوده.ومن أهم ما يورثه الاهتمام بأمر الآخرة أن يزيح الله به عن القلب باقي الهموم ليصفو القلب لله وإن كان في بحر من الابتلاءات. قال صلى الله عليه وسلم: «
».«
».فتجارة الآخرة لا تبو، والتهافت على الدنيا لا يغير المقدور، وفقنا الله والناس جميعا لما يحب ويرضى ، والحمد لله رب العالمين.
- التصنيف:
- المصدر: