الجهاد تأصيل و أحكام - (3) بداية تشريع الجهاد، وختامه وآخره!
ثم استمرّت فرضيّة الجهاد من عهد موسى عليه السلام إلى يومنا هذا.. أما نهاية الجهاد وخاتمته فستكون بنزول عيسى عليه السلام وقتاله والمسلمون معه الدجالَ ومن معه من اليهود والأتباع.
* لم يكن الجهاد -الذي هو بمعنى: قتال الكافرين الممتنعين عن الإسلام والتوحيد- موجودًا ولا مُشرّعًا في الأمم السابقة، منذ نوح عليه السلام، ومن جاء بعده من الأنبياء والرسل، حتى أمة موسى عليه السلام..
فكان سابقًا: يدعو كلّ نبيّ قومَه إلى التوحيد والإسلام، وترك عبادة الأوثان والأصنام، حتى إذا أبَوا وأصرّوا على الكفر، واستكبروا استكبارًا؛ أهلكهم الله بعذابٍ من عنده، ونجَّى هذا النبيَّ ومَن آمن معه، كما أخبر سبحانه عن ذلك بقوله: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت من الآية:40].
- فلمَّا أرسَل الله موسى إلى فرعون وبني إسرائيل، وكان من أمرهم ما قصَّه الله علينا في كتابه، وأهلك الله فرعون وجنوده بالغرق؛ أوحى الله إلى موسى وخاطبَ بني إسرائيل: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة:21]، إلى قوله تعالى: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، فكانت هذه هي بداية فرضيّة الجهاد وتشريعه..
فلما امتنعوا عن الجهاد مع موسى عليه السلام، وتأبَّوا عليه؛ عاقبهم الله بالتّيه حتى هلَك مَن هلك منهم، ثم كان بعد موسى يوشع بن نون عليه السلام، نبيًّا في بني إسرائيل -وهو الذي حبس الله له الشمس عن الغروب، حتى فُتح عليه-، فقاتل معه بنو إسرائيل، وأقاموا الجهاد.
- ثم استمرّت فرضيّة الجهاد، إلى يومنا هذا، وفي أمّة محمد صلى الله عليه وسلّم، حتى شُحِنت آيات القرآن، وسُنة النبي عليه السلام بالتحريض عليه، والترغيب فيه، وشحذ الهِمم نحَوه، وتجلّى أمر الجهاد في الأمّة أكثر، وألزمته بعد هجرته عليه السلام من مكة إلى المدينة، أما قبل الهجرة؛ فكان الأمر بدعوتهم وتبليغهم وإقامة الحجة عليهم، وإن كان الإذن بالقتال ثابتًا قائمًا.
قال ابن العربيّ رحمه الله:
"والصحيح أن أول آية نزلت؛ آية الحج {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج من الآية:39]، ثم نزل: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة من الآية:190]، فكان القتال إذنًا، ثم أصبح بعد ذلك فرضًا، لأن آية الإذن في القتال مكية، وهذه الآية مدنية متأخرة" (أحكام القرآن بتصرّف).
* أما نهاية الجهاد وخاتمته:
فتكون بنزول عيسى عليه السلام وقتاله والمسلمون معه الدجالَ ومن معه من اليهود والأتباع، كما جاء في سنن أبي داود وأخرجه الحاكم، من قوله عليه السلام: « »، وهذا لا يَمنع من كون الجهاد باقيًا إلى قيام الساعة، أو يوم القيامة!
فاللهمَّ ارفع علَم الجهاد عاليًا، واجعل لنا منه حظًّا ونصيبًا يُرضيك!
- التصنيف: