حساب الظالمين عمومًا وخصوصًا، كيانًا وأفرادًا
لن يبقى بناء ظالم بنوه، ولن يفلت فرد من جريمة اكتسبها سواء كانت عملاً مباشرًا أو توجيهًا أو مشاركة أو تشجيعًا، أو رضا بما بلغه، وستُحصى الآثار، والتعامل عنده تعالى بمثاقيل الذرّ، ولهذا قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}؟
في كتاب الله تعالى بيان لتعامل رب العالمين مع الظالمين، وما بنوه وما أخفوه، وما اكتسبه كل امرئ، وذلك على أوجه:
1- نظرة عامة ببيان أن هذا المكر وما بناه الظالمون، أن الله تعالى من عادته إهلاكه وإتيانه من قواعده {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النحل:26]، {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر من الآية:2]، {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال من الآية:8]، {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الشورى من الآية:24].
2- هذا المأخذ العام لا ينفي المأخذ الخاص لكل فرد وما اكتسب، وما أثّر به من أثر في غيره، سواء كان أثرًا في شخص أو أسرة أو أمة، وسواء كان تأثيرًا في اتجاه فكري أو شعور سيئ، أو ألم أو مظلمة أو ما دق أو عظم عن ذلك، قال تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} [الرعد من الآية:42]، وفي التفسير أن ما يذكره الله تعالى من علمه في مثل هذه الآيات فالمقصود به العلم وما يستلزمه من الجزاء عليه.
3- وفصّل الأمر أكثر في حديث الإفك وما شابهه من أي باطل فقال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} [النور من الآية:11]، فذكر تعالى ما لكل فرد من قسط الإثم وتوابع العمل.
4- ثم ذكر تعالى ما هو أخفى وأدق من ذلك، فذكر تعالى أنه يعلم ويحيط بما يكنونه في صدورهم من حقد أو كره أو غيظ، كل هذا كتبه الله وأحصاه وعلمه واطلع عليه وكفى عباده شأنه، فقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص:69]، {فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [يس:76].
فليطمئن كل مؤمن إلى أن الله تعالى سيمحق الباطل ككيان، وسيحاسب كل فر د على قسط ما عمل، وعلى قدر ما اكتسب، وأثر ذلك في كل إنسان ظلموه أو أسرة آلموها، وأنه تعالى يعلم ويحيط بما أكنوه في صدورهم، وأن مشاعر المُعادين لهذا الدين كأفعالهم وأقوالهم ومواقفهم وآثارهم، كبنائهم الذين يبنونه، كل هذا تحت عين الله تعالى وسمعه وبصره، والله به محيط علمًا وقدرة وجزاء.
لن يبقى بناء ظالم بنوه، ولن يفلت فرد من جريمة اكتسبها سواء كانت عملاً مباشرًا أو توجيهًا أو مشاركة أو تشجيعًا، أو رضا بما بلغه، وستُحصى الآثار، والتعامل عنده تعالى بمثاقيل الذرّ، ولهذا قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}؟ [الزمر من الآية:36]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، يعني: الله تعالى حسبك وكافيك، وحسب المؤمنين وكافيهم، فعلى الله التوكل ولله الحمد.
- التصنيف: