الليبراليون والإسلاميون في الواقع العملي
لا شك أن أغلب القوى المعارضة غير الإسلامية تتوافق مع سياسة الحزب الحاكم وأجهزته الإعلامية والقمعية في سياسات الإبعاد والاستئصال التي تتخذها ضد الحركة الإسلامية، ومن ذلك إبعاد الحركة الإسلامية عن الشعب وإبعاد الشعب عنها، وعدم إتاحة الخيار الإسلامي للشعب بين الخيارات السياسية المطروحة..
سعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس زعيما حزب الوفد
العلمانية في مصر خيار سلطة أكثر منه خيار شعب! فالشعب وإن أيد سعد زغلول كزعيم فإنه أيده لموقفه من الاحتلال الانجليزي واستبداد الملك صنيعة الانجليز، لم يعرض سعد زغلول على الشعب الاختيار بين الحكم بأحكام الشريعة الإسلامية وبين الحكم العلماني بوجهه الليبرالي، وإنما تم تخيير الشعب بين العلمانية الليبرالية المناضلة ضد الاحتلال وبين الحكم الملكي المستبد الموالي للاحتلال، ونفس الشيء حدث مع جمال عبد الناصر الذي فرض العلمانية -وإن بوجهها الديكتاتوري- بقرار فوقي مثله مثل سعد زغلول، وأيضًا أيد الشعب ناصر حيث كان الخيار أمام الشعب هو إما ثورة يوليو وزعيمها وإما الملك الفاسد والأحزاب المفسدة..
وحتى عندما اختلف ناصر مع الإخوان المسلمين فقد كانت حركة الإخوان حركة مرهقة من الضربات الأمنية المتلاحقة والنزاعات الداخلية، كما أن الصراع لم يحسمه استفتاء من الشعب، بل حسمته الآلة الأمنية الناصرية بجبروتها المعروف، المهم أن الشعب لم يختر بين ناصر والإخوان، ولم يطلب منه الاختيار بين العلمانية الناصرية والإسلامية الإخوانية، إنما كان على الشعب أن يختار إما علمانية ناصر الديكتاتورية المناضلة ضد الإمبريالية الدولية والاستعمار الغربي وإما حكومة عميلة للغرب مفروضة بأسنة الحراب الأوروبوأمريكية.
وهكذا استقرت قواعد اللعبة السياسية في مصر على استبعاد الحركة الإسلامية ومشروعها للحكم بأحكام الشريعة الإسلامية من اللعبة السياسية، والحيلولة بين الشعب وبين اختيار نظام الحكم الذي يسيطر على مقاليد البلاد، ولذلك سعي النظام الحاكم دائمًا للحيلولة بين أي جماعة أو حركة إسلامية وبين أن تتحول لحركة شعبية منتشرة بين شتى قطاعات الشعب وفئاته المختلفة، حتى لو كانت هذه الجماعة جماعة دعوية لا تحمل أي مشروع سياسي كالجمعية الشرعية أو جماعة التبليغ والدعوة ما دامت تدعو إلى أو تؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية..
كذلك دأبت الحكومة على التضييق على المشاريع التي تطبق ما عرفه العالم كله الآن باسم الاقتصاد الإسلامي، لنفي صفة أن الإسلام به تشريعات عملية يمكنها حل أزماتنا المعاصرة وفي قلبها الأزمة الاقتصادية، وحتى في ظل توجه العالم كله -بما في ذلك دول غير إسلامية- الآن لإفساح المجال للاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية بما فيها دول الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية وغيرها فإن مصر مازالت تضيق الخناق على الأنشطة الاقتصادية الإسلامية والصيرفة الإسلامية؛ لأنها لا يهمها مصلحة البلاد الاقتصادية ولا يهمها جذب الاستثمارات العاملة في هذا المجال والتي تقدر بمئات المليارات، إنما يهمها الحفاظ على قواعد اللعبة السياسية في مصر وهي إبعاد الإسلاميين بكافة تياراتهم عن الشعب وعن الانخراط في اللعبة السياسية الجارية حتى ولو كان ذلك عبر حل مشاكل الناس الاقتصادية.
كما دأبت الحكومة في إطار تنفيذ نفس الأهداف على إبعاد الإسلاميين عن العملية التعليمية والتربوية والدعوية، عبر منعهم من التسرب لكليات جامعة الأزهر التي تخرج الدعاة والخطباء والمدرسين، بل حتى لو تسرب أحدهم وحصل على هذه الإجازات العلمية من هذه الكليات فإنه سرعان ما يتم إبعاده بقرار أمني عن التعليم وعن الإمامة في المساجد، كما يتم إبعاد الإسلاميين بصفة عامة عن التدريس في المدارس الحكومية، كما يتم تضييق الخناق على المدارس الخاصة التي يديرها إسلاميون وينتهي الأمر بأكثرها للتأميم لصالح وزارة التربية والتعليم.
أما على المستوى الإعلامي فقد تم تكثيف الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين فكريًا، حتى سلموا ببعض الشعارات التي بدا ظاهرها أنه تراجع عن مطلب الحكم بالشريعة الإسلامية، وإن كان جوهره لا يحمل أي تراجع، حيث نحت الإخوان شعار دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، وهو وإن بدا للرأي العام انه تراجع (أو تطوير) إخواني، لكنه في حقيقته ليس فيه أي تراجع لأن الإسلام ليس فيه دولة دينية، بل فيه دولة تحكم بالإسلام، أي إسلامية أو مرجعيتها إسلامية، ولكن على كل حال فقد بدا الموقف الإخواني وكأنه يتراجع أمام القصف الفكري العلماني وهذا في حد ذاته يحسب سلبًا ضد الإخوان المسلمين.
ومن أثار ذلك: أن لم يعد أحد الآن يطالب بتحكيم الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع، وصارت مثل هذه الدعوة أمرًا مستغربًا بعد ما كان المطالبون بها منذ أربعين عامًا يصمون بمطالبهم الآذان ويزلزلون الأركان.
ولا شك أن أغلب القوى المعارضة غير الإسلامية تتوافق مع سياسة الحزب الحاكم وأجهزته الإعلامية والقمعية في سياسات الإبعاد والاستئصال التي تتخذها ضد الحركة الإسلامية، ومن ذلك إبعاد الحركة الإسلامية عن الشعب وإبعاد الشعب عنها، وعدم إتاحة الخيار الإسلامي للشعب بين الخيارات السياسية المطروحة، ولذلك نجد شبه إجماع بين الحكومة والمعارضة على عدم السماح للحركة الإسلامية بتكوين حزب أو النجاح في أي انتخابات مؤثرة.
كتبته في أكتوبر 2010
- التصنيف: