خطورة التحرش، وأهمية توعية الأبناء.

منذ 2015-04-30

وعادة يكون التحرش عن طريق كَسْب ثقة الطفل أو تخويفه وتهديده، أو تعلُّق الطفل به بحيث يَقبل منه أيَّ تصرف، وهذا غالبًا يتم من شخص قريب للعائلة، ولدَيه إدراكٌ بحالة الطفل النفسية، فقد يكون أحدَ الأقارب، أو المدرِّبَ بالنادي، أو المعلِّم بالمدرسة، أو الخادمَ أو...

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

أما بعد:
قصص واقعية:
(1)
في إحدى دول الخليج أخبرتنا رفيقتنا قائلة:
عاد عبد الرحمن ذو السبع السنوات من مدرسته، ووقف مع والدته بالمطبخ كعادته؛ ليحكيَ لها ما مرَّ به في يومه، ثم قال بتردُّد: "شيء ما عجيب حدَث اليوم يا أمي!"

فنظرَت له الأم ولاحظت تردده، فعادت تنظر لما في يديها؛ ليستطيع التحدث بأريحية وسألته: "وما هو يا بني؟"
فقال: "ونحن بالباص (الحافلة) وبعد أن نزل مجموعة من الأولاد، قال أحد زملائي (في السابعة من عمره): "تعالَ أريد أن أُريَك شيئًا سيفيدك كثيرًا".

وذهبنا للجلوس في آخر الباص، وفجأة أخرج عورته من البنطلون.

فتماسكَت الأم واستمرَّت تنظر لما في يديها وقالت: "وماذا فعَلتَ؟"
فأكمل وهو يسترِقُ النظرات لوجه أمه: أدَرْت وجهي للاتجاه الآخر وقلت له: ماذا تفعل؟! هذا عيب ولا ينبغي لك فعلُ هذا، وطلبتُ منه ألا يفعلها مرة أخرى مع أي أحد، فأخبرني أنه يفعلها مع صديق واحدٍ فقط، ولم يستجب لنصحي.

فاطمأنَّت الأم ونظرت إليه بابتسامة مطمئنة وقالت: "أحسنتَ يا بُني، هل تتذكر قصة قوم نبيِّنا لوط عليه السلام، الذين عذَّبهم الله عذابًا شديدًا؟"
قال: نعم.

قالت: لقد عذبهم الله؛ لأنهم فعَلوا ما يشبه ذلك؛ فهذا الفعل فيه كشفٌ للعورة، ويؤدِّي إلى فعل أشياء محرمة.
ففزع عبد الرحمن حينما علم فَداحة هذا الفعل وقال: "إذًا يَنبغي أن أُخبر ذلك الولد؛ حتى لا يعذبه الله مثل قوم نبينا لوطٍ عليه السلام.

(2)
وفي دولة عربية أخرى:
أتَتنا إحدى الأخوات سائلة النُّصح وقالت: "إحدى الفتيات في العاشرة من عمرها، تشتكي من معلِّمها وتقول: إنه يمسك يدها كثيرًا ويُبقيها بالصف بعد خروج جميع الطلبة، وفي ذلك اليوم أخرج الجميع وأبقاها وحدها، وأغلق الباب عليهما، ثم طلب منها أن تُحضر كتابًا من فوق الرفِّ (القريب من الشباك)، وحينما ذهبَت لتُحضره، وجدَته يقف خلفها مباشرة ليأخذ الكتاب بنفسه من على الرف، وفي نفس اللحظة كانت هناك فتاةٌ في الصف السادس بالمبنى المقابل تقف في شباك فصلها، وحينما رأَتِ المعلم قامت بقذف قبلة في الهواء للمعلِّم! فتراجع المعلم وابتعد عن هذه الفتاة".

تقول الأخت: "إن والد الفتاة عاجزٌ عن التفكير، ولا يعلم هل تتخيَّل الفتاة ذلك أم أنه حدث فعلًا، وكيف يمكن حلُّ المشكلة لو ثبت صحتها؟!

(3)
ومن دولة عربية ثالثة راسلَتني إحدى الأخوات تحكي لي عن موقفٍ حدث بعَملها (رياض الأطفال) وكيف أنَّها نادمة على ردِّ فعلها، وتريد أن تَعلم ما التصرف الأمثل لمثل هذا الموقف.

فقد وجدَت أن هناك أختين إحداهما في السادسة من عمرها والأخرى في الرابعة من عمرها، يأخذان الفتيات الأقلَّ منهما عمرًا ويذهبان بهما إلى الحمام (المخصص للاستحمام)، ويقومان بتقبيل الفتيات من فمِهن، فقامت المعلمة بضربهما ومعاقبتِهما؛ حتى لا يتكرر التصرُّف، لكن النتيجة أنهما أصبحتا أكثر حرصًا على القيام بذلك خِلسة منها! وقد قامت المعلمة بتبليغ الإدارة ولكنهم لم يفعلوا شيئًا.

فسألَتني: "ماذا كان يمكنها أن تفعل مع الفتيات حتى لا يكرِّرنَ هذا التصرف؟"
•     •    •

حينما نسمع عن قصص التحرش، نجد أنفسنا نتعاطف معها، ولكنها تكون ذاتَ تأثير أعمقَ، ووقعٍ أكبرَ على النفس إذا كنتِ قريبةً من الأحداث، فأول قصَّتين عايشتُ أحداثهما بنفسي يومًا بيوم، وكان الفارق الزمني بين الحادثتين هو أسبوعًا واحدًا، وقد وقعتا عليَّ وعلى رفيقاتي كالصاعقة، وحاوَلْنا بقدر المستطاع التعاونَ على التفكير في اقتراحات لحلِّ المشكلتين، وفي نفس الوقت كانت تلك الحادثتان كتنبيهٍ لنا على أهمية توعية أبنائنا مهما صَغُر سنُّهم.

فالقصة الأولى حدثَت في بلد يُجَرِّم التحرش ويعاقب المتحرشين عقوبةً شديدة، مما سهَّل الأمر على الوالدين؛ فقد قاما باستدراك ابنهما بطرق مختلفة ليَحكي القصة من عدة جوانب؛ حتى يكون لديهم إلمامٌ تام بالأمر، ثم اتَّصلا بمدير المدرسة بدون علم ابنهما وأخبَراه بما حدث، طالبِين منه معالجة الأمر في صمت، وبأقلِّ قدر من المشاكل مع الطفل الآخر، فقام المدير باستدعاء ذلك الطفل وواجهَه، فأنكر، فظل المدير يحاوره لمدة نصف الساعة تقريبًا، وفي النهاية اعترف الطفل بكل شيء حينما لاحظ إصرار المدير؛ ظانًّا أن هناك كاميرات بالباص سجَّلَت كل شيء، وتم التعامل مع ذلك الطفل وإخبارُ أهله باعترافه.

أما القصة الثانية، فقد عاش الوالدان في حالة عدم تصديق لابنتهما؛ خوفًا أن تكون تخيَّلَت الأمر، خاصة أنهم في بلد انتشر فيها الفسادُ بشكل كبير، ولو لم يُوجد دليل قاطع لا يَقبل الشكَّ على حدوث تلك الواقعة، فستَتعرَّض الفتاة وأهلُها لمأساةٍ كُبرى وفضيحة أيضًا؛ لذلك لم يكن من الوالدين سوى التعاملِ بكل سلبية مع الوضع؛ عن طريق إرسال وسيطٍ ليسأل المعلِّم: هل فعلًا حدَث ما روَتْه ابنتهما، فكان جواب المعلم: بالطبع لا، لم يحدث، بل أبقيتُها بالصف وحدَها عقوبة لها على مشاغبتها.

وبعدها جاءني سؤال الأخت المعلِّمة، فعلمتُ أن الأمر صار أخطر مما أظن، وأن التحرش قد انتشر كالوباء بمختلِف أشكاله بين الأطفال، وفي مختلِف البلدان؛ لذلك قمتُ بكتابة هذا المقال بالاستعانة بالأفكار التي تمت مناقشتها مع رفيقاتي، وقد اشتمل المقال على:
• معنى التحرش بالطفل.
• أنواع وأشكال التحرش.
• كيف يتم اختيار المتحرَّش بهم؛ من حيث العمرُ والشخصية؟ وكيف يقع الاعتداء؟
• كيف يتم توعية الأبناء قبل التحرش؟
• نصائح للآباء والأمهات.
• كيف يدافع الأبناء عن أنفسهم في حال تعرضوا للتحرش؟
• أعراض التحرش.
• كيف تتعاملين مع الموقف إذا تحرش أحدهم بأطفالك؟ وكيف تتعاملين مع طفلك؟
• أهمية إشعار الطفل بالثقة والأمان بعد التجربة.
• كيف تتأكدين أن طفلك تعرض فعلًا للتحرش قبل الإقدام على أي إجراء مع المتَّهم بالتحرش بطفلك؟
•     •     •
- معنى التحرش بالطفل:
هو استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسيَّة لشخص مراهق أو بالغ، وأحيانًا يتم بين طفلين (لا يُدرِكان معنى الشهوة) من باب اللعب والاستمتاع، واكتشاف أعضاء الجسم، وفي بعض الحالات يكون رغبةً في إشباع احتياج عاطفي أو نفسي لم يجده بالبيت.

كل ذلك عن طريق تعريض الطفل نفسه أو غيره لأيِّ نشاط أو سلوكٍ جنسي.

- أنواع وأشكال التحرش:
للتحرش أشكال كثيرة مختلفة، ومنها:
• النظر: بأن ينظر المتحرِّش بطريقة غير لائقة للطفل، أو لأجزاء معيَّنة لجسد الطفل.

• الكلام: بأن يُبديَ المتحرش تعليقاتٍ جنسيةً عن جسد الطفل، أو ملابسه، أو حركته. وقد يَحكي قصة جنسية أو نكات.

• الصور: بأن يَعرِض صورًا أو أفلامًا أو مقاطعَ جنسية على الطفل.

• اللمس: بأن يتحسس المتحرش جسد الطفل، أو يطلب من الطفل أن يلمس أماكن من جسده؛ كالاستمناء، أو لمس أماكنَ من جسد المتحرش، أو حتى التقبيل.

• التعري: بأن يقوم بتعرية أماكنَ حساسة من جسده، أو جسد المتحرش به.

- كيف يتم اختيار المتحرَّش بهم من حيث العمر والشخصية؟ وكيف يقع الاعتداء؟
يركز المتحرش عادة على الطفل الهادئ الصغير؛ كونه لا يفهم ولا يُصدِر ردَّات فعل، ويكون ذلك لأطفال من عمر عامين، وقد يصل إلى عمر 10 سنوات تقريبًا، وقد يتم أحيانًا بين أطفال مشاكِسين باتفاق مسبق بينهم على تلك الحركات، خصوصًا لو كان أحد أفراد العائلة يشاهد الأفلام الإباحيَّة.

ولا يعني هذا عدمَ تعرُّض المراهقين للتحرش، بل أثبتَت الدراسات أن المراهقين أكثرُ عُرضة من الأطفال للتحرش، لكنهم أكثرُ صمتًا في الإفصاح عن ذلك؛ لِفَقْد لغة الحوار بينهم وبين الأهل في تلك المرحلة العمريَّة، أما الطفل فهو أكثر إفصاحًا عمَّا يتعرض له من مواقف.

وعادة يكون التحرش عن طريق كَسْب ثقة الطفل أو تخويفه وتهديده، أو تعلُّق الطفل به بحيث يَقبل منه أيَّ تصرف، وهذا غالبًا يتم من شخص قريب للعائلة، ولدَيه إدراكٌ بحالة الطفل النفسية، فقد يكون أحدَ الأقارب، أو المدرِّبَ بالنادي، أو المعلِّم بالمدرسة، أو الخادمَ أو...

لذلك يجب على الوالدين تعميقُ علاقتهم بالأبناء، والتقرُّب إليهم؛ ليكونا على دراية كاملة بكل ما يحدث لأبنائهم، فيَستطيعا التدخل بالوقت المناسب.

- كيف يتم توعية الأبناء قبل التحرش؟
تتعدد طرق توعية الأبناء ضد التحرش؛ سواء كانت بالتصريح، أو التلميح، ويَبقى أفضلها ما لا يَلفِت انتباهَ الطفل لأمر التحرش؛ حتى لا يبدأ التفكير فيه وتخيُّل ما لم يَحدث، وِمن أفضل الطرق التي اقترحَتها إحدى رفيقاتي هي طريقة (جسدي ملكي أنا)، وهي طريقة عِلمية وممتعة للطفل؛ حيث يتعرَّف على:
• أجزاء جسمه ووظيفتها بطريقة عِلمية.
• شُكر الله على تلك النعمة.
• كيفيَّة المحافظة على نظافتها.
• كيف نحميها ونمنع أي شخص أن يؤذيَها؟

وبذلك نكون تطرَّقنا للجانب الخلقي، والعلمي، والصحي، والنفسي، والديني؛ بدون ذِكْر أي شيء عن التحرش.

وتقومين فيها كلَّ يوم بالتحدث عن جزء معين من أجزاء الجسم، مع إحضار صورةٍ لهذا الجزء، وكذلك الإشارة إليه في جسد طفلك؛ ليربط بين الصورة وجسده، والتذكير بنعمة الله علينا في خَلقِه لنا، وكيف نهتمُّ بهذا الجزءِ وبنظافته، ثم ننبِّههم أنه إذا آذانا أحدٌ فيه، فيَنبغي أن نصرخ دِفاعًا عن أنفسنا ثم نُسرِع إلى الأبِ والأمِّ لنُخبرهم؛ ليساعدونا في العلاج المناسب، والدفاع عنَّا أمام مَن آذانا، ونركز دائمًا عند التحدث أن نقول: هذا الجزء مِلكي وحدي، ويخصُّني أنا فقط، مع التدرج في أجزاء الجسم من الرأس وحتى الأسفل.

- مثال للتوضيح:
• الشَّعر: هذا شَعري حبيبي، رزَقني الله به لِيَكون زينةً لي؛ فهو ملكي أنا، لا أحد يلمسه، لا أحد يشده، لا أحد يقصه، أشكر الله عليه بالمحافظة على نظافته وغَسلِه على الأقلِّ مرتين بالأسبوع، كما يَنبغي أن أعتنيَ به بتصفيفه بشكل مرتَّب وجميل؛ فإن قام أحدٌ بشدِّ شعري، أو لمسه، أو محاولة قصِّه بدون رضاي، أصرخ عاليًا وأمنعه؛ لأن هذا شعري أنا وملكي أنا، ثم أسرع إلى أبي أو أمِّي أو مُعلِّمتي، وأخبرهم بما حدث.

• الأذن: هذه أذني أنا؛ رزقني الله بها لأسمع، فهي ملكي أنا فقط، ينبغي ألا أسمع بها إلا ما يُرضي الله، ولا أؤذيها بالصوت العالي، ولا أسمح لأحد أن يشدَّها، ولا أسمح لأحد أن يُدخِل أيَّ شيء فيها، أشكر الله بحمايتها والمحافظةِ على نظافتها بالتخلُّص من الإفرازات بمساعدة الطبيب؛ وإن حدَث وشدَّ أحد أذني أو حاول أن يُدخل شيئًا فيها، أصرخ عاليًا وأدفعه بعيدًا، ثم أسرع إلى شخص كبير أعرفه وأثق فيه، وأخبره بما حدث؛ ليُخبر والدي ليأخذني للطبيب ليعالجني.

• الشفتان: هذه شفتاي أنا، رزقني الله بها لتكون عونًا لي على التحدث، وتكون عونًا لي على الأكل والشرب، فهي ملكي أنا فقط، لا ينبغي أن أتحدَّث بهما بسوء، ولا أن أفشيَ سرًّا، ولا أن آكُل أو أشرب بهما ما لا يُرضي الله، أشكر الله بهما بترتيل القرآن والتحدث بالكلام الطيِّب، وبتقبيل أبي وأمي من باب البر؛ فشفتاي بابٌ لأجور كثيرة عند الله عز وجل، أهتمُّ بنظافتهما بعد الطعام والشرب، وأعتني بهما ضد التشقُّق، لا أسمح لأحد بلَمسِهما ولا شدِّهما ولا الاقتراب منهما؛ وإن اقترب أحدٌ في محاولةٍ للَمسِها أدفعه بعيدًا وأصرخ عاليًا، وأجري إلى أبي وأمي لأخبرهما.

• العورة: هذه عورتي، رزقني الله بها لتُخرج الفضلات من الجسم، وهي ملكي أنا فقط، ليس من حقِّ أحد أن يراها أو يلمَسها أو يُدخل فيها شيئًا، نَشكر الله عليها بالمحافظة على نظافتها عن طريق غَسلِها بالماء جيدًا بعد عملية الإخراج؛ حتى لا تتكوَّن رائحةٌ كريهة، أو التهابات، أو غيرهما، ولا نلمَسها أبدًا إلا حينما نَغسِلها فقط، ولا نُظهِرها إلا وقتَ الإخراج فقط، ولا نجعل أحدًا يراها أو يلمَسها، أو يُدخل فيها شيئًا، فهي -مثل العين والأذن والأنف- تتأذَّى؛ فإن حاول أحدٌ رؤيتها أو لمسها أو... أدفعه بعيدًا، وأصرخ وأجري لأبي أو أمي لأخبرهم؛ حتى يأخذوني للطبيب ليعالجني، فهذا جسدي حبيبي ملكي أنا، وليس من حق أحد أن يلمسه أو يؤذيَه.

وعند الحديث عن العين، أو الأذن أو الأنف أو الفم، نَعرِض صورَ التهاباتٍ وإصابات؛ حتى يُدرِكوا الأذى الذي يمكن أن يُصيبها، ثم عند الحديث عن العورة، نَستشهِد بصور التهابات الأذن والأنف والعين والفم، ونخبرهم أنَّ منطقة العورة تتعرض للأذى أيضًا، لكننا لن نستطيع رؤيةَ صور للعورة؛ لأنها منطقة خاصة، يَحرُم رؤيتها ولمسها، ولا يحق لأحد أن يرى عورتنا، ولا يحقُّ لنا رؤيةُ عورة أحد.

ثم بعد فترة نَحكي لهم قصة قوم لوط، ونوضح أن مِن أسباب عذابهم هو كشف عورات بعضهم لبعض. وقد سرَدَتها الكاتبة هبة بنت أحمد أبو شوشة بأسلوب سهل ومشوق للأطفال؛ بعنوان قصة سيدنا لوط (للأطفال)[1].

نصائح للآباء والأمهات:
1-لا بد أن تَكونوا جزءًا من علاقة البالغين بالأولاد، فلا تَتركوهم وحدَهم مع السائق أو الخادم، أو حتى العمِّ أو الخال، ولكن كونوا دومًا في الصورة؛ بالوجود معهم، أو الاتِّصال المستمر بهم، أو حتى متابعتهم مِن على بُعد، بشكلٍ غير لافِت.

2-تقبَّلوا من أبنائكم كلَّ ملاحظاتهم بتفهُّم وسَعة صدر، ولا تغضب إن قال: إنه يرفض السلام، أو حتى الذَّهاب لأحد الأقارب، ولا تُجبروهم على ذلك، بل تَفهَّموا موقفهم، واحترموا مشاعرهم، وحاولوا معرفة سبب رفضه.

3- لا تَفرضوا على الأبناء بأن يَقبلوا أيَّ طريقة للسلام أو التقبيل يَرغبُها الغير؛ حتى لا تتولَّد لديهم قناعةٌ بأنه لا مانعَ مِن تقبيلهم بأيِّ طريقة ومن أي شخص؛ بل لا بدَّ أن يكون هناك حدودٌ لا يتخطَّاها.

4- من المهم توثيقُ العلاقة بالأبناء، وفتحُ مجال للحوار بدون قيودٍ ولا شروط ولا حدود؛ حتى يَشعروا بأريحيَّة في إخباركم كلَّ شيء عنهم، بدون خوف ولا مُداراة؛ لأنَّ الطفل عادةً يخشى من الإفصاح عن كلِّ ما هو خطأ، إلا إذا شعَر بتفهُّم والديه، وأحسَّ بأنهم مصدرُ الأمان والاحتواء له.

5- من المهم إشباعُ احتياجات الطفل النفسية والعاطفيَّة؛ حتى لا يَذهب للبحث عن وسائلَ وطرقٍ أخرى لإشباعها في الخارج.

6- إذا حدث وتعرَّض الطفل لمشاهدَ جنسية أو رؤية العورات بطريقة عفويَّة؛ من اليوتيوب مثلًا، أو على أرض الواقع للوالدَين، واكتشف الوالدان الأمر، فينبغي التوضيحُ للطفل، بأسلوب بسيطٍ يناسب عمرَه وإدراكه ونفسيته؛ لأنَّ المعلومة وصلَته مشوَّهة، فلا بدَّ من تصحيحها، بالجلوس معه لحوار جادٍّ غير فذٍّ وغير مخجل، وتوضيح أنَّ الله عز وجل قدَّر للرجال والنساء أن يتَزوَّجوا حينما يَكبرون، وتكون بينهم علاقة طبيعيَّة، وهي التي يَنتج عنها الذريَّة، وعلى حسب السنِّ والأسئلة يتم التدرُّج في الحوار والنقاش، بدون التطرُّق للتفاصيل.

7- من المهم جدًّا تعليمُ الطفل الاستقلاليَّة؛ بحيث يُبدِّل ملابسه بنفسه، وتطهيرَ نفسه وتنظيفَها، وبذلك يقلل من فرص التعرِّي أمام الآخرين، مما يقلل من فرص التحرش به.

8- ينبغي توخِّي الحذر إذا لعب الطفلُ مع مَن هم أكبرُ منه، ومتابعتُهم في لَعبِهم، وألا يُغلَق عليهم بابٌ عند لعبهم.

9- ينبغي أن يكون الوالدان قدوةً للأبناء في عدم مشاهدة أي شيء يخدش فطرتهم وحياءهم؛ حتى لا يذهب الأبناءُ للبحث ومشاهدة تلك المَشاهد ومحاولة تقليدها.

- كيف يدافع الأبناء عن أنفسهم في حال تعرضوا للتحرش؟
من التساؤلات التي تدور عادة في ذهن الآباء والأمهات، كيف يقوم الأطفال بحماية أنفسهم من المتحرشين؟

- والحماية نوعان:

  • الأولى: التحصين بالأذكار والأدعية المأثورة؛ مثل تعليمِهم قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءَ كلِّ ليلةٍ: بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، وهو السميعُ العليمُ - ثلاثَ مراتٍ، فيضرَّه شيءٌ» [2].


وكذلك استودِعاهم الله في أي وقت؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا استُودِع شيئًا حفظه، وإني أستودع الله دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالكم» [3].

  • الثانية: بتدريب الأبناء على وسائل الدفاع عن النفس، وكان مما ذكَرَته إحدى رفيقاتي هو تدريب الأبناء (من عمر عامين ونصف)، بأن تتظاهر الأمُّ أنها ترغب بإيذاء طفلها، وتَطلب منه أن يُدافع عن نفسه كما علَّمَته؛ ليتدرَّب على الحركات معها.

- كذلك من القوانين التي يجب تعليمها للأطفال (كل طفل على حسّب سنِّه واستيعابه):

1- لا تبتعد عن أهلك.

2- لا تتحدَّث مع الأغراب.
3- لا تأخُذ حلوى من الأغراب.
4- لا تأخُذ هدايا من أحد، حتى لو كان مِن المقرَّبين بدون سبب؛ فكل هدية لا بد أن يكون لها سببٌ ومناسبة معيَّنة.
5- لا تدخل الحمام مع أحدٍ مهما كان.
6- لا تبدِّل ملابسك أمام أي شخص قريب أو غريب.
7- لا تسمح بأي لمسة مريبة، ولو كانت من الأقارب.
8- لا تسمح لأحد أن يسلِّم عليك بطريقة لم تعتَدْها.
9- لا تجلس فوق حجْر شخص غريب.
10- لا تمشِ وحدك؛ فالقوَّة في الجماعة، وامشِ دائمًا في مجموعات؛ من اثنين فأكثر.
11- لا تثِقْ بشخص غريب، وابتعد فورًا واصرخ عاليًا.
12- أنت طفل شجاع، قاوِم ودافع عن نفسك بقوة وشجاعة.
13- لا تصدق الغريب مهما كان لطيفًا، حينما يقول لك: والدك أوصاني أن أوصلك للبيت!
لا تصدِّقه؛ فلو كان صحيحًا لأخبرك والدك، أو لاتَّصَل بمدير المدرسة، وينبغي أن تبتعد عن هذا الشخص فورًا، وإن لم تستطع فكن ذكيًّا؛ وأخبرهُ أن عليك أن تُحضر أختك من الداخل، واذهب وأخبِر المدير أو المُعلِّمة، أو قُل لذلك الشخص: لكن والدي هناك ينتظرني في السيارة، أو ها هو هناك، وأركض مِن عنده واصرُخ بأعلى صوتك.

14- إذا شعَرت أنَّ أحدًا يُراقبك، مَثِّل دائمًا بأن هناك مَن ينتظرك في آخر الشارع ويراك، فابدَأ بتلويح يدِك، ونادِ: أمِّي أنا هنا! أو أبي أنا قادمٌ نحوك.

15- إن أمسك بك المتحرِّش أو اقترَب منك للإمساك بك، فابتعد ثلاثَ خطوات للخلف، وابدأ بالركض سريعًا والصُّراخ بأعلى صوتك.

16- إن أمسك بك أحد وأغلق فمَك، فقم بعضِّ يده بكلِّ قوتك، واستخدم رجليك في ضربه حتى تُفلِت منه، ثمَّ ابدأ بالركض والصراخ بأعلى صوتك.

17- إن حاول أحدهم أن يُمسك بك من الأمام فابتعد إن استطعتَ ثلاث خطوات، واركض واصرخ، وإن أمسك بك فعلًا، فاستخدم رجليك في ضربه واصرخ، وارْمِ نفسك أرضًا وحرِّك جسدك أرضًا بكل قوتك وبكل سرعة في جميع الاتِّجاهات واصرخ بأعلى صوتك؛ فهذا يشتِّت انتباهَ الخاطف، ويَجعل من الصعوبة الإمساكَ بك.

18- إنْ حمَلَك أحدهم على كتفه، فعضَّ كتفه بكل قوتك، وشدَّ شعره واصرخ بأعلى صوتك، والفت الأنظار نحوك، واستعِن بكل مَن تراه والفتِ انتباههم، مع العلم حملُ الطفل هكذا وحدَه لافتٌ للأنظار.

- أعراض التحرش:
هناك بعض الأعراض التي قد تُشير أن طفلك قد تعرض للتحرش، ولا بد أن تكون الأم منتبهة لها، ومنها:
• الكوابيس واضطراب النوم.
• الميل للانسحاب الجماعي.
• فقدان الثقة بالآخرين اجتماعيًّا، وربما بعض الأقارب.
• تبول لا إرادي.
• انخفاض في المستوى الدراسي.
• تشتتُ انتباهٍ متزايد.
• انخفاض واضح في تقدير الذات.
• الانهماك في سلوك إيذاء الذات.
• إدراك مشوه للذات.
• ميول انتحارية.
• صعوبات في التواصل البصري.
• نوبات بكاء مفاجئة عند تذكُّره لحادثة التحرش.
• وغيرها من الأعراض.

- كيف تتعاملين مع الموقف إذا تحرش أحدهم بأطفالك؟ وكيف تتعاملين مع طفلك؟

  • أولًا وأهمُّ شيء هو:

بثُّ الطُّمأنينة والأمان في نفس طفلك، وإعلامه أنه بخير، وأنه لم يُخطئ، وأن تُثني على شجاعته في القدوم إليكِ وإخبارك؛ فهذا دليل على قوته وثباته، مع التأكيد على أنه قوي، ويستطيع تخطي تلك المرحلة، مع الاهتمام بعَرضِه على مستشار نفسي ليُساعده على التخلص من رواسب تلك الحادثة الأليمة.

لأنَّ التجربة ستترك أثرًا بالغًا قد يستمر لسنوات وسنوات؛ إن لم تهتمِّي بنفسية طفلك جيدًا جدًّا، وقد تتولد لديه عُقدةٌ شديدة تؤثِّر على حياته المستقبلية؛ لذلك لا بد من المسارعة في علاجها.
 

  • ثانيًا: عدم نشر الخبر؛ لأنه سيُؤثر سلبًا على طفلك، وسيَشعر بالانكسار بسبب نظرة الناس له وتعامُلهم معهم من شفَقة إلى استهزاء، وقد يَدفع الخبرُ بعضَ ضِعاف النفوس إلى تَكرار المحاولة معه، أو حتى نشر إشاعات.

 

  • ثالثًا: لا بد من البحث عن المتحرش والتعامل معه على حسب قوانين البلاد؛ فإن كانت بلد تُجرم التحرش، فالحل هو إبلاغ الشرطة فورًا، وإن كانت إحدى الدول المنتشر فيها الفساد، فلْتَتعاملي مع الموقف بما يتَناسب مع ذلك، ثم تبلِّغي طفلك ليشعر بالأمان والثقة بأنَّ والِدَيه يستطيعان حمايته.


- أهمية إشعار الطفل بالثقة والأمان بعد التجربة:
أخبرتني أكثر من زوجة بتعرضها للتحرش في صِغَرها، ومدى تأثير ذلك عليها رغم مرور السنوات وتزوُّجِها وإنجابها للأطفال.

فإحدى الأخوات تعرَّضَت للتحرش في مكان عام في أحد الأعياد، وخشيَت من إخبار أي شخص، وظلَّت ذكرى الحادث في مخيَّلتها حتى بعد مرور السنوات وتزوُّجها وإنجابها لعدة أطفال؛ لأنها كانت دومًا تَلوم نفسها أنها السبب في ذلك، فاستأذنتُها في سرد قصتها في إحدى اللقاءات مع رفيقاتنا بدون ذكر اسمِها؛ ليكُنَّ عونًا لها على تخطِّي تلك الذكرى الأليمة، وبالفعل قامَت الأخوات جزاهن الله خيرًا بطمأنتِها أنها لم تُخطئ وأنها بخير، والدليل أنها تَعيش حياتها بسلام وأمان، وتزوَّجَت وأنجبَت، وكانَ لكلماتهن الأثرُ الطيب على نفسها؛ مما جعلها تتحرَّر من ذلك الهاجس، ولأوَّل مرة بعد سنوات طويلة أصبحَت تتحدث مع الأمهات بأريحية؛ لتوعيتهن بخطورة التحرش، وأهمية توعية الأبناء.

وأخبرَتْني أختٌ أخرى أنها تعرَّضَت للتحرش في صغرها في بيتها من أحد المعلِّمين الذي كان يعطيها دروسًا خصوصية هي وأخاها، وفي يوم طلب المعلِّم من أخيها أن ينصرف؛ لأنه أنهى واجباته، وبعد انصراف الأخ فجأة قام المعلم وقبَّلها عَنوة، وحاولت جاهدة دفعَه بعيدًا عنها وفشلت، وحينما سمع المعلم صوتَ أخيها تركَها وهرَبَت من أمامه، وهرب هو أيضًا من البيت.

تقول: "جريتُ وظللت أغسل وجهي وفمي، وأنا في حالة رعب وتقزُّز شديدة، وأخبرَت والدتها بما حدث، وأخبرَت والدها الذي طمأنَها، وأخبرها ألا تخاف، وأنها أصبحت في أمانٍ الآن".

تقول الأخت: "إن وجود والِدَيها بجوارها وتفهُّمهما لمشاعرها ومحاولةَ بثِّهما الأمان في قلبها كان له عامل كبير في تخطِّيها الأزمة؛ خصوصًا في الأيام والأسابيع التالية، وترديدهم دومًا أنها قوية، وتستطيع تخطِّيَ تلك الأزمة بقوَّةٍ وثَبات، بالإضافة إلى تصرف والدها الفوريِّ مع ذلك المدرِّس؛ مما أكَّد لها أن والدها بجوارها يحميها، لكنها أخذت وقتًا طويلاً لتثِقَ في المعلِّمين مرة أخرى".

- كيف تتأكدين أن طفلك تعرض فعلًا للتحرش قبل الإقدام على أي إجراء مع المتهم بالتحرش بطفلك؟
من المهم جدًّا التأكدُ بأن الطفل قد تعرض فعلاً للتحرش، وأنه لا يتخيل ذلك؛ من كثرة ما سمع عن حوادث التحرش، أو أنه يتخيَّله كمحاولةٍ لجذب الانتباه.

وقد ذكرَت إحدى الأخوات قصَّة لمعلم يُعطي دروسًا خصوصية في إحدى القرى، ويتعامل مع كل طلابه على أنهم أولادُه، فكان يَربتُ على كَتف الطلاب، وفي يوم أتت إحدى الفتيات تشتكي لأبيها أنَّ المعلم يضع يده عليها، ولأنَّ الأب يعرف المعلم جيدًا فقد أحسن الظنَّ به وحاول أن يتأكد أولًا، وبالفعل رآه وهو يربت على كتف طلابه بطريقةٍ أبَوية ليس فيها أي شبهة، فأخذ المعلِّمَ جانبًا وأخبره أنه يَعلم أنه يَعتبرهم جميعًا أبناءه، لكن البنات قد كبرَت الآن وهنَّ لا يحبِبْن أن يلمسَهن أي رجل، وتفهَّم المعلمُ وانتهى الأمر.

وأخرى تقول: "إن طفلتها الصغيرة أخبرَتها أن أحد المعلمين يُعطيها حلوى، فجُنَّ جنونها وخافَت عليها وذهبت للتأكد، فوجدَت المعلم رجلاً كبيرًا جدًّا في السن، ويُعطي حلوى لجميع الأطفال في مجموعات، وليس ابنتها فقط، ويتعامل معهم كما يتعامل الجدُّ مع أحفاده.

وفي المقابل أخت أخرى ذكرَت قصة صديقتها التي كانت تعمل بإحدى المدارس، وكانت تلك المعلِّمة لديها طفلها بالروضة التابعة للمدرسة، وكانت قد قامت بتوعية طفلتها بما يخصُّ التحرش وكيفية التصرف، وفي يومٍ أتَت ابنتها وقالت: "إن المعلم يجعلهم يُدخلون أيديهم في جيب البنطلون؛ ليُخرجوا المفاتيح، وتلك الفتاة رفضَت ذلك، فشَكَّت المعلِّمة في الأمر، وذهبَت للفصل محاولةً لسؤال الأطفال بطريق غير مباشر، وتأكَّدَت أنه يفعل ذلك مع الجميع، فقدَّمَت شكوى ضده للإدارة.

وكان هذا ما وفَّقني الله في تجميعه، وأسأله سبحانه أن يَحفظ أبناءنا وأبناء المسلمين، وأشكر كلَّ أخت اطَّلعَت على المقال، وأسهمَت فيه بملاحظة أو إضافة؛ ليكون شاملاً من جميع الجوانب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

________________________________________
[1] المقال متوفربشبكة الألوكة.
[2] صحيح الترغيب.
[3] السلسلة الصحيحة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

سوزان بنت مصطفى بخيت

كاتبة مصرية

  • 6
  • 0
  • 23,221

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً