خطوات في التربية - (32) العلم قبل الطريق (1)

منذ 2015-07-02

إن الخطورة أن تبذل جهدًا ضائعًا، وأن تتعب ولا تجد، وأن تفاجأ بعد سير طويل أن ما تبذله غير مقبول؛ لافتقاد شرط في الطريق.. ومن هنا فالعلم بالطريق شرط أساس ليكون السالك على بينة من أمره..

احذر من خيبة السعي والجهد الضائع
عندما تكون على يقين من أمرك.. يقين بالغيب بما أخبرك الله تعالى، وقررت الرحيل طواعية عن هذه الدار، فانظر فإن للطريق أصول وعلامات، فقبل أن تسلكه لا بد أن تتعلم أصوله، فالتعبد والتربية جهد كبير، والمفروض أن تفني فيه حياتك، وأن تموت وأنت تبذل هذا الجهد من التربية وتحافظ على ما وصلت اليه.

إن الخطورة أن تبذل جهدًا ضائعًا، وأن تتعب ولا تجد، وأن تفاجأ بعد سير طويل أن ما تبذله غير مقبول؛ لافتقاد شرط في الطريق.. ومن هنا فالعلم بالطريق شرط أساس ليكون السالك على بينة من أمره..

إن الله تعالى حدثنا عمن أنفق عمره ولم يبلغ ما يريد: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:103-104]، وأخبرنا تعالى عمن {اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف من الآية:30]، وحدثنا عن {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} [الغاشية:2]، يعني من الذل والمهانة {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:3]، عاملة في الدنيا على غير هدى، ناصبة يوم القيامة لخيبة سعيها.

إن للطريق أصولًا يجب أن تعرفها لتبذل جهدًا في محله؛ قال معاذ بن جبل وغيره من الصحابة والتابعين: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة".

اعلم أن هناك قُطّاعًا عن طريق الله تعالى {يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف من الآية:45]، كما يقومون بدور الإضلال فبعض أهل النار يقولون: {رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً} [الأعراف من الآية:68]، وبعضهم يقول: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأعراف من الآية:67]، والسادة هم القيادات الدنيوية والأكابر في السِن، والكبراء هم القيادات الدينية المضلة (راجع النسفي).

قد تجد قاطعًا للطريق في ثوب عالم أو واعظ، ويرتدي العمائم.. 
أو تجد قاطعًا للطريق يزين الشهوة ويستدل على ترك الدين بالدين نفسه! 
وجاءنا في عصرنا هذا من يجعل الدين يلغي نفسه بنفسه! ثم يقولون للناس: "أنتم بخير.."!

لا تستهن بهذا فإن الواقع المعاصر قد يجعل بعض الناس يبذل دمه وحياته، وهو يخدعه قائلاً أنه في طريق الحق بينما هو يبذل دمه وحياته لترسيخ الباطل وحرب الإسلام، إن لله تعالى حقوقًا خالصة يجب أن تعرفها، وإلا كنت مشركًا ولا يغني عنك الانتساب للإسلام..

والمعتقد الصحيح يمنع الضلال ويجعلك على السُنة، التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها، وإلا كان العمل مردودًا عليك.

وفيما يجب عليك علوم عينية تأثم بجهلها.
ليس الشأن في أن تتعب أو تنصب، أو تجوع أو تظمأ، لكن أعظم النعم، والشأن كل الشأن، أن ينال عملُك شرف الوصول إلى الله تعالى، وهو الشرف المتضمَن في قوله تعالى: {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج من الآية:37].

إن رهبان النصارى والبوذيين والهنادكة، وأتباع كونفوشيوس، والدلايلاما في التبت، والوثنيين في إفريقيا، وغيرهم كثير، يتعبون وينصبون أكثر منك، وهم يظمؤون ويجوعون أكثر منك، ويحْرِمون أنفسهم من متع الدنيا وطيباتها، ويحرّمونها على أنفسهم أكثر مما تترك أنت من الخبائث المحرمة، بكثير.

يعيشون على وهْمٍ ويخترعون تعبدات، وبمضي الزمن يقدَّس واضعوها ومخترعوها، ثم يأتي ملايين ممن هم كالأنعام لا سمع يعقلون به ولا بصر ولا أفئدة تعي، يتلقون بلا عقل، فيتتابعون كالفراش في النار.

ولهذا حرمت البدع لما تتضمن من المفاسد الكثيرة، وأعظمها أنها ضلال عظيم حيث يدعي مخترعها رضا الله تعالى عنها من قول أو عمل أو اعتقاد، وهذا المدعي كاذب على الله مفترٍ عليه، ولن يقبل عمل من مفترٍ، فمن تلقاها منه لم يجد شيئا عند لقاء الله تعالى بعد تعبه وكدّه وفناء عمره فيما لا ينفع..
وفي المقالات التالية نوضح جملاً مختصرة عما تجب معرفته في الطريق.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 1,943
المقال السابق
(31) اليقين في البعث واليوم الآخر (3)
المقال التالي
(33) العلم قبل الطريق (2)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً