الفرق بيننا وبين الصديق رضي الله عنه
حاول تستشعر أن اسمك مكان كل كلمة عبادي أو الذين آمنوا، أو الناس، وسائر تلك الكلمات التي تأتي بعد النداء، حاول تحس إن ربنا بيناديك، بيكلمك، بيسألك، يستبطئك، يدعوك ليغفر لك..
الفرق بيننا وبين الصديق رضي الله عنه حين سمع قول الله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور من الآية:22]، فقال: "بلى والله يا رب نحب أن تغفر لنا؟".
هو نفسه الفرق بيننا وبين الفضيل بين عياض اللي حياته اتغيرت بالكامل بعد أن سمع آية واحدة: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد من الآية:16]، فصاح باكيًا: "بلى يا رب قد آن بلى يا رب قد آن"
وهو أيضًا الفرق بيننا وبين سيدنا أبي الدحداح، اللي تصدق ببستانه لما سمع قول ربه: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [البقرة من الآية:245].
عارف ليه الجن لما سمعت سؤال الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13، وأغلب أيات السورة]، أجابت من فورها: "لا بشيء من آلائك نكذب ربنا ولك الحمد"، واستحسن النبي صلى الله عليه وسلم إجابتهم؟
وعارف ليه لما قال الله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة من الآية:91]، بعد أن ذكر بشاعة الخمر والميسر صاح المجيبون: "انتهينا يا رب انتهينا يا رب"، وأريقت الخمر في شوارع المدينة أنهارًا.
عارف إيه الفرق بيننا وبين هؤلاء وغيرهم كثير؟
الفرق إنهم تعاملوا مع القرآن أنه كلام الله لهم.
تفاعلوا مع القرآن بفكرة مشتركة كانت واضحة تمامًا بالنسبة لهم.
ربنا بيكلمنا، هذه الآية كلام الله لي، ملك الملوك يكلمني أنا..
يسألني، يعاتبني، يستبطئني، يبقى زاي ما أردش؟!
إزاي ما أتفاعلش؟! كيف لا أستجيب؟! هو ده الفرق الأساسي بيننا وبينهم.
ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟!
طبعا نحب! ومن لا يحب؟!
ربما لا أكون مبالغًا لو قلت بيقين جازم أنني لا أتصور مسلمًا صحيح الإسلام، تام الأهلية يعي معنى هذا السؤال، ثم يملك أن يجيب بإجابة غير تلك التي أجاب بها الصديق رضي الله عنه.
وهل يتصور أحد أن تكون إجابة مسلم عن هذا السؤال: نعم يا رب لا نحب أن تغفر لنا؟!
هل يتخيل مخلوق أن يجرؤ مؤمن بالله واليوم الآخر على رفض المغفرة؟!
أعتقد أن ذلك مستحيل عقلاً وشرعًا.
إذًا فما السبب الذي يؤدي لهذا الفارق الشاسع بين رد فعل عموم المسلمين تجاه تلك الآية ومثيلاتها، وبين رد فعل الصديق رضي الله عنه؟ إنه التعامل مع السؤال القرآني على أنه موجه له، على أنه مخاطب به..
وهنا أجاب.. وكانت الإجابة المتوقعة والمنطقية: "بلى وَاللَّه إِنِّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي"!
ثم أعاد إِلَى مِسْطَح نَفَقَته الَّتِي كَانَ يُنْفِق عَلَيْهِ وَقَالَ: "وَاللَّه لَا أَنْزِعهَا مِنْهُ أَبَدًا".
للأسف كثيرًا ما نتعامل مع القرآن على أنه فقط كتاب شعائري تعبدي، وننسى أو نتغافل عن تلك الحقيقة العظمى أنه كلام الله، وحبله الممدود طرفه بأيدينا.
حاول كدة تتعامل مع القرآن من هذا المنطلق، حاول تتفاعل معاه، تجيب عن سؤالاته، وتمتثل لأمره، وتنتهي عن نهيه، حاول تحس إن أنت المخاطب، أنت، أيوة أنت..
حاول تستشعر أن اسمك مكان كل كلمة عبادي أو الذين آمنوا، أو الناس، وسائر تلك الكلمات التي تأتي بعد النداء، حاول تحس إن ربنا بيناديك، بيكلمك، بيسألك، يستبطئك، يدعوك ليغفر لك..
حاول وركز.. وصدقني إن شاء الله هتحس بفرق كبير.
وستتغير بإذن الله علاقتك بالله وبكلامه.
ستتغير للأفضل.
- التصنيف: