الجهاد تأصيل و أحكام - (9) شُبهة: الجهاد في الإسلام للدفع فقط!

منذ 2015-06-11

الحقّ الذي لا مرية فيه، ولا شُبهة تعتريه أن الجهاد كما سبق منه (الدفع) ومنه (الطلب)، ورسالته الطَّلبية ليسَت همجية ولا بربرية ولا نفعيَّة عنتريّة، بل هي رسالة سامية نبيلة، تُرسي دعائم السعادة البشرية، للنفس الإنسانية، دنياها وأخراها.

سبق وأن أشرنا في المنشور السابق، إلى تعريف جهاد الدفع، وجهاد الطلب، وتعيّن كلّ منهما، ولكن ثمّت نبرة قومية عرقية مُخذّلة دائمًا ما تطفو بين حينٍ وآخر، تتمسّح ببعض أقوالٍ مرجوحة -دون مراعاة طبيعة الحِقَب الزمنية لأقوال هؤلاء، والتي كانت في ظلال خلافة راشدة قائمة-، فتتمسّح بهذه الأقوال لتُثبّت عرش قوميتها المُخذّلة عن الجهاد وأهله.

- وهؤلاء إما طالبون للحقّ فلُبّس عليهم؛ فهؤلاء معذورون -وهم أندر من النادر-، لكن الغالب على عامّتهم؛ تأثرهم ببعض القوميّات الدّخيلة، والمواءمات السياسية، والانتظام في سَلك السلاطين والطواغيت؛ إما تأييدًا لسياساتهم، وإما انهزامًا أما طغيانهم. 

* ويُروّج هؤلاء لجهاد مُجدّع الأطراف، لا سِنّ له ولا ناب، فيزعمون أن الجهاد في الإسلام، ما هو إلا جهاد دفع فقط، وردّ الظالم ودحره، وصدّ الصائل إذا هجم!

- ويهاجم هؤلاء أصلًا من أصول التشريع، وغاية من أعظم غايات الجهاد، ألا وهي: (جهاد الطلب)، وغزو الكافرين في عقر دارهم؛ لإعلاء كلمة الله على كفرهم وعنادهم، وإخراجهم من ظلمات الكفر والوثنية إلى نور التوحيد وبحبوحة الإسلام.. 

وهم بذلك يتقربون إلى المحافل الدولية في أثوابها السياسية والاجتماعية والمدنية، حتى صار هؤلاء من حيث لا يشعرون أبواقًا وأصداءً تترجم عمليًّا ما قام به الاستعمار الكفري، وجمعيات التبشير -التنصير- من محاربة وبعثٍ للشكوك والأوهام حول أحكام الإسلام عمومًا، وتشريعاته وفرائضه وثوابته -لا سيّما الجهاد-، مُتوهّمين زاعمين أنهم بذلك يَدفعون عن الإسلام، ويزودون عن حياضه، ويرفعون عنه تهمة انتشاره بالسيف... إلخ.

وهم على الحقيقة؛ مُخلّطون مُلبّسون، لم يفرّقوا بين الحروب السياسية الاستعمارية الهمجية البربرية، وبين الجهاد في الإسلام، ونُبل غاياته، وسُموّ أهدافه.

- وهذا ما جعل هؤلاء يؤولون كلَّ نصٍّ شرعيّ يدعو إلى الجهاد وغزو الكافرين بغير معناه الظاهر، ومفهومه المُتبادَر لأوّل وهلة، ويصرفونه إلى الدَّفع والصدّ، وبعض التبريرات الانهزاميّة. 

- وهذا أيضًا الذي جعلهم يؤولون كل فتحٍ إسلاميّ، ويُفسرون كلّ جهاد طلبيّ؛ حسب أمزجتهم وأهوائهم، فألبسوه ثياب الدفع والصدّ، وأظهروا المسلمين -حتى النموذج النبويّ والصّحابي- بمظهر الضعيف المسكين، الذي لم يستطع يومًا أن يكون صاحب فعل، بل دومًا وأبدًا هو في مقام المفعول به، صاحب ردّ الفعل الذي لا حول له ولا قوة! فهل هذا يَجدر بدينٍ جعله الله الدّين المَرضيّ عنده، وأتمّه وجعله رسالةً للعالَمين، وجعل أهله مُقدّم الأمم، وخير أمّة أُخرِجت للناس؟!

- ثم يتغنَّى أمثال هؤلاء بعدُ بأن الدّين عند الله الإسلام، وأن الله زَوى لنبيّه الأرض فرأى مشارقَها ومَغاربها، وأن مُلك أمّته سيبلغ منها مثل ذلك، إن هذا لشيءٌ عُجاب! كيف وقد قوَّضتم الإسلام، وجعلتموه قوميًّا قُطريًّا، وفرّغتموه من حقيقته وعزّته وعالَميّته التي أرسى معالمَها القرآن العظيم، والنبيّ الكريم، والصّحب الميامين؟!

تلك العزّة والعالَميّة التي عبّر عنها رِبعيّ بن عامر، لرُستم لمَّا سألَه: "ما الذي جاء بكم إلينا؟! 
فأجابه: إن الله ابتعثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام" (البداية والنهاية).

* فيا هؤلاء! نبّؤنا بعلمٍ إن كنتم صادقين:
كيف تُقيّمون إذًا فتوحات أبي بكر، وعمر، وعثمان وعليّ رضي الله عن الجميع، وفتوحات من أتى بعدهم من الصحابة، حتى اتسعت رُقعة الإسلام، وعمّت وانتشرَت؟!
كيف تُفسّرون فتح عمرو بن العاص لمصر وما وراءها؟!

ما تقولون في فتح المسلمين للأندلس؟! 
هل كان أهل الأندلس مُعتدين على المسلمين، صائلين مُحاربين آنذاك؟!

كيف كان حال أهل بلاد ما وراء النهر؟! هل كانوا مُحاربين مُعتدين ظالمين؟!
أليَست كلّ الفتوحات الحاسمة، والمعارك الفاصلة، في تاريخ المسلمين كلها كانت خارج جزيرة العرب، وخارج حدود بلاد المسلمين وقتها؟!

* فالحقّ الذي لا مرية فيه، ولا شُبهة تعتريه أن الجهاد كما سبق منه (الدفع) ومنه (الطلب)، ورسالته الطَّلبية ليسَت همجية ولا بربرية ولا نفعيَّة عنتريّة، بل هي رسالة سامية نبيلة، تُرسي دعائم السعادة البشرية، للنفس الإنسانية، دنياها وأخراها.

ومنشورنا القادم بإذنه تعالى فيه المزيد من النصوص والبيان حول ذلك.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو فهر المسلم

باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله

  • 11
  • 9
  • 16,719
المقال السابق
(8) أقسام الجهاد بالسيف، وحكم كل منها
المقال التالي
(10) مشروعية جهاد الطلب وكونه من أصول الجهاد مرادًا للشارع

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً